القصة

اشتعال الفاجعة بقلم: “أوسان العامري”

اشتعال الفاجعة
ارتجفت يدي وسقط القلم من بين أصابعي، دسيت رأسي تحت الطاولة لأتناوله
شردت وانتبهت على صوت المعلمة:شذى أعيدي ما قلت
تأتأت ولم أتذكر عما كانت تتحدث
_ابقي واقفة
هي المرة الأولى التي أعاقب فيها نتيجة لعدم انتباهي
وأنا تلك التلميذة النجيبة
كأن شيئا يشغلني لم أعرف سببه
ارتعشت يداي وشعرت بشيء يكتم أنفاسي
كان ذلك حدسي الأول
على الرغم أن عمري آنذاك اثنا عشر عام
ما زال ذلك حدسي إلى اليوم
كإشعار أن شيئا ما سيحدث…
للتو نزلت من حافلة المدرسة
بجوار فناء المنزل رجال لم أعرفهم
نساء يدخلن وأخريات يخرجن
كنت هلعة…
حتى الهواء الذي أتنفسه لم يكن هواء لا أدري كان مختلفا تماما
ركضت مسرعة وبجوار الباب رميت حقيبتي…
أنظر في وجوه من أعرفهم فلا أرى إلا الدموع
غرقت وسط ذلك السواد الذي يملأ المنزل
نشيج وأصوات بكاء…
صوت نحيب من غرفة جدي اقشعر له بدني
شققت تلك الصفوف ومن زاوية الباب رأيت النساء يتجمعن حول امراة لم أرَ وجهها
حدقت بي عيون المواسيات
وغمغمت بعضهن بكلام لم أفهمه
جلست حينما رأتني وزاد عويلها
تسمرت مكاني كانت تلك المرأة جدتي
صرخت دون أن أشعر أين جدي أريد جدي
احتضنتني عمتي وهي تبكي اهدئي ياشذى تعالي معي
كنت أرتجف كطائر مفزوع
ذهبت بي إلى غرفتي
سقتني كأسا من الماء لم أستطع أن أحمله بيدي
شذى ابقي هنا أرجوك لا تغادري غرفتك إلى أن آتي إليك…
_ دموعي تسيح و أنا أنتحب: أريد جدي….
إحداهن اتركي شذى _ياسعاد_ أمك أغمي عليها.
كنت كمن فقد القدرة على الكلام من الذي مات؟
أنا موقنة أنه جدي
أيرحل دون أن يودعني، ليلة الأمس كنت أمازحة صار كل شعرك أبيض ياجدي
تبسم
لقد كبرت ولم يبق من العمر أكثر مما ذهب منه
أيرحل ذلك الحضن الدافئ الذي لا أشعر بالأمان إلى بجواره أنا وأختي شمس التي تصغرني بعامين ضحية أسرة مفككة
نزور أمي بعد أسبوع أو شهر فهي في القرية ونحن في المدينة
مع أبي
مشيت بخطوات متثاقلة
أطليت برأسي من خلف باب فناء المنزل
_
أدخلي لا تبقي هنا
عمي أين جدي؟
كانت الدموع تغرق عينيه مسح على رأسي ضمني إلى صدره
لم أذكر أنه حضنني من قبل دائما كان يصرخ في وجهي إذا لم أضع الغطاء على رأسي حين أذهب إلى البقالة وألبس ثوبا طويلا
تعالي… مشيت معه
كان أحدهم يشير إليّ: نعم، هذه الكبرى
نظراتهم ألجمتني الصمت أكثر أبحث في ملامحهم عن جواب لسؤالي من مات؟
الناس يتوافدون من كل مكان سيارات كثيرة قطعت الشارع، ورجال منتشرون هنا وهناك
أبي شذى تريدك… كانت شمس في حضنه
رفع رأسه لم أره قط في حالة كهذه
عيناه كجمرتين ملتهبتين
فرحت أنه لم يصب بأذى ونسيت سبب حزنه
ركضت نحوه
هل أنا في حلم جدي لم يمت إنه حي
كفكفت دمعاتي وتبسمت
لفني بذراعه
الحمد لله أنك بخير ظننت أنك مت
رد بزفرة يملؤها الأسى: ليتني أنا الذي مت.
حاولت أن أنطق تلك الكلمة التي خرس لساني وأنا أحاول عبثا أن أقولها:
من الذي مات؟؟
وصلت سيارة الإسعاف غمغم الجميع لقد وصلت الجنازة
فزعت لاأدري لماذا ذلك الشعور اجتاحني فجأة بعد إن اطمأننت
وقف جدي ثم جثى على ركبتيه
تركني هناك غارقة في دوامة من الخوف والجزع
سمعتهم يرددون احملوه لابد أن يلقي النظرة الأخيرة على ولده
ولده!!
من؟؟؟
لقد رأيتهم جميعا
من الذي مات؟
فتحوا باب السيارة وحملوا الجنازة إلى المنزل كانت مغطاة بثوب أبيض، بقع من الدم لوثت ذلك البياض الناصع
صوت دوى هز المكان
وهز كياني
“مازال صداه كلما مرت تلك الذكرى “تعطرها دمعتان تسترق من عيني
أياد لا ترحل…
سمعت ذلك الاسم لم يكن غريبا علي لكنني لا أناديه به ، أنا الوحيدة التي أناديه باسم ملكا لي ولأختي
دون غيرنا.
أوسان العامري

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى