الخواطر

أن تكون عاديا بقلم وليد قبلي

معظم الناس على هذه الأرض يحبذون دوما التميز، ومن لا يحبه ! فكلنا نأمل في خطف الأنظار وكسب الأنصار والتواجد ضمن الأخيار الذين إذا مشوا في طريق عبدت لهم بسجاد من السلام و تحيات من عطر الكلام.
أخي الفاضل، التميز شيء جميل ورائع وفضيلة من الفضائل لكن لن يكتمل جماله إلا بالتوفيق بينه وبين التواضع، فإن استطعت التحكم في ملذات الحياة وشهواتها فمبارك عليك الفوز، وإن سمحت للأضواء الكاشفة أن تغير لك لونك وتستبدل جلدك بآخر أكثر خشونة وتصلب فجزاؤك الخسارة وإن طالت.
لكن ماذا لو غلب التكبر على التواضع وأحيط قلبك بسياج من التغطرس والتباهي فكيف يصبح مظهرك حينها ؟ هل أحببت يوما في عيش حياة عادية بسيطة ؟ هل جل تفكيرك الآن في امتلاك وتخزين ما استطاعت أن تصل إليه يدك ؟ كيف يمكنك أن تجعل من حياة عادية حياة هادفة يملؤها السرور والفرح ؟

كلمني عقلي فأظهر لي زوايا فريدة أنا بصدد إماطة اللثام عنها، أفكار وتساؤلات يجب علينا أن نمنحها حقها من الإهتمام والإلمام ليكون باستطاعتنا تغيير مفاهيم ولو البعض منها، ليكون بامكاننا منح مجتمعنا فسحة أمل هو بأمس الحاجة لها خاصة مع ارتفاع موج التكنولوجيا الحديثة وتمكنها من السيطرة على كل فرد فينا بما فيهم محترفي الركمجة.
أن تكون عاديا ليس معناه أن تعيش فقيرا، وأن تكون متميزا ليس معناه أن تعيش غنيا، فالأمر لا يقاس بهذه الطريقة، إنما يقاس بالعطاء الذي يقدمه الإنسان لمجتمعه، فإن بذلنا في سبيل مجتمعنا ما نبذله لأنفسنا فحينها سنكون أغنياء بأخلاقنا ويا له من غنى ، غنى الأخلاق، حتى وإن كنا عاديين في نظر الكثير من أصحاب العيون الضيقة، وإن بخلنا ولم نعطي ما نملك وما نستطيع ولم نحسن السيء ونخفف الثقيل فحينها سنكون مفلسين تمام الإفلاس حتى لو ملكنا السماوات والأرض، فالتميز جوهره الأخلاق والعطاء وليس تميز المال والجاه.

أن تكون عاديا ليس عيبا أخي الفاضل، بل هو عكس ذلك تماما، هو القدرة على العيش بتوازي مع ظروف الحياة الصعبة، هو استخراج شيء مفيد من شيء عادي كاستخراج الزبدة الذهبية من اللبن، فإن واجهتك الطبيعة بشتائها الغزير ورياحها العاتية وثلوجها البيضاء فلا يجب أن تجزع و تفجع، لا، فأنت تملك ماء من أمطار ومطهرا للأمراض وملعبا أبيضا لأطفالك الصغار.

كل واحد فينا يجب أن يبحث عن الشيء الجميل وإن كان يعيش وسط القبح والفساد، يجب أن ترى التميز أخي الكريم وتسعى إليه، فبوصولك إلى مرادك وسيطرتك على فؤادك وتغليب ظميرك والعمل بكتاب الله وسنة نبيك فمبروك عليه الفوز في الدارين، وإن رأيت أن الحياة تسوقك إلى حفرة من حفرها المظلمة فتشبث بفأس من الإرادة وانهض، انهض واجمع شتات همومك وضيق صدرك وجميع آلامك وأحزانك واغرسها في الحفرة التي كنت بصدد التقهقر بين طبقاتها وارمي عليها ماء من دعاء وأمل في غد أفضل، فثق بي بمجرد أن تفتح عينيك صباحا حتى تجد شجرة مثمرة شامخة أمام عتبة بيتك تستنفع وتستضل بها.

ما أريد قوله في ختام هذه الخاطرة المتواضعة، أننا كمسلمين لا يجب أن نكون منهزمين في كل شيء نفكر في السلبية أكثر مما نفكر في فلذاة أكبادنا، يجب أن نعرف كيف نقلب الأوضاع لصالحنا مثل ما يفعل الفلاح الذي يقلب تربته فتصبح جنة غناء بعدما كانت بورا قاحلة، فالحياة العادية مكسب كبير إذا عرفنا كيف نستغلها ونعيشها ففيها راحة البال والهناء من عد المال، فكل شيء نهايته الزوال ولن يبقى إلى وجه ربك ذي الإجلال.

يجب أن نتسلح بالإيمان القوي والأمل والإرادة لتشكيل خط هجوم وليس دفاع، فقد اكتفينا ومللنا من الاستقبال والخضوع وحان وقت أن نهجم ونفوز..

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى