القصة

الحلم والهاتف بقلم: “د.محمود الذكي”

بقلمي قصتي القصيرة
الحلم والهاتف
في تلك الغرفة الأنيقة التي يبدو فيها كل شيء جديداً مرتباً وقد فُرشت بأفخم أنواع السجاجيد
يجلس رشدي على فراشه بعد ان تناول الغداء ممسكاً بالرموت كنترول يُقلب في قنوات جهاز الإستقبال عبر تلك الشاشة الكبيرة المُعلقة في أعلى الحائط
لكن بعد دقائق يشعر بغلبة النعاس عليه فيضع الرموت بجانب الهاتف الأرضي الذي كان يتواجد على الكمديونو بجانب الفراش
يضع رشدي رأسه على وسادته ثم يستغرق في التفكير ويحدث نفسه قائلاً::الأن أصبح عمري خمسة وأربعون عام ولم أتزوج بعد لكن كيف يمكنني الزواج بعد جيهان تلك الجميلة التي عشت قصة حب معها منذ الجامعة وحتى تخرجي لم يكن ذنبي اني فقير الحال غير مستعد للزواج منها في تلك الفترة ورغم هذا تقدمت لأبيها الذي لم يحسن مقابلتي وقام بطردي ثم بتزويجها بعد ذلك من رجل غني طاعن في السن كان لابد ان اثبت نفسي لكن دفعت الثمن غالياً عشرون عام من الغربة نسيت فيها نفسي نسيت مشاعري نسيت حتى غريزة حب المرأه والأولاد لكن ها أنا عدت منذ أيام وقد أصبح معي من المال الكثير لكن أفتقد إلى نصفي الأخر
يذهب رشدي في نومٍ عميق وفجأة يحدث شيء غير طبيعي ما هذا!
من تلك المرأه ذات الشعر الأسود والعيون الذرقاء والوجه المستدير نعم تذكرتها انها جيهان انها تبتسم لي يصرخ لها قائلاً:اقتربي مني أرجوك أريدك بجانبي
تقترب منه جيهان وتجلس بجواره على الفراش ويأخذ هو موضع الجلوس وهو يتأمل بياض وجهها وذاك اللون الأحمر الذي كان يكسو فستانها فقال لها بصوتٍ خافت: في عجب:أنا غير مصدق نفسي عشرون عام ولم تزلِ تحتفظِ بجمالك وبهائك كم أشتاق إليك يا جيهان
جيهان بابتسامة رقيقة:وأنا أيضا لكن أرجوك لا تحدثني عن الماضي ودعنا في الحاضر ها أنا الأن قد عُدت إليك فماذا انت فاعل
يمسك رشدي بكتف جيهان ويضمها على صدره ويضع قبلاته على وجهها ثم يقول:لن أتركك تضيعي من يدي مرة أخرى
جيهان بصوتٍ حاني:وهي تعانقه:صحيحٌ هذا يا رشدي لا تعرف مدى اللوعة التي كنت أعانيها وانت بعيدٌ عني
يضمها رشدي أكثر فأكثر حتى دق جرس الهاتف دقات متتابعة
هنا يستيقظ رشدي من حلمه وهو يتنهد تنهيدات متتابعة ثم يمسك بسماعة الهاتف قائلاً وقد بدى عليه أثار الفزع والضيق:ألووه من معي؟
يتفاجأ هنا بصوتٍ ناعم يقول له في رقة:السلام عليكم اتمنى اني لم أزعجك معك ناهد صالح من شركة الأندلس للمبيعات وأحببت ان اخبرك ان رقم هاتفك قد فاز معنا بجائزة عبارة عن حزام للتخسيس ولن نكلفك إلا ثمن الشحن يا افندم
رشدي بصوتٍ نافر:تزعجيني وتوقزيني من نومي لكي تخبريني بهذا والله حرامٌ عليك
ناهد وقد بدى على صوتها الخجل والحرج فقالت بتردد:والله آسفة يا افندم لكن هذه طبيعة عملي لكن أقسم لك ان ليس هذا مسلكي في الحياة
رشدي يهدأ قليلاً ثم يقول:لا عليكي لكن المشكل انني كنت أعيش حلم جميل تمنيت لو أكمله للنهاية
ناهد بضحكة رقيقة:أكرر لك أسفي واعتذاري
رشدي بابتسامة هادئة:لا تعتذري لكن هل تعرفين يا ناهد صوتك يشبه صوتها والمؤكد انك جميلة مثلها
ناهد بصوت مستغرب:عن من تتحدث يا افندم
رشدي:عن جيهان التي أحببتها ولم أظفر بها لفقري تزوجت هي وأنا سافرت ولم اتزوج من أجلها بينما هي تزوجت من رجل ثري
ناهد بابتسامة خجولة:حاول ان تبحث عنها لعل الأمور تغيرت او ابحث عن غيرها ربما كانت أفضل منها
رشدي مستفهماً:هل انت متزوجة؟
ناهد بصوت متردد:أظن يا افندم هذا سؤال ليس له علاقة بعملي أو ما طلبتك من أجله لكن بالعموم نعم أنا متزوجة
رشدي بخجل شديد:أنا آسف على السؤال لكن هل انت سعيدة في حياتك؟
جيهان بضيق شديد:الحمد لله على كل حال لا يخلو أي بيت من المشاكل يا افندم ولو سمحت هل حضرتك ستقبل الهدية وتدفع ثمن شحنها أم لا؟
رشدي ساخراً:هدية ماذا أنا لا أعترف بمثل هذه الأشياء
جيهان بصرامة شديدة:آسفة على إزعاجك مرة أخرى مع السلامة يا افندم
يميل رشدي برأسه على وسادته ويحدث نفسه قائلاً:سامحك الله يا ناهد كنت أود ان أكمل مع جيهان لكن هل تعرفِ صوتك جميل وقريبٌ منها سوف آخذ بنصيحتك وأبحث عنها لعل وعسى كما قلتِ قد تغيرت في الأمور أمور
يعود رشدي إلى الإستغراق في نومه دون ان يجد جيهان هذه المرة في حلمه ثم يستيقظ ما بين المغرب والعشاء فيقوم بأخذ حمام ثم ارتداء بدلته الأنيقة التي اشتراها من أفخم محلات الخليج ثم نزل من البيت متوجهاً لبيت عائلة جيهان الذي كان يبعد نصف ساعة عن مسكنه وما ان وصل هناك وسأل أحد الجيران عنهم إلا وأخبروه بأن الأب والأم قد رحلم عن الدنيا وزوج جيهان قد توفي أيضا بعد ان بعثر أمواله وهي الأن تملك محل بسيط تنفق منه على أولادها الثلاثة
يتوجه إليها رشدي بخطوات متسارعة بعد ان عرف عنوانها وما ان وصل للمحل الذي يقع أسفل البيت القديم المتهالك إلا وأخذ جانباً وظل ينظر إليه
ما هذا
ثلاث أشخاص يقفون من أجل البيع وامرأه بجلباب بسيط ذات وجه شاحب وبعض الشعر الأبيض الذي يخرج من تحت الحجاب
يحدث رشدي نفسه في حسرة متعجباً:ليس هذا بمعقول هل تلك جيهان أعلم ان الزمن قد يُغير الكثير لكن ليس بهذا القدر
ينتظر رشدي قليلاً حتى تنصرف الزبائن من المحل ويتوجه إليها مسرعاً وهو يقول:مساء الخير جيهان هل تتذكريني؟
تصمت جيهان قليلاً وهي تتأمله في دهشة واستغراب ثم تقول :رشدي بالفعل الدنيا دواره كيف حالك وأين كنت في السنوات الماضية
قبل ان يجيبها رشدي تطلب منه ان يجلس داخل المحل وبعد ان تُحضر له كوب من الماء يظل يسرد لها ما فعله وكيف انه لم يتزوج وقد عاد من غربته بعد ان استكفى بما جمعه من المال
هنا ترتسم ضحكة هادئة على شفاه جيهان التي قالت له مستفهمة:معقول لم تتزوج من أجلي؟
الحمد لله على كل شيء
أخذت معالم الحزن تتضح على وجه جيهان التي قالت في حزن شديد:مات زوجي بعد ان بعثر الأموال وترك لي ثلاثة أولاد أبات ليلتي حائرة لا أدري كيف ألبي لهم حاجاتهم اليومية ودخل المحل لا يكفينا ودوما ابحث عن أحد يساعدني أو يشاركني في اتساع نشاط المحل ويبدو ان الله قد استجاب دعوتي بعودتك يا رشدي
يصمت رشدي قليلاً ثم يقول بصوت لا يبال:يفعل الله ما يشاء جيهان سأنصرف الأن وسأعود إليك مرة أخرى
يتجه رشدي مُسرعاً إلى سيارته التي أوقفها بعيداً عن مسكن جيهان ثم حدث نفسه قائلاً::ليست هذه جيهان التي أحببتها وليست هي التي كانت معي في حُلمي أين جمالها وبهائها ونضارة وجهها لكن يبقى الحب يا رشدي أي حب هذا الذي بقى! لن أعود إليها مرة أخرى فقد كان الزمن كفيلاً ان يميت حبها في قلبي وقد تأكدت من هذا بعد رؤيتي لها
سأسمع نصيحة ناهد بأن أبحث وأبحث والمؤكد سأجد أفضل منها ومن ناهد أيضا التي لم أرى منها إلا صوت جميل وفقط
د.محمود الذكي

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى