افعل خيرا او ارحل بقلم وصال قريب
افعل خيرا أو ارحل
في برد الشتاء على أرصفة الشوراع تصب عليهم الطبيعة غضبها أضعافا مضاعفة في نقم على الأثرياء الذين اختبؤو تحت معاطف صنعت من جلود حيوانية فاخرة انقرضت مصادرها و منازل بنيت من مواد كلف صنعها تلوثا مهولا فبات غضبها مسلطا على من لامأوى لهم كأنها تنتقم لاختلال توازنها، و في حر الصيف تلفح أشعة الشمس جلودهم المهترئة من برد الشتاء في حين تختبأ طبقة “لست أنا” في منازل مكيفة و في الشواطئ تحت مظلات تغطي أجسادهم كريمات باهضة يكسي ثمن الواحدة منها عائلة كاملة،ناهيك عن سموم فضلاتهم التي يستغرق البحر دهرا للتعافي منها ليصبح جوفه كقعر جهنم بالنسبة لمن يعيش فيه
على جانب تلك الأرصفة المنسية يتجرعون جميع أنواع العذاب النفسي(الإهانة، الإستهزاء، التنمر…..)و الجسدي (الجوع، المرض..) و بغض النظر عن سبب و جودهم أو تاريخه و مدته هناك ، و الذي إذا تعمقنا فيه لما عدنا إلى السطح كما كنا .و لكن الغريب هو من حوّلوا كرامتهم و أوضاعهم إلى تجارة رخيصة على القنوات التلفزية و مواقع التواصل الإجتماعي في محاولة بائسة لتلميع الصورة المشوه صاحبها .
أتذكر أنه في أحد أيام الصيف الحارة اكتسح الملل يومي و أضناني الحر الذي لم يجدي معه حتى المكيف، و في محاولة بائسة مني للهروب من هذا الحر المميت أمسكت جهاز التحكم و أخذت أتجول بين القنوات عليّ أجد شيئا يلهيني عن الشعور بالاختناق تلك الظهيرة، توقفت عند أحد البرامج الذي كانت فكرته تزويج الشباب غير القادر على تحمل التكاليف، تبدو فكرة جيدة صحيح!
ولكنها ليست كذلك البتة ؛شاب عشريني يُجَهّز بيته و يقام زفافه مع ذكر أصغر التفاصيل عنه و بالتأكيد ستظهر حرمه المصون مع ذكر تفاصيل عنها (عائلتها، مسكنها عملها….). توقفت للحظة و قلت بداخلي ترى لو فعلوا ما فعلوا معهم و لكن بالسر و ليس على مرأى 40 مليون نسمة؟ أساسا ما الهدف من عرض هذا البرنامج!!ماذا لو بقي وقفا بين صاحبه و ربه؟!علاوة على كرامة عريس الغفلة المسكين الذي سيشار اليه بالبنان في كل محفل و يعاير في كل خلاف تقريبا أو بعد كل تقصير و سيعيش تحت مسمى(المتزوج من الصدقات) هنا فهمت معنى قول الله : (إن تبدوا الصدقات فنعما هي و ان تخفوها و تؤتوها الفقراء فهو خير لكم) .
أصابني القرف فغيرت المحطة و برنامج آخر أكثر دنائة من سابقه برنامج يعرض أفراد عائلة في فقر مدقع أب عاجز و
أطفال صغار لا حيلة لهم و أم تبكي بحرقة على تدهور حالهم و مذيعة لم تترك جرحا إلا و فتحته و أخرجت قيحه لتختتم بقولها نداء إلى ذوي القلوب الرحيمة 😒
لما لم توجهي النداء للقلوب الرحيمة في نص صغير كدماغك و خاتمة برنامجك الغبية مع إرفاق صور للمنزل المهترئ تحتها رقم حساب البنك لجمع التبرعات في شريط الأخبار العاجل؟!!! لاااا تفضل الفضيحة باسم التوثيق ، و الأدهى و الأمر حلقة أخرى يصور فيها البيت بعد الترميم و الكبرياء بعد الهدم بابتسامة بريئة تعلو مبسم الأم و أبنائها الذين لا يعلمون أنهم إذا اشتغلوا و درسوا و نحجوا ستجلدهم ألسنة البشر القاسية تحت مسمى ألم ترقي بالصدقات يا ذا العظام الرقيقة و الذي كان ليُگف عنهم إن حصل الترميم بالسر، أغلقت التلفاز في نقم و أمسكت بهاتفي علي أرى شيئا أزيل به مرارة مارأيت. و في الصدارة فيديو لسيارة فارهة تركن جانب رصيف أحد الشوارع ينزل منها رجل ببذلة زرقاء فاخرة و ربطة عنق أنيقة و ساعة رولكس لو بعتها لأطعمت فقراء مدينتي لشهر كامل، لا علينا أكرمه الله و زاده كان إلى جانبه طفيلي كأقل الأوصاف إهانه له و في الركن المقابل شيخ عجوز أحدب يبيع بعض الخرداوات حافي القدمين تقدم -الجانتلمان -نزع حذائه و جوربه و ألبسه إياهما و التي كانت هدية فرح بها العجوز كثيرا خاصة في ظل برودة الجو و طبعا اُستُلّ الهاتف من جيب الطفيلي صديقه قبل أن يُستَلّ الحذاء من قدمه و تم نشر فيديو تحت عنوان لا يزال في الدنيا أناس طيبون 🥴 ومجددا نفس السؤال ماذا لو اشتريت له حذاء يا سيدي جديدا و جوربا نظيفا لم تغزه فطريات قدمك الراقية بعد ؟!!(لا أقول ماركا عالمية كحذائك طبعا فقط حذاء يقيه البرد و احتفظ بالماركا لنفسك) و لا تصور و لا تشارك فكرامته لا تساوي حذاء أبدا
أغلقت هاتفي و بت أستمتع بالحر فإنه و الله أهون من حر الغيظ الذي أصابني فلم أجد عذرا للصدقة مقابل الكرامة فوالله لانهم يتألمون و لكنهم يظطرون للأخذ منا فأكرموهم أكرمكم الله فلا يدري العبد لأي مآل سيؤول و كبرياء البشر ليس بضاعة لتجارة رخيصة بغية الدراهم أو الشهرة او أيا كان فإن أنفقت لله و أطبقت فاك فنعمة تلك تمنها على نفسك و إن ارتأيت أنك لن تقدر على ذلك فأمسك مساعدتك و ابتعد فموتهم جوعا أهون من موتهم ذلا و قهرا علاوة أنك لن ترقى الى مكارم الأخلاق حتى و إن صفق لك الملايين فعندما تسقط تلك الملايين ذاتها ستصفق ولكن عليك لا لك
قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264))