أمنية فوق الجسر بقلم: “خيرة بوخاري”
مقطع من رواية أمنية فوق الجسر
إنَّها الحياة؛ نحيَاهَا بِأحلاَمِنَا ونعيشُهَا بآمَالِنَا وآلامِنَا… نحلمُ فيهَا بتَحقِيقِ أُمنياتِنَا التي تتطايَرُ فوقَ السَّحابِ كُلَّمَا هبَّ نَسِيمُ الفجرِ، ففِي صَدْرِي تَختبِئُ الكثير من الأمنيَاتِ البيضَاء، أتفقَّدُهَا كُلَّ مساءٍ خَوفًا من أن تفترَ وتذبُلَ جَذْوَتهَا، فالكثير منَ الأمنياتِ لاَ تصطدِمُ بالوَاقعِ، بل بالأشخَاصِ الّذينَ يَقِفُونَ أمامنَا، أمام المرآة التي نودُّ أن نُبصر أنفسنا من خلالِها، فلاَ نحنُ نُبصرُ ما أمامنَا ولا هُم أبصرُوا النُّورَ المُنبعثَ من رسالتِنَا…
لكن؛ سنَجعلُ من وُقوفِهِم ظلاًّ ونجعلُ من نور يقيننا بتحقيقِ أمنياتنا الكامنة يخترِقُ ظِلَّهُم، فلستُ الوحيد من يسأل نَفسهُ بل أنتم أيضًا، فلنتساءل مع بعضِنَا ونحنُ نعبُرُ هذا الجِسر، قد يُرافقُنَا واحد، مِئَة، أَلْف، العَالَم كُلّهُ لا يهمُّ، المهمُّ أنَّنا نُؤمن بِرسالتِنَا، فإذا آمنَابِها رضخ لنَا العالم كلّهُ، هيَا فلنتسَاءَل:
-كَم أمنيَّة تنتظرُنَا لتَحقيقِهَا؟
-كم أمنيَّة حقَّقنَا في حياتِنَا؟
رُبَّما واحدَة، اثنَان، ثَلاثَة……………….ولا واحدة، كُلّهَا…
قَدْ تتحقَّقُ الأمنيّةُ بِقلمٍ يكتبُ مشاعرًا فتُصبح شعور العالمِ كلّه كأنَّه قلبٌ واحدٌ، أو ريشة ترسمُ قدرًا بألوانٍ نورانيَّة تسطعُ على كلِّ من رآهَا، أو فِكرة تكُونُ كالبَذْرةِ الصَّغيرةِ تُوضعُ في كفِّ اليدِ فتنبُتُ، لتُصبِح وُرودًا يَسْتَنشِقُهَا كلُّ من مرَّ بِجانبِكَ، قد تكون أمْنِيَّتي بسيطة أن أرَى الابتسامةَ على وجهِ ذلك الطِّفلِ الصَّغيرِ القَابعِ في تلك الزَّاوية المُظلمَة، وقد تكونُ أمنيَتهُ بين يَديْ رغيفُ خبزٍ لا أكثر، وقدْ تكون أمنيَتِي بين كفَّي يَدي أعبرُ بهَا الجسرَ آخرِ اللّيْلِ، هكذَا أنَا أحلاميِ بسيطة…
لمَّا كنتُ صغيرًا وقبلَ أن أتجاوزَ العاشرَة من عُمرِي، اعتقدتُ أنَّ للأحلاَمِ مدينة يَذْهبُ إليهَا الآباء والأمَّهات لإحضارِ الهدايَا لنَا، كُنتُ أعتقدُ أنَّ مدينةَ الأحلامِ موجودة في كوكبِنَا، سَقْفُهَا أبِي وبَابُهَا أمِّي… كُنتُ أسارعُ الزَّمنَ لأكبرَ وأذهب إليهَا لاقتناءِ ما أريد وأحقِّقَ كلّ الأمنيَّات، ظننتُ أنَّني لن أكبر، كبُرْتُ وبقيَ الطِّفلُ داخلي صغيرًا بريئًا…