الطابق الثاني بقلم/ سهام رمضان محمد حسن
نوع العمل :قصة قصيرة
البلد/اسوان- ادفو
الطابق الثاني
• انا لا اخشي الموت ولا تخيفني تلك الغرفة؟
• اذا لما هذه الدموع.
ذهبت هند لمعهد الاورام لزيارة احد اقربائها التي اصيبت بسرطان الثدي والتي استطاعت ان تقطع شوطا كبير في ذاك المشوار المليء بالآلام المليء بالآهات.
دخلت هند الي الاستقبال، فسألت موظف الاستقبال
• استئذن حضرتك اين اجد المريضة سعاد عبد الله
• في الطابق الثاني يسارا الغرفة الاولي
• اشكرك
اخذت هند طريقها للطابق الثاني و قبل ان تصعد الدرج وجدت سيدة يبدو عليها انها انهت الاربعين من عمرها تستند علي الحائط و كادت ان تسقط ،فذهبت اليها هند مسرعة لمساندتها.
فشكرت السيدة هند علي مساعدتها وقبل ان تنصرف سألتها هند
• لماذا انت وحدك في مثل هذه الحالة؟
• ليس لدي بعد الله احد سوي زوجي الذي يوصلني ثم ينتظر دخولي لغرفة الاشعاع الكيميائي الذي يستمر اكثر من ساعات ليذهب الي عمله ثم يعود لينقلني الي البيت ،لكن اليوم انهيت جرعتي مبكرا.
• أ تعلمين بنيتي كم هو شاق الطريق من هنا الي مكان عمله وكم هو شاق الي البيت ايضا.
• الله يكتب لك الشفاء العاجل.
انه حقا مشوار طويل ،تبدأ اولي خطواته عندما يشتبه الطبيب المعالج باضطراب ما في احد الاعضاء ويقوم بتحويل المريض الي معهد الاورام لإجراء الفحوصات اللازمة واخذ العينات ،يا لها من لحظات تتجمد بها العروق و يقف بها الوقت ،اصعب اللحظات ‘ليست التي ينتظر بها المريض ظهور العينة بل التي يعيشها اهله ،فمنهم من يمرض حزنا تحسبا لما سيكون ،و منهم من يقاوم لبث الامل في مريضه.
صعدت هند الطابق الثاني .
اخذت هند تنقل نظرها بين الاسرة و كأنها تبحث عن شيء ضائع ،ربما تبحث عن الامل في عيونهم ،ربما تبحث عن الارادة التي تجعلهم يتحملون تلك الآلام ،فجلسة واحدة من الاشعاع الكيميائي قادرة علي تحطيمهم جسديا و نفسيا تري ما سر ارادتهم ؟! تنقل نظرها بين تلك الفتيات اليافعات وهؤلاء السيدات .
اسرعت هند لمساعدة سيدة غير قادرة علي فرش غطائها.
• هل لي بمساعدتك.
• جزاك الله خير.
• ما اسمك
• هند
• اسم جميل يا هند ، لو انعم عليا الله ببنت لكانت مثلك الآن.
ابتسمت هند
• كأني هي.
• ما شكواك
• فجأة دون سابق انذار اخذت يداي ترتعشان بطريقة ملحوظة فلم استطع ان افعل شيء ،الي جانب صداع شديد ،الي ان قام الطبيب بتحويلي ان هنا لاكتشف اني مصابة بورم علي المخ.
• الحمد لله علي كل شيء .
• تعلمين يا هند انا لم أتألم من جلسات العلاج بقدر ما يؤلمني نظرة ابنائي الحزينة ،لدي اثنان من الصبية اكبرهما يدرس في ثانوية عامة وانت تعلمين كم يحتاجني بهذا الوقت فلم يجدني..
• ان شاء الله عما قريب تنتهي آلامك.
بينما هي تتنقل بين الاسرة استوقفتها دموع هذه السيدة.
• لا تقلقي.
• انا لا اخشي الموت ولا تخيفني تلك الغرفة
اشارت لغرفة الاشعاع الكيميائي.
• اذا لما هذه الدموع؟
• اترك صغيري الذي لم يتجاوز العامين من عمره في البيت مع شقيقتي التي انتقلت من بلد اخر لتجلس مع معه تاركة ابنائها وبيتها لترافقه.
• اسمع صرخاته كأنه هنا بجواري فهو لا يهدئ الا بين يدي.
وهذا سرير اخر وجدت سيدة مقصرة شعرها بجوار ابنتها.
• هل تعانين من السرطان ايضا.
• لا
• هل سبب اخر لسقوط شعرك هكذا ؟
• كيف لي ان امشط شعري و ابنتي الوحيدة قد تساقط شعرها بفعل العلاج .
• سعاد كيف حالك ؟
• الحمد لله يا هند ؟
• تعلمين يا هند انه مشوار مرير و ممل
• كنت كلما اشعر باليأس انظر لأبنائي الذين سيعانون بعدي بعد ان توفي ابيهم ،و خوف امي التي كادت ان تموت حسرة على و دموع ابي اللامعة في عينيه و تعب اخوتي الذين يتناوبون مرافقتي.
• لا تحزني يا سعاد ان الله سيهون عليكِ و يراعكِ ، المهم ألا تيأسي.
• اما الان فسأرحل و سأعُاود زيارتك لاحقا.
عادت هند الي البيت شاحبة الوجه شاردة الذهن متأثرة بما رأته اليوم ،نعم فاليوم قد ادركت أن الحياة كساحة الحرب لا يفوز بها إلا من تسلّح بالإرادة و الأمل فهما الدرع الواقي ضد الصدمات ضد التعثرات، هما طوق النجاة لكل من تشبث بالحياة.
بعد هذه الزيارة لمست هند نعم الله التي انعم بها الله عليها ولم ترها من قبل. فالكثير منا يلقي الضوء علي نعم الآخرين متناسيا ما لديه.
عادت هند من تلك الزيارة و تفاهة حياتها تمر امامها ،اخذت هند تفكر في ما يجب ان تفعله وما ستتخلى عنه، بينما هي غارقة في افكارها سألتها والدتها
• هند ما بك منذ ان آتيت وانت ِ شاحبة و كأنك في عالم .
• نعم يا أمي لقد ادركت اليوم معني الحياة و قيمتها و ادركت ايضا معني المعاناة الحقيقية ، كل ما نعانيه لم يكن شيئا .
هم يعانون ليس من اجل آلامهم بل آلام من حولهم فعلاجهم الحقيقي هو امتلاكهم الإرادة و الأمل .الإرادة هي القوة الكامنة داخلنا والتي تدفعنا لاجتياز المستحيل دوما.