القصة

إمرأة الصبر بِقَلَم الأديبة “عَبِير صَفْوَت”

قِصَّة الجَرِيمَة
إمرأة الصبر
بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ هَيِّنٌ ، عِنْدَمَا مَرَّت تِلْكَ اللَّحَظَاتِ ، فِي عُمْقِ بِئْر الْبَيْت السُّفْلِيّ ، خِوَان قَدِيمٌ وتخت بِجَانِبِه الْبُؤْس .

إلَّا تُحْتَسَب الْأَمْرِ يَا رَجُلُ ؟ ! إلَّا يخايلك ضميرك ؟ ! وَأَنْت الْأَب الْمُتَرَقَّب لِجَنِين صَغِيرٌ ؟ !

لَكِن . . )

سحقاً لِلْآبَاء اللَّذَيْن فَقَدُوا التريس وحسبان الثِّقَةُ مِنْ نُورٍ وَأَيْمَان بحوذة الْحَقّ .

جَلَبْت تِلْكَ اللَّحَظَاتِ الذِّكْرِيّ فِي رَأْسِ الْمَرْأَةِ المطوية ، وَمِيض مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَقَد تَضَخَّم الْوَضْع .

لَيْلَةٍ وَضُحَاهَا ، قَدْ أَيْقَنَ الرَّجُلُ مِنْ الْمَشِيب عَلِيّ أَفْعَال الصبيا ، إنَّمَا تُرِي ، مَا خَلَّفَ ذَلِك ؟ !

اِسْتَدْرَج الرَّجُل الفتايات ، وَكَانَت الْوَاقِعَة ، مَشْهُودَةٌ بِالْجِدل .

مَرّ بِأَمْر الْحَدَاثَة شهراً كاملاً .

جَلَسَت الْمَرْأَة تنهمر مِن عُيُونُهَا الدُّمُوع ، تنهي قُتِلَ زَوْجُهَا الفتايات ، حَتَّي تَسَاءل الْمُحَقِّق بِعِنَاد :
لِمَاذَا قمتي بِقَتْل زَوْجُك ؟ !

قَالَت زَوْجَة الرَّاحِل :
كَيْف لِي بِقَتْلِه وَأَنَا مِنْ أَحْبَبْتَ إيَّاه .

عَاد الْمُحَقِّق بِسُؤَال جَدِيد :
كَيْف مَاتَت الفتايات ؟ !

نَظَرْت الْمَرْأَة إلَيّ كفوفها تَتَذَكَّر قِلَّة حيلتها ، تبوح بِرِفْق :

مَاتَت الفتايات بأمرا مِنْ اللَّهِ .

آكَد الْمُحَقِّق :
هَلْ كَانَ الْمَوْتُ طَبِيعِيٌّ .

جَهَرَت الْمَرْأَة :
الْمَوْت طَبِيعِيٌّ .

قَالَ الطَّبِيبُ الشَّرْعِيّ بِثِقَة :
سنتأكد مِنْ الْأَمْرِ .

صَرَخَت الْمَرْأَة :
اُتْرُكُوا الفتايات فِي قبورهن .

تَنَهُّدٌ الْمُحَقِّق وَفَاض بِالْأَمْر قَائِلًا :
كُلُّ الْأَدِلَّةِ وَالشُّبُهَات تُشِير بِمَقْتَل زَوْجُك ، البصمات وَقِطَع الْمَلَابِس الْمَنْثُورَة الَّتِي تَخُصُّه ملطخة بِالدِّمَاء ، وعينات مِن الْمَعْمَل الجِنَائِيّ تَقُول : لَك الْأَمْر بِمَقْتَل الزَّوْج .

إنَّمَا أَحْبَبْت أَنْ أَعْلَمَ ، أَيْن الْجُثَّة الَّتِي رَحَلْت ؟ !

مطولاً تلفحت الْمَرْأَة بِالصَّمْت وَأَخِيرًا قَالَت :
لَمْ أَقْتُلْ زَوْجِي ، وَكَم وَدِدْت لِقَتْلِه آلَاف الْمَرَّات .

قَالَ الْمُحَقِّقُ :
إليكِ الْأَمْر ) قَتَلَ الرَّجُلُ الفتايات ، فَأَرَدْت الِانْتِقَام .

أَكْدَت الْمَرْأَة :
لَمْ يُقْتَلْ زَوْجِي بَنَاتِي .

وَلَم اُقْتُل زَوْجِي لِأَنَّه سَيَكُون وَالِد ابْنِي الَّذِي سَيَأْتِي لِدُنْيَا .

قَالَ الْمُحَقِّقُ بَلَّغَهُ مِنْ الزَّهَق :
لَمْ يَكُنْ الرَّاحِل أَبَا لِلْبَنَات .

جَلَس مُوَظَّف البَنْك بِحَالِهِ مِنْ الزهول ، حَتَّى قَالَ بَعْدَ أَنْ اِرْتَشَف قَلِيلًا مِنْ الْمَاءِ :
جَاء مُتَمَهِّلا حَتَّي سئلني عَن مقتنيات المتهمة الَّتِي كَانَتْ مدانة بِمَقْتَل زَوْجِهَا .

تَسَاءل الْمُحَقِّق مُتَفَكِّرًا :
مِن تظنة المتسائل .

قَال مُوَظَّف البَنْك مُؤَكَّدًا :
هُو ، هُوَ لَا غَيْرُه .

جَلَس الطَّبِيب الشَّرْعِيّ يَسْرُد فِي سُرْعَةٍ فَائِقَةٌ :
تَغَيَّر مَسار الْقَضِيَّة .

جَلَسَت ، المتهمة بِمَقْتَل زَوْجِهَا بِغَيْرِ اكتراس ، حَتَّي قَالَت :
هَل ظَهَرَت الْجُثَّة .

قَالَ الْمُحَقِّقُ وَهُو يُشْهِر غَلْيُونَه بِتِلْك الأدخنة الْمُتَصَاعِدَة :
ظَهَرَتْ وَهِيَ تستعلم عَنْ مَا سترثة مِنْ بَعْدِك .

تَعَجَّبْت الْمَرْأَة وَكَأَنَّهَا أَفَاقَتْ مِنْ حَلِمَ :
كَيْفَ ذَلِكَ ؟ !

قَالَ الْمُحَقِّقُ :
لَا تُخْفِي الْحَقِيقَة ، صَارَ الْأَمْرُ صَعُب .

بَكَت الْمَرْأَة بِمَرَارَة حَتَّي قَالَت :
لَيْس بِصُعُوبَة أَن تَفَقَّد أَم انجالها .

قَالَ الْمُحَقِّقُ :
مَاتَت الفتايات بِالسُّمّ الْأَبْيَض .

أُخْرِجَت الْمَرْأَة الْحَقِيقَة كَالْحَاوِي عِنْدَمَا يَخْرُج اللُّعْبَة مِن الْجِرَاب متذكرة :

لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ هَيِّنٌ ، عِنْدَمَا مَرَّت تِلْكَ اللَّحَظَاتِ ، فِي عُمْقِ بِئْر الْبَيْت السُّفْلِيّ ، خِوَان قَدِيمٌ وتخت بِجَانِبِه الْبُؤْس ، لَمْ يَحْتَسِبْ الْأَمْر يَوْمِهَا ، لَم يخايلة الضَّمِيرِ وَهُوَ الْأَبُ الْمُتَرَقَّب لِجَنِين صَغِيرٌ ؟ !

إرتجفت بِتِلْك اللَّيْلَة حِين عُذِّب الفتايات ، اخْتَبَأْت وَأَنَا اصرخ بضعفي كَفًّا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْخَطِير ، أَتْرُك بَنَاتِي الضُّعَفَاء ، إنَّمَا كَانَ ضَعْفِي أَكْبَر ، ابتلعني بِالصَّمْت ، وَسُرْعان مِن نَهَض بالصباح يُمَثِّل بالفتايات جَرِيمَة قُتِل .

قُتِل الفتايات بِالسُّمّ الْأَبْيَض ، أَرَدْت الِانْتِقَامِ مِنْ الزَّوْجِ الدَّخِيل ، اخْتَبَأْت لَه وَنَوَيْت قَتَلَهُ وَلَمْ يُعَوِّدْ الْبَيْت شَهْرًا كاملاً ، حَتَّي اتهمني الْمُحَقِّقِين بِقَتْلِه .

قَالَ الْمُحَقِّقُ وَهُو يَبْتَسِم للمدانة :
هَل تَعْلَمِين ؟ ! انكِ بَرِيئَةٌ .

قَالَ الطَّبِيبُ الشَّرْعِيّ :

أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ قُتِلَ زَوْجُهَا لِثَأْر مِنْه ، لِقَتْلِه بَنَاتِهَا .

اسْتَكْمَل الْمُحَقِّق وَكَأَنَّه يَسْرُد قِصَّة مشوقة :
شَعْرِ الرَّجُلِ بِذَلِكَ ، أَدَان الْمَرْأَة بِقَتْلِه ، واختفي .

لَوْح الطَّبِيب :
حَتَّي ظَهَرَ فِي البَنْكِ بِصُورَة مُتَنَكّرَة ، لَكِنَّهَا لَمْ تَخَيَّل عَلِيّ مُوَظَّف البَنْك .

قَالَتْ الْمَرْأَةُ وَهِيَ تُغَادِر المخفر :
الْيَوْم خَسِرْت بَنَاتِي

قَالَ الْمُحَقِّقُ لَهَا :
إنَّمَا كَسَبَت حَيَاتِك وَحَيَاة طِفْلًا صَغِيرٍ لَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ

اِبتسَمَت الْمَرْأَة بِمَرَارَة ، تَنْظُر السَّمَاء تَحْمَدُ اللَّهَ انتشالها مِنْ الْوُقُوعِ فِي جَرِيمَةٍ ، كَانَت يوماً سَتَكُون بِهَا هِيَ الْجَانِي ، برغم قَدْرِهَا الْمَجْنِيّ عَلَيْهَا .

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى