القصة
إلي الهاوية بقلم: “سهام رمضان محمد حسن”
إلي الهاوية
الكاتبة /سهام رمضان محمد حسن
مصر / اسوان
السماء مليئة بالغيوم و الشمس دامعة من خلف تلك القضبان ،و الرعد يدوي عاليا ؛ يكاد يصم الآذان ، والبرق يضئ بسنا نوره وكأنه المنتظر من بين هذه الظلمات.
استيقظت شذي علي صوت الرعد ،حيث كانت كما اسُمها ؛ جميلة ،تحب الحياة و الأمان ، ولا ينبض قلبها الا تحت سماء العدل، فهي صورة الحب و التسامح، شذّية بعطرها الفواح ، فخرجت تتجول و تتفقد الاجواء حولها ؛ فاليوم غائم و مرعد وهذا لا ينذر بالخير.
خرجت تقابل حسام حبيبها و مصدر قوتها ،كان حسام ،قوي و شجاع لا يخشي شيء..
حول الورد تنبت الأشواك ، و أيد الغدر طائلة ، بينما يتجول العاشقان في أمان الله ،اعترض طريقهما أحد اللصوص ، محاولا خطف شذي ،فيدافع عنها الفارس المغوار ، لكن ما الفائدة ! حسام اعزل السلاح و الغدر طاله دون سابق انذار ، سقط صريعا متأثراً بطعنات الغدر ،بطعنات الحقد و المطامع ؛ لتسقط شذي رهينة في أيدي اللصوص ،و تحتجز خلف الأسوار الشائكة و الموت لمن يحاول الاقتراب .
اما شذي تنعي نفسها في موت فارسها و تنعي الأرض من بعدها فتحدث نفسها بدموع منهمرة قائلة:
• سيعم الدمار في غيابي ، الكل بعدي سيرتدي الوشاح الاسود.
الاشلاء في كل مكان وادخنة اللهب تتصاعد و البيوت خاوية علي عروشها وأصبح الاخضر كاحلا ، و الصراخ يدوي عاليا والدمار طال الجميع ، فمن اشعل النار اول من بها احترق . الكل يبحث عن شذي ، الكل يبحث عن الأمان ،الكل يتمني ان يفرج عن الشمس؛ ليسطع نورها و تحتضن الأرض بدفئها .
حاولت شذي الهرب مرارا و تكرارا ،دون جدوي ؛ ما اكثر القيود و السلاسل من حديد ، دخل اللص و دفعها بقوة ،حتي ارتطم وجهها بالأرض ، سال دمها ، فقالت غاضبة ،
• حتما سيجدونني
ضحك ساخرا
• من كان يبحث عنك قتل أمام عينيك .
• ان مات حسام ،فالمدينة ستنجب كل يوم الف .لا تستهن بهم .
نظر متأملا حديثها ثم قال:
• لا استهن بهم ، حسنا ،هل عليّ أن اخشي من ضعفاء ، مرضي ،جهلاء ، جياع؟!
• إن كانوا كذلك فأنت من استبددتهم، و سرقت دوائهم وأقلامهم ولقمة عيشهم.
• إن كانوا كذلك فأنت من قتلت احلامهم و روعت أمنهم ، فلقد خطفتني من بينهم مدعيا تحقيق العدل و انت ابعد ما يكون عن العدل ،فأي عدل هذا الذي يقام علي جثث الشباب و دم الاطفال ،اي عدل هذا الذي يقام علي شرف النساء .
• فمن تكون انت حتي تقسم المدينة اجزاء متناثرة و تتحكم في مصائر اهلها ؟
يرد بغروره المتعجرف:
• و من تكوني انتِ ؟
مظاهرات حاشدة هنا و هناك ، الكل يندد ،الكل غاضب ،الضوضاء يجتاح المدينة ،لا يوجد مكان الا و قد عمه الحزن ،لا يوجد مكان الا و أعلن الحداد ، ارتجف اللص خوفا ،انهم حقا ليس ضعفاء ،رغم كل ذاك الدمار ما زال صوتهم عالي ، لن يهدأ اللص حتي يقضِ عليهم جميعا ،و يحقق مصالحه و أطماعه .
نقل اللص شذي الي مكان اخر بعيد ،و شدد عليها الحراسة و زود السلاسل و الأقفال .فكلما زاد الخوف زادت الحراسة ،فالحق لا يحتاج حراسة و اسوار. فالحق قوي بذاته ،حامٍ لنفسه.
ضحكت شذي بشدة و قد تهلل وجهها ، فالنهاية اوشكت علي الاقتراب. استفزته ضحكاتها فصفعها صفعة قوية.
• افعل ما تشاء ،اقتل و اسرق واشعل النيران ، فلن يكون إلا انا .
• سيأتي حسام و يحررني و ستشرق الشمس من جديد.
لم يضع كلماتها في الاعتبار ،اعتقد انها اصيبت بالجنون .خرج من زنزانتها ولم يبالي. مسكين اعجبه كثيرا منظر الدماء و كثرة الجثث ،اعتقد انه احرز نصرا.
• سيأتي يوم تُخضر به الارض وتجري الانهار دون دماء ،سيتبدل الاسود بكل الالوان ،ستتوقف الشمس عن ذرف الدموع و تبث الضوء في كل مكان. (شذي تحدث نفسها)
المدينة برمتها ، اجتمعت للبحث عن شذي ، لم يخطط اللص لشيء مثل هذا ،لم يضع في حسبانه ان من تحت الرماد ستشتعل الجمرات ، ذهب لشذي مهرولا ،
• قد سألتك سابقا ، من انتِ ، ومن اين تستمدِ قوتك ؟
• انا السلام ، انا السلام الذي نادت به جميع الأديان ، انا الإيمان والأمان ، انا من يطلبه الصغير قبل الكبير ،انا السلام ما حللت في مكان إلا صفيت سمائه و اخضرت ارضه .
(اولا ادلكم علي شيء ان فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم) حديث عن رسول الله صلى الله عليه.
(يا كل ضحايا الحروب املأوا الارض و الفضاء بتراتيل السلام املأوا القلوب و الصدور بآمال السلام ) من خطاب الرئيس السادات…..
اقتحم سكان المدينة الزنزانة و خلصوا شذي من تلك السلاسل و هدمت الاسوار ،خرجت شذي للنور ثانية ،و احتضنت السماء بقلبها ،حزنت لما رأت من دمار، لكنها قررت انها لن تغيب مرة اخري مهما كلفها الامر.
وها نحن نتطلع للسلام و نرجوه ان يخرج من خلف القضبان ،تُري متي ستنتهي الحروب ،و متي ستكف الشمس دموعها الحبيسة خلف سحابات القنابل ،و متي سيتوقف نحيب الأمهات و متي تتباهي الارض بثوبها الجديد الغير ملطخ بالدماء؟!!!!