العنوان: شقائق النعمان تتفتح عند الغلس بقلم الدكتور و الكاتب أحمد طالب بطمة
زهرة الطفلة الصغيرة وهي تقلّب بين أصابعها وكفّها تلك الحصيّات المتجانسة الشكل ، برغم براءتها وانهماكها في لعبتها المفضلة ، كانت تعد إحداهن ، لرميها على باب حانوت أبيها الحدّاد تنبيها له بمرور شرطة الإحتلال ، فيسارع إلى إخفاء سلاح كان يهيؤه أو يقوم بصيانته ، داخل مطمورة يغطيها بحصير ويفترشها ..
كان الشارع الذي يبدو لها ساكنا يضج بالتناقضات المتجانسة ، بمحاذاة مكتب البريد ، يرتاد التلاميذ مدرستين أحدهما تخص البنات والأخرى للذكور .
وعلى امتداد الشارع العتيق يقطن أناس بألقاب تدل على اختلافهم من ناحية الهوية أو الانتساب والانتماء .
مقابل المسجد يسكن الحاج بن عيسى البوسعادي … وفي نفس سقيفته يسكن محمد الزواوي …. بجاورهم سقيفة اليهود الذين يشتغلون بالتجارة…. يليها مقر محكمة القايد بولفعة …. وفي نهاية الشارع كان مقر إقامة البشير الإبراهيمي .
شوش سكون الشارع خطوات الشرطة لتقطع على الطفلة الصغيرة لعبها وتذكّرها بمسؤوليتها تجاه وطنها الكبير .
في أحد ليالي رمضان ….
لحظات قبيل آذان المغرب كانت النسوة يوشكن على تجهيز وجبة الإفطار على مجامر الفحم والحطب ، في فناء المنزل .
تكفّلت إحداهن بطهي الكسرة والأخرى أعدّت الشوربة بقطع اللحم .
أما الطبق الرئيسي كرنمب بالسمن البلدي ” دهان لعرب ” .
و كسائر أيام الشهر الفضيل فطبق البرقوق كان هو التحلية السائدة .
كانت هاته الوجبة تجهّز ككل يوم أحد لمساجين ثورة التحرير الذين حوتهم المدينة من سائر نواحي الوطن،في ما كان يُعرف بالكرطي .
هذا الإفطار كان منقوصا من قهوة جبال عمور لا لشيء إلا لعدم توفر الكاظمة التي تحفظ حرارتها .
قهوةٌ رحلة إعدادها تبتدئ من تحميص القهوة وطحنها يدويا إلى ملء الدلو بماء البئر .
ثم تجهيز الأواني الخاصة بها ( الصفاي وبرادة البنتورة والفناجين ) وكذا توفير مستلزماتها من سكر الدومين أحيانا أو سكر التراب .. والحبة الخضرا والشيح …..
كانت وجبة الإفطار تُنقل فوق عربة يجرّها بغل أو حمار .
لحظاتٍ قبل أن يكبّر السي لزهاري في أعلى صومعة العتيق ويعقبه دوي المدفع الذي يبلغ صوته مشارف المدينة (الحوض ) إيذانا للساكنة بأوان الإفطار .
لم يكن يتسنى للقادم من البوادي المجاورة تعدّي مشارف المدينة ، والتجوال بها والسمر والسهر ، وتذوق الحلويات الشرقية من عند التونسي أو البسريط ، ذلك أنه على سفوح قمة سيدي عقبة وضفاف الواد المدسوس ، كانت الأسلاك الشائكة تحيط بحاضرة الجبل .
أسلاك قانونها تخضع له كل المبادلات عدى الشكارة الناقلة لمستلزمات التحرير . في مكان معين وزمن معين …. مع تحديد الحمولة كمًّا .
أما النوع فيقتصر على الأدوية ، أجهزة راديو ، بطاريات ، أو منظار حربي وكل ماقل وزنه وزاد نفعه ….
في هدأة الليل وظلمته الحالكة ، يلقي الحمولة على ظهره ويتعكز على الأسباب محثًّا السير علّه يدرك فجر الإستقلال …….
أثر فيا كثيرا