إشراقات أدبيةالمقالقناة نحو الشروق

(أبو العتاهية) بقلم: “عبدالمجيد محمد باعباد”

(من أدب المناظرات الشعرية)
تقديم / الدكتور عبدالمجيد محمد باعباد..
لقائي الليلة مع عملاق من عمالقة الأدب العربي من أشهر وأعظم شعراء العصر العباسي (أبو العتاهية)..
(نبذة تعريفية عن حياة الشاعر)
من هو أبو العتاهية (”هو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني )توفي أبو العتاهية في بغداد عام( 211هـ)الموافق(826م ) عن عمر يناهز( تسع وخمسون عاماً.،) وولد عام( 747 )م الموافق (130 هـ) في مدينة عين التمر وهي إحدى مدن كربلاء بالعراق، ثم انتقل بعد ذلك إلى الكوفة، ثم إلى بغداد، وأصبح على علاقة وثيقة بالخلفاء مثل : المهدي، الهادي، وهارون الرشيد وكان ذلك في عهد شبابه يمدح الخلفاء ويلهو بمجونه في شوارع بغداد ويتغزل بأشعاره وقد تغزل أبو العتاهية بعتبة التي رفضته،وينقلنا شعره إلى حبه لعتبة التي كانت جارية لزوجة المهدي، وكانت هذه الجارية راكبة مع مجموعة من الخدم وكنت تتصرف في حوائج الخلافة ومنذ ذلك الوقت نظر إليها أبو العتاهية وأظهر عشقه لها وأحبها وتعلق قلبه بها وكتب فيها أجمل القصائد وأروعها وأكثرها عذوبةً وجمالاً، وهو في عنفوان شبابه وبقي أبو العتاهية متغزلاً بعتبة وكان ينظم لها الأشعار الغزلية حتى تغنت بها أفواه الناس وسمعتها قصور الخلافة ولكنها كانت قصة حب فاشلة ..وقيل أنه لقب بأبي العتاهية؛ من شدة تعته وجنونه بعتبة وقيل لأنّه كان في بداية شبابه متعتهًا بلهوه ومتولعًا بمجونه .وقيل أنه كان متعتهًا بغزارة علمه وشدة ورعه وزهده ومن خلال رفض عتبة ترك أبو العتاهية حياة اللهو والمجون والغزل وانتقل إلى حياة الزهد وعمل بائعًا للجرار مع أهله واشتهر بصناعة أواني الفخار،وكان يميل إلى إتقان الشعر والأدب وحينما بلغ أشده ونضج عقله ترك إتباع هواه وكفّ عن اللهو والمجون، ومالَ إلى حياة التنسُّك والتزهد حتى آخر أيام حياته اتخذ الزهد مذهبًا له،وانصرف عن ملذات الدنيا وكان شاعرًا مكثرًا في قول الشعر خاصّة عن مواعظ الحياة ومواعظ الموت وأشعار الحكم والتفكر والانشغال بذكر الموت والدار الأخرة وكان سريع الخاطر، ويُلحظ في شعره الإبداع،وقد عاصر بشارًا بن برد وأبو نواس وغيرهم كثير.وأبو العتاهية من أبرز زعماء الاتجاه التجديدي المحدث في العصر العباسي، ذلك أن مذهبه الفني قائم على التجديد في الموضوع والمبنى الشعري معاً، كما يمكن للقارئ أن يلاحظ أن لغته تمتاز بسمات فنية طبعته بطوابع خاصة منها انحيازه للبساطة والوضوح، إذ مال أبو العتاهية إلى السهولة في الألفاظ واستعمالها، والبساطة في العبارة وصياغتها وبنائها، حتى تقترب لغته من لغة الناس اليومية..وقد أجريتُ مناظرةً حوارية مع أبي العتاهية مستخلصًا أبرز الدروس الأدبية خلال مراحل حياته المختلفة وهذه المناظرة الحوارية مليئة بالفوائد الثرية والموارد الفكرية الجمة والتي من شأنها تفيد طلاب العلم وتعين الباحثين في الأدب العربي على التعرف على عبقريته وأبرز ملامح شخصيته والوصول إلى خلاصة مستنتجة من تجربته الشعرية….
والآن نبدأ
(المناظرة الشعرية والمقابلة الحوارية)
تقديم المناظر الدكتور /عبدالمجيد محمد باعباد.
مشاهدينا الكرام مستمعينا الأعزاء قراءنا الفضلاء رواد هذا الفضاء الافتراضي جهابذة البيان عشاق الأدب والشعر محبي الحرف والكلمة رحبوا معي هذه الليلة بالأديب الحكيم شاعر الوعظ والزهد..
(أبو العتاهية)
مرحبا بك أهلا وسهلا بدايةً نقول لك:
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
عليكم سلام الله إني مودع
وعيناي من مض التفرق تدمع
فإن نحن عشنا يجمع الله بيننا
وإن نحن متنا فالقيامة تجمع
_بدايةً طمنا عن حالك وكيف أنت الآن؟
كأني يوم يحثى التراب فوقي
مهيلًا لم أكن في الناس حيا
كأن القوم قد دفنوا وولوا
وكل من حولي ملتفتٌ إليا
كأني قد صرت منفرداً
وحيدا ومرتهنا هناك بما لديا
كأني بالباكيات علي يومًا
وما يغني البكاء عليَّ شيئا
ذكرتٌ منيتي فبكيت نفسي
ألا أسعد أخيك يا أخيا
_حبذا أن تعرفنا عن نفسك وما هو نسبك من أبيك؟
يا نفس أين أبي وأين أبو أبي
وأبوه عدي لا أبا لك وأحسبي
عدي فإني قد نظرت فلم أجد
بيني وبين أبيك آدم من أبي
_يا سلام ما أروعك ولكنك لم تعرفنا عن نفسك؟
وإن لكل حادثة لوقتا
وإن لكل ذي عمل حسابا
وإن لكل مطلع لحدا
وإن لكل ذي أجل كتابا
وإن لكل تلخيص لوجها
وإن لكل مسألة جوابا
_ولكن ينبغي لمن عرف شخصًا ما أن يعرف حسبه ونسبه؟
كَرَمُ الفتى التّقوَى، وقُوّتُهُ
مَحض اليقينِ، ودينُهُ حَسَبُهْ
حِلْمُ الفَتى مِمّا يُزَيّنُهُ؛
وتَمامُ حِلْيَةِ فَضلِهِ أدَبْه
ْ والأرْضُ طَيّبَةٌ، وكلُّ بَني
حَوّاءَ فيها واحِدٌ نَسَبهْ
ولرُبّ ذي نَشَبٍ تَكَنَّفَهُ
حُبُّ الحَياةِ، وغَرّهُ نَشَبُهْ
كلٌّ إلى الرّحمانِ مُنَقلَبُهْ؛
والخَلْقُ ما لا يَنْقَضِي عَجَبُه
يا صاحِبَ الدّنْيا المُحِبَّ لهَا!
أنتَ الذي لا يَنقَضِي تَعَبُهْ
-ولكن أظن أن زهدك منعك أن تعرفنا بنفسك وأظنك خشيت أن تقول عن نفسك (أنا) كذا..وكذا فما ردك؟
سأسأل عن أمور كنت فيها
فما عذري هناك وما جوابي
بأية حجة أحتج يوم الحسابِ
إذا دعيت إلى الحسابِي
هما أمران يوضح عنهما لي
كتابي حين أنظر في كتابي
فإما أن أخلد في نعيم
وإما أن أخلد في عذابي
_نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يخلدك في جنات النعيم
وأن ينير ظلمة قبرك ويبرد مضجعك وأن يحشرك في زمرة الصالحين..لكن يا أبا العتاهية خبرنا كيف أصبحت الآن؟
أصبح القبر مضجعي ومحلي وموضعي
صرعتني الحتوف في الترب يا ذل مصرعي
أين إخواني الذين إليهم تطلعي .
مت وحدي فلم يمت واحد منهم معي.
_ ولكننا معك الآن ونحن نستمع إلى جزيل أدبك ونستشف من عبير حكمك ومواعظ عبرك ولكني استميحك عذرًا يا أبا العتاهية إن كان حواري هنا يؤذي مضجعك وينقض مرقدك فإني لا أخاطبك شخصيًا هنا ولقائي هذا ليس انتقاصًا بك وإنما هذا اللقاء يخاطب أدبك ولا أخاطب بك العظام الرفات فماذا تقول لي إذا عز لنا اللقاء بعد الممات ؟
إذا ما خليلي حل في برزخ البلى
فحسبي به نأيا وبعد لقاءِ
يعز دفاع الموت عن كل حيلة
ويعيا بداء الموت كل دواء
ونفس الفتى مسرورة بنمائها
وللنقص تنمو كل ذات نماءِ
شكرا لتواضعك وقبول الرد من ديوان شعرك صف لنا فلسفة العبور في هذه الدنيا؟
سقطت إلى الدنيا وحيدا مجردا***
وتمضي عن الدنيا وأنت وحيدٌ
_وماذا كنت تطلب من الدنيا وكيف هربت منها؟
طَلَبتُكِ يا دُنيا، فأعذَرْتُ في الطّلبْ
فما نِلْتُ إلاّ الهَمّ والغَمّ والنّصَبْ
فَلَمّا بدَا لي أنّني لَستُ واصِلاً
إلى لَذّةٍ، إلاّ بأضْعافِها تَعَبْ
وأسرَعْتُ في ديني، ولم أقضِ بُغيَتي
هرَبْتُ بديني منكِ، إن نَفَعَ الهرَبْ
_وصفت لنا الدنيا بانها دار فناء وشقاء وعناء ولكن ما هو الشيء الذي ينفعنا إن كان بإيماننا أن ندركه؟
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه
فما فاته منها فليس بضائرِ ،
إذا أنت لم تُؤثرْ رضى الله وحده
على كلّ ما تهوى فلستَ بصابر ،
إذا كنت َ بالدنيا بصيراً فإنّما
بلاغُك منها مثلُ زاد المُسافر.
_وكيف تصف لنا حوادث الحدثان وحال الإنسان؟
إنّ الحَوادِثَ، لا مَحالَةَ، آتِيَهْ
مِنْ بَينِ رائحَةٍ تَمُرّ، وغادِيَهْ
وَلَرُبّما اعْتُبِطَ السّليمُ فُجاءَةً،
وَلَرُبّما رُزِقَ السّليمُ بعافِيَهْ
_وكيف تصف لنا فلسفة الزمان وهل يستطيع الإنسان مواجهته؟
المَرْءُ يَطلُبُ، والمَنيّةُ تَطلُبُهْ،
ويَدُ الزّمانِ تُديرُهُ وتُقَلّبُهْ
ليسَ الحَريصُ بزائدٍ في رِزْقِهِ،
اللهُ يَقْسِمهُ لَهُ ويُسَبّبُهُ
لا تَعْتِبَنّ على الزّمانِ، فإنّ مَن
يُرْضي الزّمانَ أقلُّ ممّن يُغضِبُهْ
_وكيف تصف لنا الزمان كما تعرفه؟
وإنك يا زمان لذو صروف وإنك يا زمان لذو انقلاب فما لي لست أحلب منك شطرا فأحمد منك عاقبة الحلاب
وما لي لا ألح عليك إلا بعثت الهم لي من كل باب
_وماذا تقول عن الدهر وأحواله ؟
وَما الدَهرُ يَوماً واحِداً في اختِلافِهِ
وَما كُلُّ أَيّامِ الفَتى بِسَواءِ
وَما هُوَ إِلّا يَومُ بُؤسٍ وَشِدَّةٍ
وَيَومُ سُرورٍ مَرَّةً وَرَخاءِ
_وكيف تنقضي صروف الأيام رغم مرارتها ونوائبها؟
ستمضي مع الأيام كل مصيبة***
وتحدث أحداثا تنسي المصائبا
_وكيف تنظر إلى العيش ؟
ما رأيت العيش يصفو لحد***دون كد وعناء ونكد
حلاوة عيشك ممزوجة***فما تأكل الشهد إلا بسم
_وكيف كنت تنظر إلى الدنيا.؟ وماذا تنصحني أن أخذ منها ؟
أرى الدنيا لمن هي في يديهِ ….عذابًا كُلما كَثُرت لديهِ
تُهينُ المُكريمنَ لها بصُغرٍ ……وتُكرمُ كلّ من هانت عليهِ
إذا استغنيت عن شيء فدعهُ…وخذ ما أنت محتاجٌ إليهِ
بارك الله بك وزدني من وعظك؟
امنع فؤادك أن يميل بكِ الهوى ..
واشدد يديك بحبل دينك والورع.
_وأنت هل عرفت الهوى ؟
إِخوَتي إِنَّ الهَوى قاتِلي
فَيَسِّروا الأَكفانَ مِن عاجِلِ
وَلا تَلوموا في اتِّباعِ الهَوى
فَإِنَّني في شُغُلٍ شاغِلِ
_وهل عرف قلبك الحب؟
وَلي فؤاد إِذا طالَ العذاب به
هام اشتياقا إِلى لقيا معذبه
يَفديكَ بالنفس صَبٌّ لو يكون له
أَعَزُّ مِن نفسه شَيءٌ فداك به
_وهل كان حبك لعتبة حبًا حقيقيًا؟
أم كان مجرد عشق تافه ؟
أحد قال لي ولم يدر ما بي
” أتحب الغداة عتبة حقا”
فتنفست ثم قلت: نعم حبٍ
جرى في العروق عرقاً فعرقا
_إذا صف لنا جمال محبوبتك كما عرفتها؟
حسناء لا تبتغى حَلْياً إذا برزت
لأن خالقها بِالحُسْنِ حَلاَّهَا
قامت تمشى فليت الله صيَّرنِي
ذاك التراب الَّذي مسته رجلاها
حبذا أن تصف لنا محاسنها ؟
كَأَنَّها مِن حُسنِها دُرَّةٌ
أَخرَجَها اليَمُّ إِلى الساحِلِ
كَأَنَّ في فيها وَفي طَرفِها
سَواحِراً أَقبَلنَ مِن بابِلِ
لَم يُبقِ مِنّي حُبُّها ما خَلا
حُشاشَةً في بَدَنٍ ناحِلِ
_وماذا قلت لها عندما غازلتها؟
إن شئت موتا فأنت الدهر مالكه روحي
وان شئت أن أحيا فأحييني
يا عتب ما أنت إلا بدعة خلقت
من غير طين وخلق الناس من طينِ
_ولكنها كانت لا تحبك بماذا عاتبتها عندما رفضتك حبيبًا لها؟
لجت عتيبة فى هجرى فقلت لها
تبارك الله ما أجفاك يا ملكة
إن كنت أزمعت يا سؤلي ويا أملي
حقا على عبدك المسكين بالهلكة
فقد رضيت بما أصبحت راضية
هاقد هلكت على اسم الله والبركة
_ إذا صف لنا كيف صارت حالتك النفسية عندما علمت برفضها ؟
عَيني عَلى عُتبَةَ مُنهَلَّةٌ
بِدَمعِها المُنسَكِبِ السائِلِ
يا مَن رَأى قَبلي قَتيلاً بَكى
مِن شِدَّةِ الوَجدِ عَلى القاتِلِ
_وكيف كان شعورك بذلك؟
عُتبُ ما الخيال خبريني ومالي
لا أَراه أتانى زائرا مذ لَيالى
لو رآني صديقي رق لي أو رثى لي
أو يرانى عدوي لانَّ من سوء حالي
_ نحن نعلم أن الحب من طرف واحد يقتل صاحبه ولا يصل به إلى نتائج مقبولة إلا إذا كان الحب من الطرفين أنت ما رأيك ؟
إنّي لأعجبُ من حبٍّ يقرّبني
ممن يباعدني منه ويُقصيني
أما الكثير فما أرجوه منك ولو
أطْمَعْتِني في قليل كان يكفيني
_ وكأن محبوبتك لم تعرك أي اهتمامٍ فكيف لومتها وشرحت لها حالتك؟
يا عُتبَ سَيِّدَتي أَما لَكَ دينُ
حَتّى مَتى قَلبي لَدَيكِ رَهينُ
وَأَنا الذَلولُ لِكُلِّ ما حَمَّلتِني
وأَنا الشَقِيُّ البائِسُ المِسكينُ
وَأَنا الغَداةَ لِكُلِّ باكٍ مُسعِدٌ
وَلِكُلِّ صَبٍّ صاحِبٌ وَخَدينُ
لا بَأسَ إِنَّ لِذاكَ عِندي راحَةً
لِلصَبِّ أَن يَلقى الحَزينَ حَزينُ
يا عُتبُ أَينَ أَفِرُّ مِنكِ أَميرَتي
وَعَلَيَّ حِصنٌ مِن هَواكِ حَصينُ
_عتبة رفضت جميع الوسطاء الذين قدمته لطلبها ورفضت وساطة سيدها الخليفة من أجل أن تقبل زواجك بل أظهرت رفضها الكامل وزاد عنادها..فكيف كان ردك لها؟
ألا مالسيدتي مالها
أدلت فاحمدت ادلالها
وإلا ففيمَّ تجنت وما جنيت
سقى الله أطلالها
وجارية من جواري الملوك
قد أسكن الحسن سربالها
_وكيف كانت تنظر إليك الناس وأنت تعاني شقاء الحب والهوى وطول بلائك في غمةِ الأسهار؟
ما لي أرى الأبصار بي جافية
لم تلتفت منى إلى ناحية
لا ينظر الناس إلى المبتلى
وانما الناس مع العافية
_لقد فشلت جميع الوساطات في إقناع محبوبتك عتبة فماذا قلت بعد أن يئست من حبها وكيف تركت هواها؟
قـطـعـت ُ مـنـك ِحـبـائـل الآمالـى
وحططت ُ عـن ظهـر المطي رحالي
ويئـسـت ُ أن أبـقـى لـشـيءٍ نـلــت
مـمـا فـيـك ِ يادنـيـا وأن يبـقـى لـي
فوجت ُ بـرد اليـأس بـيـن جوانحي
وأرحـت ُ مـن حـلّـي ومــن ترحـالـى
ولئـن يئـست ُ لـرب بـرقـة ِ
خـلَّـب بـرقـة لــذي طـمـع ٍ وبــرقــةِ آل ٍِ
مــا كان أشــأم إذ رجاؤكِ قـاتلى
وبـنـات ُ وعـدكِ يعتـلجـن َّ بـبـالي
فــألآن يـادنـيـا عـرفـتــكِ فـاذهـبي
يــادار كــل تــشــتــت ٍ وزوال
والآن أبصـرت السبيـل إلـى الـهـدى
وتفـرغـت هممي عـــن الأشـغــال
_بماذا تنصح من كانت له قصة حب فاشلة مثل قصتك؟
وما من محبٍّ نال ممّن يحبّه ..
هوىً صادقاً ؛ إلّا سيدخله زهوُ
_ وإذا كان العشق من طرف يقتل الفتى فماذا تقول له؟
اِصبِر لكل مصيبة وتجلد
وأعلم أن المرء غير مخلد
أوما ترى أن المصائب جمة
وترى المنية للعباد بمرصد
_وبعد أن كبحت هواك وقذعت طيشك وعرفت الرشاد لنفسك كيف تقوى تدينك وزاد زهدك في هذه الحياة؟
آمَنتُ بِاللَهِ وَأَيقَنتُ
والله حَسبي حَيثُما كُنتُ
كَم مِن أَخٍ لي خانَني وُدُّهُ
وَلا تَبَدَّلتُ وَلا خُنتُ
الحَمدُ لِلَّهِ عَلى صُنعِهِ
إِنّي إِذا عَزَّ أَخي هُنتُ
_الشيخوخة والشباب هما مرحلتان حتميتان في حياة الناس ولكن أنت بلغ بك الكبر وشاخ جسمك وذهب منك العمر وأعجزك الدهر وكنت تتمنى العودة إلى أيام شبابك لتعمل أحسن مما أنت عليه في مرحلة العجز ولكنك كنت ترى شباب الأمة من حولك وهم في زهور أعمارهم ينتابهم العجز والكسل والخور والخمول فعاتبت قوة الشباب بعجز الكهول وتمنيت العودة إلى أيام شبابك فكيف تمنيت ذلك؟
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني
فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيبُ
فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ
نعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً
كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ
فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْما
فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ
_وما رأيك في الشباب والفراغ؟
إن الشباب والفارغ والجده***
مفسدة للمرء أي مفسده
_وبماذا تصف لنا طول بقائك ؟
طلبت المستقر بكل أرض .. فلم أرى لي بأرضٍ مستقرا , أطعت مطامعي فاستعبدتني .. ولو أني قنعت لكنت حرا
_وما هو الوعظ الذي يبقى مع الإنسان إلى آخر حياته؟
كفى واعظا للمرء أيام دهره***تروح له بالواعظات وتغتدي
_وكيف كانت أيام دهرك وصروفها؟
أَيا عَجَبَ الدُنيا لِعَينٍ تَعَجَّبَت
وَيا زَهرَةَ الأَيّامِ كَيفَ تَقَلَّبَت
تُقَلِّبُني الأَيّامُ عَوداً وَبَدأَةً
تَصَعَّدَتِ الأَيّامُ لي وَتَصَوَّبَت
وَعاتَبتُ أَيّامي عَلى ما تَروعُني
فَلَم أَرَ أَيّامي مِنَ الرَوعِ أَعتَبَت
_قلنا رأيك الفلسفي حول حقيقة الموت والخلود فيما بعد؟
الموت باب وكل الناس داخله
يا ليت شعري بعد الباب ما الدار
الدار جنة خلد إن عملت بما
يرضي الإله وإن قصرت فالنار
هما محلان ما للناس غيرهما
فانظر لنفسك ماذا أنت تختار
_بماذا تنصح من غرته الحياة الدنيا وهو ما زال يحبها؟
إذا تستّرت بالأبواب والحرس
وأعلم بأنّ سهام الموت قاصدةٌ
لكلّ مدّرعٍ منّا ومـتّرس
ترجو النجاة ولم تسلك طريقتها
إنّ السفينة لا تجري على اليبـسِ
— وكيف تصف من أنهكته الحياة وتاهت به دروب الدنيا وهو ما زال يحبها ويطمع بها؟
ومن كانت الدنيا مناه وهمه***
سبته المنى واستعبدته المطامعُ
_وبماذا تنصح من طابت له حياته بملذاتها؟
تَخَفَّفْ من الدنيا لعلكَ أن تنجو
ففي البِرِّ والتقوى لكَ المسلكُ النهجُ
_وماذا تقول لمن أفنى حياته كلها في جمع الأموال وترك فيها الأعمال الصالحة وانشغل بها عن آخرته؟
يا جامع المال في الدنيا لوارثه …
هل أنت بالمال بعد الموت تنتفعُ
_وماذا تقول لمن عشق الحياة ونسي ما ينفعه؟
لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ؛
كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ
فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما
يُرَى عاشِقُ الدُّنيَا بجُهْدِ بَلاَءِ
حَلاَوَتُهَا ممزَوجَة ٌ بمرارة ٍ
ورَاحتُهَا ممزوجَة ٌ بِعَناءِ
فَلا تَمشِ يَوْماً في ثِيابِ مَخيلَة ٍ
فإنَّكَ من طينٍ خلقتَ ومَاءِ
_وماذا تنصحني إذا رأيت عداوة الناس؟
أخي! كنْ على يأسٍ من النّاسِ كلّهمْ جميعاً وكُنْ ما عشتَ للهِ راجيَا ، ألمْ ترَ أنَّ اللهَ يكفي عبادَهُ فحسبُ عبادِ اللهِ باللهِ كافِيَا.
_ قل لي رأيك في معاشرة الناس وما هي أوصافهم المتسترة والظاهرة في المجتمع؟
طول التعاشر بين الناس مملول
ما لابن آدم إن فتشت معقول
للمرء ألوان دنيا رغبة وهوى
وعقله أبدا ما عاش مدخول
يا راعي النفس لا تغفل رعايتها
فأنت عن كل ما استرعيت مسؤول
خذ ما عرفت ودع ما أنت جاهله
للأمر وجهان معروف ومجهول
_وكيف تصف طباع الناس؟وما هي أبرز أخلاقهم السائدة؟
قد بلونا الناسَ في أخلاِقهم … فرأيناهُمْ لذي المالِ تَبعْ
وحبيبُ الناسِ من أَطْمَعَهُمْ … إِنما الناسُ جميعاً بالطمَعْ
_‏ وكيف تصف الإنسان الذي يراعي حق الإخوة في المجتمع؟
أَتَدْري مَن أخوكَ أخوكَ حقّاً؟ أخوكَ بصبرِه لكَ واحتِمالِهْ , أخوكَ الـمُبتغي لكَ كلَّ خيرٍ .. وصاحبُكَ الـمُداوِمُ في وِصالِهْ
_ماذا تقول لمن كان له رفيق بلا رفق وهو مباسل من أجل حياته ولكن يتغلب عليه الطبع العنيف والخلق الغليظ؟
الرفق يبلغ ما لا يبلغ الخرق***
وقل في الناس من تصفو له خلق_
-وماذا تقول في ود صديقك إذا كان ينافقك في وده؟
وكلُّ صديقٍ ليسَ في اللهِ ودُّهُ
فإنّي بهِ، في وُدّهِ، غَيرُ وَاثِقِ.
_وماذا تقول لمن يتغافل أخطائه ويبحث عن أخطاء الآخرين من حوله؟
ومن يتتبّع جاهدًا كلَّ عثرةٍ …
يجدْها ولا يَسلم له الدهرَ صاحبُ.
_متى يكون الصمت أفضل من الكلام؟
والحديث أهون من السكوت في منظورك الفلسفي؟
يخوضُ أناسٌ في الكلامِ ليوجزوا . . . . وللصَّمْتُ في بعض الأحايين أوجزُ
إِذا كنتَ أن تحسنَ الصمتَ عاجزاً . . . . فأنتَ عن الإِبلاغِ في القولِ أعجزُ
_قلنا بمنظور فلسفتك وفحوى حكمتك ما هو أشد جهاد يجهد الإنسان خلال حياته؟
أشد الجهاد جهاد الهوى
وما كرم المرء إلا التقى
وأخلاق ذي الفضل معروفة
ببذل الجميل وكف الأذى..
_أكثر الناس في حياتهم نراهم يحرصون على حب الدنيا ماذا تقول لهم؟
قد شاب راسي ورأس الحرص لم يشب*** إن الحريص على الدنيا لفي تعب
_هل منَ الصعب أن يسيطر الحرص على الإنسان صاحب الأخلاق العالية.؟
ما استعبدَ الحرصُ من له أدبُ
للمرءِ من الحرصِ همّةٌ عجَبُ
لله عقل الحريصِ كيف له
في كلّ ما ينالُه أرب
_من خلال تعمق حكمتك ماذا تقول لمن قتله الطمع؟
من لم يكن بالكفاف مقتنعًا
لم تكفه الأرض كلها ذهب
—من خلال نظرتك إلى طباع النفس البشرية ما هو الأمر المثيل الذي يقذعها ويهذبها عن غرورها؟
لا يصلح النفس ما دامت مدبّرة إلاّ التنقل من حال إلى حالِ.
_قل لي رأيك ما هي المعاملة الحسنة التي ينبغي أن يعامل بها الإنسان جميع الناس في مجتمعه؟
لا تمش في الناس إلا رحمة لهم
و لا تعاملهم إلا بإنصاف
_جميع الناس تتخذ أصدقاءً لها ومنهم الوفي والجبان ولكن هناك من يتخذ صديقًا أحمقًا بماذا تنصحه؟
احذر الأحمق أن تصحبه إنما الأحمق كالثوب الخلق كلما رقعته من جانب زعزعته الريح يوما فانخرق
_يصاب الكثير من الناس في حياتهم بأمراض مزمنة وأمراض أخرى قد تكون أسقام دورية أو أمراض معضلة وربما لا تبرأ منها الأجسام ولكن الكثير من الناس يغفلون باب الرجاء ويقصدون الأطباء في كل البلدان لعلهم يجدون عافية الجسد ويتناسون من خلق الدواء ومن عنده طب الشفاء فماذا تقول لهم؟
إن الطبيب بطبه ودوائه***لا يستطيع دفاع مكروه أتى***ما للطبيب يموت بالداء الذي***قد كان يبرئ منه فيما قد مضى***هلك المداري والمدارى والذي***جلب الدواء وباعه ومن اشترى
—بعض الناس يفضلون حياة الرفاهية ويسعون إليها بكافة السبل ويبذرون أموالهم لأجلها ويفنون أعمارهم في طلبها ويظنون أنهم بذلك يصلون منتهى السعادة بينما هناك الكثير من الناس يعيشون أسعد منهم وهم في قمة التعاسة ورغم ذلك تناغصهم الحياة وتكابدهم ويرمقهم شظف العيش وتنقصهم الأموال ولكنهم سعداء بما عندهم ما رأيك إن كنت منهم؟
رغيف خبز يابس*** تأكله في زاوية***وكوز ماء بارد*** تشربه من صافية***وغرفة ضيقة*** نفسك فيها خالية***أو مسجد بمعزل*** عن الورى في ناحية***تدرس فيه دفترا*** مستندا بسارية***خير من الساعات في*** فيء القصور العالية***تعقبها عقوبة*** تصلي بنار حامية
—ماذا تقول لمن يتهرب عن موعد الموت بقوة عتاده وبحجة وجاهته بين قومه؟
كم من عزيزٍ أذل الموتُ مصرعه …
كانت على رأسهِ الراياتُ تخفقُ
_عرفت الهوى في عفنوان شبابك ولهوت أيامًا من عمرك وحينما بلغت سن الرشد عرفت بشاعر الزهد وهذبت نفسك وقذعتها ولكن كيف ندمت على ما فاتك؟
بكَتْ عَيني على ذَنْبي،
وما لاقَيْتُ مِنْ كَرْبي
فَيا ذُلّي، ويا خَجَلي،
إذا ما قالَ لي رَبّي
أمَا استَحيَيتَ تَعصِيني،
ولا تَخشَى مِنَ العَتْبِ
وتُخفي الذّنبَ من خَلقي،
وتأبَى في الهَوَى قُرْبي
فَتُبْ مِمّا جَنيْتَ عسَى
تَعُودُ إلى رِضَى الرّبّ
_ ماذا تطلب من خالقك العظيم؟
إلهي! لا تعذبني، فإني
مقرّ بالذي قد كان مني!
فما لي حيلة، إلا رجائي
لعفوك، إن عفوت وحسن ظني
وكم من زلة لي في الخطايا
وأنت علي ذو فضل ومن
إذا فكرت في ندمي عليها
عضضت أناملي وقرعت‏ سني
أجنّ بزهرة الدنيا جنونا
وأقطع طول عمري بالتمني
ولو أني صدقت الزهد عنها
قلبت لأهلها ظهر المجن
يظن الناس بي خيراً وإني
لشر الخلق إن لم تعف عني
_اعطني نصيحة أخيرة أعمل بها ؟
أقم الصلاةَ لوقتها بشروطِها … فمن الضلالِ تفاوتُ المقياتِ –
وإِذا اتسعتَ برزقِ ربكَ فاتخذْ … منه الأجَلَّ لأوجهِ الصدقاتِ
_قل لنا كلمة أخيرة نختم بها لقائنا؟
يا نَفسُ قَد أَزِفَ الرَحيلُ
وَأَظَلَّكِ الخَطبُ الجَليلُ
فَتَأَهَّبي يا نَفسِ لا
يَلعَب بِكِ الأَمَلُ الطَويلُ
فَلَتَنزِلِنَّ بِمَنزِلٍ
يَنسى الخَليلَ بِهِ الخَليلُ
وَلَيَركَبَنَّ عَلَيكِ فيهِ
مِنَ الثَرى ثِقلٌ ثَقيلُ

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى