” إنما الأمم الأخلاق ما بقيت : بقلم الشاعر :ماهر اللطيف”
“إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ،فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا”
بقلم :ماهر اللطيف
من المواضيع المقلقة والمزعجة التي تنامت وانتشرت بسرعة في شرقنا الكبير الممتد من الخليج إلى المغرب، والمسكوت عنها سهوا أو عمدا تحت أي غطاء أو سبب أو تعلة، إلى أن تفشت – ولو بنسب مختلفة من مكان لآخر ومن دولة إلى أخرى – وانتشرت فأمست “انفلاتا” و”مرضا” و”كابوسا” وغيرها من الصفات، هي ظاهرة “الكلام البذيء” أو “الفاحش” أو “المنافي للأخلاق والخلق والدين” التي غزت عالمنا العربي عامة والإسلامي خاصة وبات الإقبال عليها بلهفة و”تلقائية” لدى البعض أمرا مألوفا وعاديا و خاصة في منطقة المغرب العربي الكبير.
فماذا يقصد بالكلام البذيء؟ ومن هي الفئة العمرية المستهدفة بهذا الداء؟ وما تاريخه في هذه المنطقة العربية عامة والإسلامية خاصة؟ وما أسباب استفحال هذه الظاهرة وانتشارها؟ وهل هناك حلول عاجلة واجلة للحد من هذا الخطر أو القضاء عليه؟
في الحقيقة، إننا كعرب ومسلمين لسنا بمعزل عن بقية البشر في كافة أصقاع المعمورة، فهم يستعملون أيضا البذاءة والقباحة في كلماتهم وإشاراتهم وتلميحاتهم وغيرها مثلنا أو اكثر منا على غرار الفرنسيين والإيطالين وغيرهم، لكنهم يحسنون التعامل معها من كافة الجوانب والأطر عكسنا حيث حررنا هذا الداء ولم نضع له ضوابطا أو حدودا أو قوانينا منظمة ومؤطرة – إن كان التعاطي معها ضرورة بكل تأكيد -. فماذا يقصد بالكلام البذيء؟
هو الكلام القبيح، المنافي للأخلاق والدين والمتعارف عليه والمارق عن العادات والتقاليد السمحة. هو الذي يشير إلى الجنس والأعضاء الجنسية لدى الذكر والأنثى وحركاتها و غيرها التي يخجل المسلم خاصة والعربي عامة من الخوض فيها على الملأ قولا وفعلا إشارة وحركة.
وقد مس جميع الفئات العمرية – ماعدا الرضع بطبيعة الحال وجل الأطفال عادة، لأن البعض قد يلجأ إلى تلقين الأطفال كلمات نابية وإشارات مخزية ويطلب منهم قولها أو فعلها لبعض الكبار قصد الضحك أو النيل منهم بطريقة فكهة ومضحكة حسبما يعتقدون -. كما مس الذكور و الإناث على حد السواء، فبات معظم التعاملين مع هذه الظاهرة يتبجحون بذلك ويتفاخرون ولا يتوارون لحظة عن الاستنجاد بها في كل وقت ومكان دون قيد أو شرط إلا في المنزل ومع أفراد العائلة المقربة و خاصة منهم الوالدين والأعمام والأخوال وكبار السن عادة – في المغرب العربي الكبير عامة وفي شماله خاصة مثل تونس والجزائر والمغرب -.
أما تاريخيا،فيمكن الإقرار أن هذه الظاهرة قديمة في مجتمعنا وموغلة في القدم أيضا مثل ديوان بشار بن برد الشعري الذي لم يجرؤ أحد على تحقيقه والغوص فيه حتى حققه الإمام الأكبر لجامع الزيتونة ومفتي الديار التونسية محمد الطاهر بن عاشور – ومما جاء من بذاءة في شعره مثلا قوله: خبرتني القنفاء (رأس العضو الذكري) عنك /بشيء *** فاتق الله في استك البخراء (والبيت الموالي لا يمكن ذكره هنا لاحتوائه على عبارات لا تليق بهذا المقام)، وغيرها من الدواوين والمراجع عبر الحضارات والحقب الزمنية.
لكن المقبلين على هذا الفعل كانوا قلة قليلة يستعملونها (ذكورا فيما بينهم وإناثا فيما بينهن) في أوقات المزح و اللهو أو الغضب والعراك والشتم والسباب مثلا، لكن الظاهرة شهدت انفلاتا كبيرا وباتت فاقدة للسيطرة عليها حاليا متى اختلط الحابل بالنابل وأضحت عامة بين جميع الناس وفي كل الأماكن والأوقات – خاصة في المغرب العربي الكبير- خاصة في الأماكن العامة والمدارس التربوية و إلادارات والمؤسسات العمومية والخاصة والإعلام وأجهزة التواصل الاجتماعي وغيرها، وتجاوزت بالتالي كل الضوابط والحدود وضربت بالدين والأخلاق والعادات والتقاليد السمحة عرضَ الحائط، وهو ما يجعلنا نبحث عن أسباب ذلك، فما مرد ذلك يا تُرَى؟
أظن حسب رأيي المتواضع أن تنامي هذه الظاهرة وتغلغلها في مجتمعاتنا وبين كافة الشرائح الاجتماعية يعود أساسا إلى الوضعية الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والتربوية والرياضية وغيرها، إلى جانب ابتعادنا – ولو جزئيا أو ظرفيا- عن الدين والأخلاق وعادات الأجداد والسلف الصالح وتقاليدهم، وتقلص دور الأسرة في تربية الناشئة وتكوينها تكوينا صالحا وشاملا يتماشى وسماتنا المرتبطة بالدين وحسن الخلق والأخلاق وكل ما يميزنا عن بقية البشر الآخرين، و وجود قوانين وضعية رادعة وصارمة لكل من يتجاوز حدوده ويجاهر بفاحش الكلام أو الأفعال – رغم وجود قوانين زجرية باتت غير كافية أو رادعة وناهية-، وما إليه من الأسباب الأخرى التي يطول عرضها وشرحها هنا. فهل هناك حلول ممكنة أو مقترحة للحد من هذه الظاهرة أو القضاء عليها؟
فمن اهم الحلول طبعا هي التشبث بالدين والعمل على مزيد التعلق به والغوص في أعماقه وفهمه فهما صحيحا وكثرة ذكر الله والحمد لله الاستغفار والتسبيح وغيرها من العادات التي تبعد العاقل عن التفوه ببذيء الكلام والفعل في أي ظرف وحدث – ولو تدريجيا-.
والابتعاد عن الغضب والتحكم في الأعصاب كان ينشغل الفرد بأي شيء يبعده عن الانفعال وفقدان السيطرة على أقواله وأفعاله حين يشعر أنه شرع في الخروج عن صوابه لأي سبب كان – وليس للغضب فقط، بل يمكن أن يكون للفرح المفرط أو الانغماس في اللغو والثرثرة وغيرها -.
الخوف من الله واحترام الغير مثل احترام الوالدين والأقربين ومحاولة المحافظة على الهدوء والتوازن والتحكم في الأقوال والأفعال مهما كانت المواقف والأحداث.
الابتعاد عن أماكن البذاءة والقباحة – مجالس وأصحاب السوء و مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة بهذه الظواهر ومن يتعاملون معها، الحصص ألإعلامية المتخصصة في هذا المجال وأعلامها….. -، والإقلاع عن الخوض في هذه المواضيع والمسائل العالقة التي تجر الإنسان إلى مستنقع البذاءة والرذيلة والقباحة وغيرها…
استبدال العبارات النابية الإشارات التي يندى لها الجبين بأخرى مقبولة اجتماعيا ودينيا تؤدي نفس المعنى الذي يريد المتكلم إيصاله إلى السامع أو المتعامل معه…
مزيد تكثيف الحملات التوعوية والتثقيفية داخل المؤسسات التربوية وخارجها خاصة وفي الإعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي مع ضرورة الحث على الإقلاع على مثل هذه الظواهر وتبيان مخاطرها على المجتمع وعواقبها الوخيمة على مستقبله مثلا.
تغيير والمناهج التربوية والتعليمية والتركيز على الدين والأخلاق ومكونات المجتمع الصالح الذي يرجى منه خيرا على المدى القصير والمتوسط والبعيد.
ضرورة مسك الوالدين بزمام الأمور وتوليهم تربية أبنائهم وتنشئتهم تنشئة صحيحة وسليمة بعد أن يتولوا تدريبات وتعليما خاصا إن اقتضي الأمر.
تدخل علم النفس والاجتماع وكافة الهياكل العامة والخاصة والمتداخلين في هذا الصدد بغية التفسير و التحليل والتفكيك وإعاذة البناء عبر اقتراح الحلول العلمية الممكنة وفق الإمكانيات والظروف المناسبة والملائمة للتشافي من هذا الداء وهذه الآفة القاتلة.
وطبعا قيام الدولة بأدوارها المنوطة بعهدتها لتحقق أهدافها ومراميها وخططها من خلال خلق مجتمع متوازن ومبدع وخالق، متميز ومبدع، طموح وحالم يسعي إلى تحسين وتطوير الحياة من كل الجوانب وفي كل الميادين والقطاعات ما إن تسلح بالدين والأخلاق والعادات والتقاليد السمحة والقوانين الزاجرة َالرادعة والمانعة لكل خنوع وتقاعس وتجاوز للمعقول بما في ذلك الفحش والبذاءة في القول والعمل.