اللغة العربية الجزء الحادي و العشرين الفصل الثالث بعد الاسلام العهد الأموي //للكاتبة اللبنانية ملفينا ابومراد
اللغة العربية
الجزء الحادي و العشرين
الفصل الثالث بعد الاسلام
العهد الأموي (41ـ132هـ/661ـ750م)دام 709 سنوات
وقد اشتهر من علماء مدرسة مصر بعد جيل الصحابة كثير من التابعين الذين عاشوا في العصر الأموي، منهم:
يزيد بن أبي حبيب، الذي قال عنه الكندي المؤرخ المصري: أنه أول من نشر العلم بمصر في الحلال والحرام ومسائل الفقه، وكان ثالث ثلاثة جعل عمر بن عبد العزيز إليهم الفتيا بمصر والآخران هما جعفر بن ربيعة، وعبد الله بن أبي جعفر.
واستمرت مدرسة مصر التي كان مقرها جامع عمرو بن العاص في الفسطاط تنمو وتزدهر حتى خرّجت الكثير من العلماء، كان من أشهرهم: الليث بن سعد فقيه مصر وإمامها، والذي قال عنه الإمام الشافعي: الليث أفقه من مالك بن أنس، وقد توفي الليث سنة 175 هـ.
ويطول بنا الكلام لو تحدثنا عن الحركة العلمية في بقية أقطار العالم الإسلامي في العصر الأموي ولكن هذه مجرد إشارات تنبه الأذهان إلى أن العصر الأموي كان عصر فتوحات عظيمة وإدارة وسياسة وعمران , وكان أيضا العصر الذي شهد بداية نمو الحركة العلمية الإسلامية التي كان قوامها القرآن وتفسيره، والحديث وشرحه والفقه وأصوله، والتاريخ والسير والمغازي، واللغة العربية وآدابها.. الخ.
وهناك فضيلة أخرى يجب أن تذكر للأمويين وتحسب لهم في صحائف حسناتهم: تلك هي حفاظهم على التراث العلمي الأجنبي الذي وجدوه في البلاد المفتوحة، فقد عرفنا فيما سبق أن الفتوحات الإسلامية في العصر الأموي امتدت إلى آفاق بعيدة، شملت مساحات واسعة في قارات الدنيا القديمة الثلاث أسيا وإفريقيا وأوروبا، وهذه المناطق التي حوتها الدولة الإسلامية، كانت هي موطن الحضارة في العالم يومئذ، وفيها مدراس علمية وفكرية تركز فيها كل ما أنتجه العقل البشري من علوم على مدى آلاف السنين، فعِلم الهنود والفرس والإغريق على اختلاف أنواعه كان منتشرا في البلاد التي فتحها المسلمون في العصر الأموي، ووضع المسلمون أيديهم على هذا الكنز العلمي الذي كان موزعا على مدن زاهرة تعج بالنشاط العلمي مثل: الإسكندرية وغزة وبيروت ودمشق وحران والرها وغيرها، وكانت العلوم التي تدرس في أغلب مدارس هذه المدن هي علوم الفلسفة والطب والفلك والرياضيات والهندسة والطبيعة والكيمياء والجغرافيا، وكانت تقوم على أساس وثني و مسيحي ،فماذا صنع المسلمون في العصر الأموي بهذه المدارس ؟ هل أغلقوها وعطلوا الدراسة فيها ؟
لم يحدث من ذلك شيء من ذلك على الإطلاق، بل أبقوا هذه المدارس على ما كانت عليه وتركوا الأساتذة يعلمون والطلاب يتعلمون في جو من الحرية لم يسبق له مثيل، بل لم يتدخلوا مطلقا في شؤون هذه المدارس وتركوا كل شيء للقائمين عليها، فلما رأى العلماء والطلاب هذه الحرية وهذا التسامح مع العلم والعلماء الذي أبداه المسلمون نحوهم والذي هو في الواقع من وحي الدين الإسلامي نفسه الذي يحترم العلم والعلماء ويكرمهم، بل يحث الناس على العلم والتعليم ويعتبر التفكير فريضة من فرائضه: أقبلوا على العلم والتعليم بصدور منشرحة وعقول منفتحة، وأخذت هذه المراكز العلمية تؤدي عملها تحت الحكم الإسلامي حتى جاء العصر العباسي الأول ( 132 – 232 هـ ) وكانت الدولة الإسلامية قد استقرت والعلوم الإسلامية الأصيلة والتي أشرنا إليها قبل قليل من تفسير وحديث وفقه وأصول فقه ولغة عربية وآدابها قد تأصلت ووضعت قواعدها وأصبحت لها مدارس شهيرة في مكة والمدينة والبصرة والكوفة ودمشق والفسطاط ..
عندئذ بدأ المسلمون يتجهون للعوم الأجنبية والتي كانوا يسمونها العلوم الدخيلة وهي الفلسفة والطب والفلك والرياضيات والطبيعة والكيمياء.. ، اتجهوا إلى هذه العلوم وبدأوا يترجمونها إلى اللغة العربية وكان الخلفاء العباسيون يشجعون حركة الترجمة ويجزلون العطاء للعلماء على عملهم ويحترمونهم وينزلونهم منزلة كبيرة، فقد كان الخليفة المأمون يعطي العالم الذي يترجم كتابا علميا من لغة أجنبية إلى اللغة العربية وزن هذا الكتاب من الذهب الخالص، لذلك أقبل العلماء على الترجمة في همة ونشاط حتى لم يكد يمضي قرن واحد على بداية حركة الترجمة حتى أصبح ذلك التراث العلمي العظيم الذي خلفته البشرية على مدى أجيال عديدة يُقرأ باللغة العربية، والتي كانت أكثر اللغات انتشارا في العالم لأنها لغة الإسلام والمسلمين.
والمسلمون في ذلك الوقت كانوا أقوى وأغنى أمة على ظهر الأرض، فهل يقرأ المسلمون تاريخهم العظيم هذا ويحاولون استعادة مجد آبائهم وعظمتهم !؟
والخلاصة: أنه لولا سماحة الخلفاء الأمويين وسعة أفقهم وحفاظهم على هذا التراث لما رأينا هذه النهضة العلمية الكبيرة التي كان لها الأثر الكبير على حياة البشرية.
تابع
ملفينا توفيق ابومراد
لبنان
2/8/2023
جزء من المعلومات من غوغل