إسقاط دَيَن……للكاتبة أوسان العامري
طرق الباب بقوة…
افتح، ياأستاذ سعيد
نظر إلى زوجته التي تضع يدها على خدها فلم تجد داخل المطبخ إلا الملح
همس خالد في أذنه: أبي المدرسة على الأبواب،
متى سوف تشتري لي الدفاتر والأقلام
أمسكته رزان بيده والدموع تترقرق في عينيها: أبي منذ فترة لا أستطيع أن ألعب مع صديقاتي أخجل منهن فثيابي ممزقة..
ثم مر بجوار أسعد وهو يبكي أريد تفاحة…
وسمع أنين سعاد فقد نخر المرض جسدها…
فتح الباب فأمطره صاحب البيت بوابل من الشتائم
فمنذ شهرين لم يسدد إيجار المنزل
طيب ياعم صالح سيأتي الراتب وأعطيك حقك
متى؟
كل يوم وأنا أسمع نفس الكلام منك
أخرج من منزلي أنت مستأجر مماطل
ثم ذهب…تركه غارقا في لجج الخضم فقد هاجت به وماجت.. قبل دخوله المنزل رفض صاحب البقالة أن يعطيه كيلو من الدقيق فقد أغلق حسابه
توسل إليه، بيته لا يوجد فيه إلا الماء
زعق في وجهه: وهل تريدني أن أنفق عليك؟
حمل خيبته وعاد إلى منزله صفر اليدين
وضع ناصيته على حافة الباب وطفرت من عينيه الدموع كادت أن تصهر الحديد
رن هاتفه مرة، مرتين، ثلاث كان ينظر إلى الاسم في الشاشة “صاحب الصيدلية”ثم تتساقط دموعه بغزارة
استدان منه الدواء لسعاد التي لم ترَ العافية منذ شهر
يتهرب منه، بعد أن دفع له نصف المبلغ فقط
تذكر! كيف كان سلام صديقه جافا حينما صادفه في الطريق؟
أسرع في الكلام ثم تحاشاه بحجة أنه مشغول…
كان يريد أن يطلب منه مبلغا بسيطا من أجل قوت أطفاله إلى أن يعود إلى عمله بعد أن تسبب الحادث في كسر رجله اليمنى
معلم شق الزمن التجاعيد على تقاسيم وجهه
رسم فيه أشكالا هندسية
أصبحت حياته كالاحتمالات…
كالمقادير الجبرية.. هو فيها مثل المتغير” سين” في الطرف الجبري
يبحث عن راتبه لتصبح المعادلةصحيحة
معلم في وطن لم يعد للمعلم مكانته
يصرخ بأعلى صوته:
أين حقوقي يسمع صدى صوته فقط
خمس سنوات لم تكتحل عيناه برؤية معاشه
الذي كان يسد به رمقه
يجر خطاه في الأزقة والشوارع بائعا متجولا يعول أسرته..
كل من يبتاع منه يردد عليه أنا معلم من طلابي من دخل كلية الطب ومنهم من ذهب خارج الوطن
أحد طلابي الأول على دفعته سنة أولى في كلية الهندسة
ثم يحبس عبرته ويتنهد ويهز رأسه
“كاد المعلم أن يكون رسولا ”
خط السير مزتحم، وشمس تموز أحرقته..تتدحرج حبات العرق
على جبينه بخجل..
التفت عن يمينه ومشى…دون أن ينتبه وفجأة
ارتطم به طقم عسكري ومضى مسرعا دون أن يلتفت له
تجمع الناس حوله، وذهبوا به إلى المشفى أصيب بكسر في رجله وأصبح لا يستطيع أن يمشي دون أن يعتمد على عكاز..
أغلق الباب..ومشى يتوكأ على الجدار
سمع أحدهم ينادي باسمه
واصل طريقه إلى الاعلى، ومن سقف المنزل في الطابق الثاني نظر إليه فقد كان صاحب العربة التي اشتراها منه وبقي عنده مبلغا من المال
لوح له بيده وماهي إلا لحظات
حتى تجمع الناس حوله وأسقطوا ديونهم التي عنده… يكفكفون دموعهم ويرددون:
رحمك الله، يا أستاذ سعيد.