قراءة في كتاب

السياحة المجازية في قصيدة آلة الجنون، للشاعرة التونسية فاطمة محمود سعدالله… دراسة/الناقد الجزائري.د.حمام محمد زهير

السياحة المجازية في قصيدة آلة الجنون، للشاعرة التونسية فاطمة محمود سعدالله…
دراسة/الناقد الجزائري.د.حمام محمد زهير

بادئ ذي بدأ، أتقدم بالشكر الجزيل إلى الشاعرة والروائية التونسية لطيفة شامخي على تقديمها لي تواضعا، أعمالا لمتميزين في الشعر والقصة،والرواية التونسية، ومنهم الشاعرة فاطمة سعدالله ،.
…وكان من بين المرور في أي نص شعري، قد يشق في البداية البحث في عنصر التشويق والجذب والمراهنات النصانية التي تعطي للقصيد قيمة فنية تسمو به إلى عالم النصوص الجميلة ، ذات الرفعة النقدية ، هذا ما جعلني أتوغل باستعمال عدة أدوات ذات تراتيب تحليلية ، حتى لانقول أنها اتخذت عند كثير من النقاد القدماء كطريقة عملية
،ولهذا سندخل من باب رمزي للتعريف بقصيدة ، آلة الجنون ثلاثية الإبعاد، للشاعرة فاطمة محمود سعدالله
هي طفرة في أفق المفكر العربي الذي يعطي لنفسه حرية التنقل بين الخوارق البراسيكولوجية ، ولا يتمكن من هذا الانزياح إلا متمكن والشاعرة فاطمة سعدا لله مسارها الشعري اثبت أنها تستطيع التنقل بحرية وخفة بين الأبعاد فالبعد الأول كانت لها سياحة من سياحة السماع الحسي ، قذفها غير مقهورة فيه عالم النوطة بيتهوفن ، أين سافرت وأسست ممالك هناك في صمت ليس مريع ، ثم في البعد الثاني كان بوح الصمت في القصيدة من نوع الموسيقى الحرة التي تنساب مع وحدة الموضوع، ذلك أن موضوع القصيدة كان موضوعا واحدا، يدور في كنف التذكر والبوح داخل التذكر، والبعد الثالث كان سفرا مجازيا مع السياب ، وان أردنا إن نصنف موضوع القصيدة فهو موضوع الذكرى واستنباط الاخلاق، وقد استخدمت الشاعرة كما كبيرا من الصور البيانية ذات الإبعاد الرمزية الجميلة لإخراجه بمستويات عدديةراينا من الضروري عنونة عتباتها**
.1- .. سرية الشك والمشكوك..في التذكر.هند فاطة سعدالله.
تفاعلت الشاعرة وهي ماكثة تنظر في أشيائها الموسيقية ، وتكون قد تاهت رؤيتها في العمق لترى بأم البصيرة كيف تتحرك النوطات الموسيقية لبيتهوفن وهو يترجم الكلام إلى حالة من الموسيقى أو عتمة ضبابية كلها موسيقى للذي يرى الموسيقى جانب ، شطح و لا يعرفها تعريفا إلا إن يقول أنها أوتار تتحرك تحدث صوتا وذلك الصوت يتحول إلى مطرقة تضرب بقوة أو خفة ، هذا هو حال الإنسان العادي مع الموسيقى لكن عندما يضرب المهتم بالموسيقى في عمق الموضوع ، إلا وهو حب الموسيقى وحب بتهوفن ومعهما تتجمع الذكريات مرة واحدة فيصير الحب موزعا بين أشكال موسيقية ،كل فتيلة من الحب تضرب العمق ، والشاعرة فاطمة لم تمهل الوقت لتصنع مشهدا عاديا، بل جرها الزمن إلى تسجيل سيناريو جميل يقترب من تولهها بالموسيقى .
إننا لا نصدق إن قلنا إن بيتهوفن يستحوذ على العقل قبل العاطفة ، لانه …لتعرف بيتهوفن عن قرب علينا إن نتعرف على الهيكلة السولفاجية لمكونات المقاطع الصوتية في جميع تراتيبنها ، فهي قد صرحت بان الفكرة إلى خامرتها قد تكون بجميع الأوصاف مجنونة غير مجنونة أو مجنونة جدا .
إن الشاعرة تعيش حالة من التذكر لما جلست متمعنة في صمت بعدما، غادرت مجتمع الوظيفة وجلست وكأنها ترسم لوحة زيتية أرادت إن تستنطق العبثية في ذاتها من خلال البحث عن صورة جمالية تدعها تفتش بطريقتها عن خيوط الحب التي تجمعها بالموسيقى ، فما وجدت إلا هاته الصورة المربكة حقا من خلال نسيج الأبعاد فيها والصورة هاته نحللها بيانيا بالطريقة التالية :
1- الظروف والسراب..والعباب:
تتمشى الشاعرة كالملكة بعدما تخيرت مكانا قصيا، هي تعلم انه مكان يجلس فيه الأنبياء حين يحاورون النفس النقية التي ما إن يرميها المحال حتى يحركها الصوت الخافت ، بين قرابين بيتهوفن أن يحق لك السكن ، فان كنت لاتعيها سوف ستربك )إذناك( ، ويصير الحلم نفورا وان كنت من حبها فسوف تلاطفك النوتات شهيرها ودانيها ، وكل نوناته في سيمفونيته المتعددة هي حركات جر بين متون مختلفة ، فالشاعرة دونت معه بعض من سيمفونياتها القليلة والشهيرة .
إن الشاعرة حاولت إن تتفجر بالبكاء ،وهي كانت تريد إن تستمتع بلغة ببيتهوفن لكن وجدت الدراما قابعة قبالتها ، تتذكر في مناحي الذكر وهنا تكون الظروف درامية لإسالة الفيض المتفرع من الموضوع ، ولوعددنا كل الظروف التي مرت بها الشاعرة داخل البيانو لوجدنا ظروف كلاسيكية وآخرى مأسوية وأخرى درامية ونكاد ندخل معها في التراجيدي ، دعني أيها المهتم احفر ي ميزة آخرة جذبني إليها بوح الشاعرة ، حين بدأت تعترف وقد وصلت إلى درجة عالية من البوح ، ولولا قياس المنتهى في القصيدة لقالت الشاعرة أشياء كبيرة جدا ، قد تستطيع إن تدخل في باب التاريخ للحركة الشعرية التونسية ، ان ألان أجابه عصارتها بمد الحفر في ظروفها ، لقد تهيأت الذات وهي تقر باليأس والقنوط بعدما تقاعدت أنها تنتظر قرع القدر وهي سمة تصيب كل خارج إلى التقاعد متناسية بان العمر والأجل في مغيوب الله تعالى وهاهي تقول:
خامرتني فكرة
.. مجنونة شبه مجنونة أو..مجنونة جدا
لماذا لا أتسلل إلى سيمفونية بيتهوفن
أقتطع لي فيها حيّزا
أتمشى فيه بين الآلات الموسيقية
أشد وترا أحرك قوسا أقرع طنبورا
أدورن مع بيتهوفن نغمة شاردة
أفلتت من منصة العازفين ..

2- البوح الراقي بلفة الطهارة والفضيلة الراقي
إن شعورها باليأس من خلال ما ظلمت في مسارها أو من واقعها جعلها تظن إن يد القدر تتحرك كما يقال في النظرية الارواحية لتايلور ، إن النفس بعد الخمسين نتهيأ لمغاردة برزخها الآني وسارت هاته جلبة على كل دروب المجتمع ، من خلال ما خرج عن هاته النظرية ، ولكن الشاعرة قد عصفت بها النائبات الكثيرة التي جعلت منها إنسانة مسالمة تنتظز يد القادر، إن تضرب ، هي من تذكر هادم اللذآت يعد الأمر من باب الأجر والثبات ولكن إن يترك النوائب تنتظر الهادم فذلك ميؤوس منها ، والشاعرة كما هو مسارها من التنوع القوي تقول:
يد القدر تتهيأ
لنصرة العدم على الوجود
وأنا..مازلت معلقة بين السقف وبيني..
أهش على وجود يسحب مني
مما يدل أن اليأس غلبها وكثيرة هي المكائد والمكابر، تغط بالإنسان السوي ، وتحاول أن تسد الأبواب دونه وهي لازالت قادرة على غزو الفضاء مرة أخري وتهش رغم أنها معلقة ، وهذه إرادة قوية وفولاذية ، قلما تتصف بها أنثى في هذا الزمن .
إذن ماهية مؤثرات هذا النص الخارجية ؟؟يظهر البناء الأسطوري لأنساقها متميزا عن غيره من الاساليب وهو ما يسجله قولها : وأنا..مازلت معلقة بين السقف وبيني.. ; أهش على وجود يسحب مني( مبني من صور أسطورية جميلة ، تنظر في البعد والأفق وتهش على وجود بأكمله .
كما إن المؤثر الديني كان واضحا من خلال فعل اهش..وفي الكان صورة قرآنية، فهي أرجعت ملفوظ أهش، لتستعمله على وجود باكمله وليس على قطيع من عباد الله الآمرون بالسوء..اعتمدت في الصور النحوية على جمل اسمية وفعلية متزامنة مع فواعل مقدمة ومؤخرة ، وليس هناك صفات أفعال الأمر والمضارع انما المبتدأ والخبر..وفي السياق الإعرابي فجملة السياق الأسطوري جاءتا في محل إخبار شديد..وهاي في المقطع الموالي تناصب الحركة الزمانية النحوية باعتبارها متمرسة في النحو واللغة تحاور القدر بقولها:
أريد أن أكون نغمة في كل آلة موسيقية
وأحلق بخيلاء بين الغيوم
أجاور الملائكة.. أحاور “القدر”قبل أن “يقرع الباب”
أقول له: إن جئت لتقبضني..
.تمهل قليلا قليلا ليس أكثر
إن مستوى الفهم عند الشاعرة، ظهر واضحا من خلال رمزيتها فهي تريد أن تقول بأنها مازالت قادرة على العطاء وتذوق الحياة بمنظر أخلاقي استيتكي، يجعل عفتها تحلق فوق الغيوم ، وكأنها طائر من طيور الوسق أو القطا تخبرين العالمين برفعة أخلاقها ، كما تتمنى وقد جهزت نفسها روحيا أن تحاور الملائكة بأنها لازالت قادرة على وضع أشياء أخرى كترتيب بيتها وإكمال ما رأته ناقصا من عاطفة وتحقيق نجحات اخرىى تدمج مع نجاحاتها السابقة هكذا هي..
امنحني حيزا من الزمن
أعيد جزئي إلى كلي
.. أملأ فقاعات أحلامي بما تبقى من وقت
أغسل صحون العشاء الأخير
أجمع مخطوطات

استعملت الشاعرة في الحقل الدلالي معجمية قوية ، تدخل في سياغ أسلوبية المنهج الأسطوري فهي تتصور في ارواحية حوارها مع هادم اللذات وتطلب منه إن يتريث عنها حتى تقضي حاجات ، وهذه صفة أهل الورع عندما يتذكرون ما لم ينجزو ويتحسسون ) سنون ( العمر آتية ، فيهرعون إلى طلب ذلك من هادم اللذات نفسه ، فهل نقول إن الشاعرة أظهرت تفوقا في استعمال المنهج الأسطوري بالكم المعجمي الذي توفر لديها ، إذا تعتبر ملفوظ الارواحية حديث يعود إلى عهد ليس ببعيد عن ميلاد الادب الصوفي برمته القائم على المناجاة ومجاهدة النفس..فلو نحاول ان نربط المصطلحات بواقعها الحالي نجد انها متعمقة في الكثير من ابستمولوجيات العلوم ، ففي قولها ارجع جزئي إلى كلي فيه أشارة منها إلى الانشطار الخلوي إلذي يحدث على مستويات الخلية المنشطرة ، مما ساعد هذا السياق على استواء الموسيقى الداخلية التي نحسبها في قراءة المقاطع الحوارية الأسطورية ، وأنت تستمع تستكشف ملكة التوازي بين النوتات الموسيقية وكأنها فعلا تدوزن مع بيتهوفن أنشودة الفرح للشاعر الألماني فريد ريش فون شيَلر حول القيم الجمالية والفلسفية.وكانت في نيتها إرسال رسالة إلى الناس تذكرهم بهادم الذا ت واستعجال انجاز ما تطبعه الأخلاق ، وهي في نظري شبيه برسالة فرويده إلى الأشخاص ذوي النوايا الطيبة من اجل نشر رسالة التسامح وإعلان التوبة لكل الذين حسدوا وهضموا إعراض الناس ..وهاه يتقول
تركتها مهملة طويلا على رفوف الذاكرة
أنفض فراغا كان يملؤني
و…أتجمل للقاء
أنشر نعيي على جداري
أتابع التعليقات أعدك.
.. سأترك لك حق الرد..
. اطرق الباب أيها القدر..
إن عملية السرد كانت أشبه بمحاضرة روحية تعظ المستمعين إلى انه مهما كانت الطيبة والأفعال الخيرية وتناهي الأخلاق بصورة عامة الا أنه لايمكن إن تدعك بعض الألسنة في حياء واستحياء، دونما كلام في ظنهم عادي ولكنه يفجع القلوب، ثم تعطي في المحور الثاني تذكر هادم اللذآت وتدعو هؤلاء إلى استدراك ما فاتهم ، ورغم أخلاقها وسيرتها المهنية العطرة فإنها لازالت تستعجل ربها في إن تتم ما ضيعته من إعمال خلقية ، فهي قد جمعت بين الأسلوبين الخبري و والطلبي ، وبالنسبة للحركة المكانية فقد رتبت زمنها حسب صيرورة مسارها وتحدثت مليا عن الوقت المخصص بعد تقاعدها ، وهو نفسه الوقت الذي عبرت عنه مجازيا في سفرها الروحي .
وفي نهاية وأنا احاول إن أجد قالبا لتميز الشاعرة فاطمة سعدالله ما وجدت إلا أنها تقارع المنهج الأسطوري في شقه الروحي مستعملة الدلالات الرمزية ربما لتعيش الهدوء وتكتب به دون أن تثير مسألة لا يسمح لها وقتها الروحي باثارة الجدل فيها وما اكثر المحادلين في القطر العربي..
صدقت في الأخير في جميع تبريراتها سواء كانت رمزية أو مطلبية، لأنها تنم عن روحها السامغة في مسايرة الواقع ، جاعلة الجانب الخلقي كميزة معيارية في أعمالها المتبقية ، وقد اكتشفنا صدق مشاعرها مما يتناسب مع شخصيتها العميقة ،وخاصة بالنسبة لموضوع القصيدة فهي استعملت قياس الصراحة بالنسبة للتذكرها وحسرتها، مما لازال شقه بقادرة على إن تتمه ، وهو الأساس الذي تشكل لديها كموضوع طلبت من هادم اللذات إن لايستعجل قدرها مرة اخرى ، ولو قارنا الشاعرة فاطمة مع شاعرات أخريات في الوطن العربي ، دون شك نجدها تنفر بخاصية الارواحية التي تميزها عن غيرها كما لها معيار السياحة المجازية في الظواهر الاجتماعيةوالاثنوغرافية التي ألفها الإنسان منذ أزمان ، فالشاعرة باستطاعة إن تدخل أساطير الرواية التونسية وتصحح مساراتخا بما تملكه من روعة السياحة المجازية…

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى