القصة
إنها أمانة بقلم: “رحيمة حزمون”
إنها أمانة
قبل 30سنة حكت لي جدتي عن قصة فتى فقير يعيش مع
أبويه في بيت متواضعٍ وسط المدينة، لم يكن لأبيه مدخول
شهري كافي لإطعام أفراد الأسرة، لذا كان يجمع الحطب
ويبيعه في سوق المدينة ليكسب به قوت يومهم.
في يوم من أيام الشتاء مرض والده ولازم الفراش لمدة طويلة
فلم يكن بيد ابنه حيلة لإطعامهم إلا أن يأخذ مكان والده في
جمع الحطب، وظل الفتى على هذه الحال إلى أن جاء اليوم
الذي لم يكن على بال إنسان، وبينما كان الفتى في طريقه
لجمع الحطب كعادته صادف رجلا أعمى طلب منه إيصاله
لمنزله، فلبّى الفتى طلب الرجل الأعمى، وهناك أعطاه كيسا من
نقود أجر ما فعله معه، لكن الفتى أبى أن يأخذه رغم أنه في
أمسّ الحاجة إلى المال من أجل معالجة والده، ثم مضى لجمع
الحطب وعند عودته إلى منزله وقبل طرق الباب لمح كيسا
أسود أمام بابه فحمله وهو متشوق لمعرفة ما بداخله دخل
منزله وقام بفتحه فوجده ممتلئا بنقود من الورق وكانت
كثيرة العدد مما جعله يصاب بدهشة، ولم يجد ما يفعله بها،
وراح يسأل أمه فنصحته بعدم صرف أي قطعة منهى لحين
التمكن من معرفة من هو صاحبها، فأخذ بنصيحة والدته
ومرت الأيام والشهور ولم يعرف الفتى لمن هذه النقود فقرر
إعادتها لمكانها، وفي اليوم التالي وعند خروجه من منزله وجد
كيسا آخر أمام بابه فأصيب بالدهشة والاستغراب مما يحدث
معه، فتوضأ واستعان بربه وطلب منه أن يدله على صاحب
هذه النقود، ولما أنهى صلاته شعر برغبة في النوم، ولم يكد
يضع رأسه على الوسادة حتى استغرق في النوم فرأى في
منامه أن جرس الباب رن، ولما همّ بفتحه وجد ثلاثة
أكياس سوداء من النقود وبداخل إحداها رسالة مكتوب فيها
أنها أمانة ويجب إعادتها إلى أصحابها، وانتهى الحلم، قبل
صلاة العصر بربع ساعة استيقظ الفتى من نومه وهو خائف،
وفجأة رن جرس الباب فشعر بالخوف ولم يشأ فتحه وبقي
جالسا وهو يبكي، فدخلت عليه والدته فوجدته على تلك
الحالة، فأمسكت بيده وسألته عن سبب بكائه، فقال: “لقد
رأيت حلما أفزعني ولا أعرف ما معناه” فطلبت منه أن يقص
عليها ما رآه في حلمه، وبعد أن قص عليها حلمه نصحته بعدم
أخذ أي كيس من النقود يجده أمام بيته حتى إن كان هذا
الكيس فيه أغراض قديمة يجب إعادته لأصحابه، فأخذ
بنصيحة أمه وعمل بها، وفي المساء خرج كعادته فوجد ثلاثة
أكياس سوداء معها رسالة فقرأها فانصدم لأنه نفس الكلام
الذي رآه في الحلم، فقرر البحث عن صاحب هذه النقود، وكم
كان ذلك صعبا عليه في البداية لكن مع عزمه وتوكله على ربه
نجح في العثور على صاحب هذه النقود واعادتها إليه، فشكره
وأعطاه مبلغا من المال مكافأة له على إعادة الأمانة وعدم
سرقتها، وهكذا ارتاح الفتى من هم هذه النقود لأنه اخد
بنصيحة أمه، ومرت الأيام وتوفي والده بعد صراع طويل مع
المرض تاركا وراءه أيادي بريئة حزينة تتمنى عودته بلقائه
يوما ما.. النهاية
رحيمة حزمون / الجزائر