إشراقات أدبية

اللغة العربية الجزء الرابع عشر الفصل الثاني بعد الاسلام//للكاتبة اللبنانية ملفينا ابومراد

اللغة العربية
الجزء الرابع عشر
الفصل الثاني بعد الاسلام

انتقال المعنى
وهو أنْ ينتقل اللَّفظ من مجال استعمالـه المعروف فيه، إلى مجال آخر، ويشمل هذا المظهر نوعين من تطوّر الدِّلالة: الأوَّل: ما كان انتقال الدِّلالة فيه لعلاقة المشابهة، وهو ما يعرف بـ(الاستعارة)، والآخر: ما كان انتقال الدِّلالة فيه لغير علاقة المشابهة، وهو ما يعرف بـ(المجاز المرسل).
السيد المسيح كان يخاطب تلاميذه الاثنين عشر كما الجموع بالامثال للدلالة على المقصود من الرسالة الواجب ان يفهموا مضمونها .
انتقال مجال الدِّلالة لعلاقة المشابهة:
وذلك يكون في الاستعارة، الَّتي هي عبارة عن تشبيه حذف منه أحد طرفيه وأداة التَّشبيه؛ وطرفا التَّشبيه هما المشّبه والُمَشبّه به. يقول (ستيفن أولمان): “إنَّنا حين نتحدّث عن (عين الإبرة) نكون قد استعملنا اللَّفظ الدَّال على عين الإنسان استعمالاً مجازيًّا، أمَّا الَّذي سوّغ لنا ذلك فهو شدَّة التَّشابه بين هذا العضو والثّقب الَّذي ينفذ الخيط من خلاله”.
ويتجلَّى هذا المظهر في كثير من الكلمات الَّتي انتقلت من معناها إلى معنى آخر يشبهه، وأجزاء جسم الإنسان تعدُّ مصدرًا ثريًّا للاستعارات، وكثيرًا ما تنقل إلى مجالات أخرى لعلاقة المشابهة، من مثل قولنا: أسنان المشط، وسنّ القلم، وعين الحقيقة، وعين الصَّواب، وعنق الزُّجاجة، ورأس الشَّارع، وصلب الموضوع، وقلب المعركة، وصدر الصَّحيفة، وصدر المجلس، وظهر الأرض، ورجل الكرسي، ورجل الطَّاولة، وكبد الحقيقة، ويد الإبريق..إلخ. ومن جسم الحيوان: ذيل الفستان، وذيل الصفحة، وجناح الطَّائرة.. إلخ. ومن النَّبات: شجرة النّسب، فرع العائلة، جذور القضية، ثمَّرة البحث..إلخ.
وذكر “أولمان” نوعًا آخر من الاستعارة يعتمد على التَّشابه في الشُّعور نحو جانبي الاستعارة، وفي نوع الإحساس بها، أكثر من اعتماده على التَّشابه في الصِّفات؛ ومن الأمثلة على ذلك قولهم: تحية عاطرة، واستقبال بارد، ولون دافئ، وصوت حلو، يقول: “فهنا يوجد الإحساس بأنَّ هناك تشابهًا بين الدِّفء ولون معين من الألوان، وتشابهًا بين المذاق الحلو والصِّفات الجميلة للصوت”.
ومن الاستعارات الشَّائعة استخدام الكلمات ذات المعاني الماديَّة المحسوسة للدلالة على المعاني المجرَّدة، كما في قولهم: جَسَّمَ المشكلة، وعَقَّدَ المسألة، ورَكَّزَ الفكرة. والاستعارة أسلوب مهمٌّ من أساليب العرب في الكلام، وقد حفل القرآن الكريم وكلام العرب- شعرًا ونثرًا- بالاستعارة وبغيرها من ألوان المجاز، وعلى وفق أساليبهم تلك نزل القرآن الكريم؛ وفي ذلك يقول ابن قتيبة (ت: 276): “وللعرب المجازات في الكلام، ومعناها: طرق القول ومآخذه، ففيها: الاستعارة والتَّمثيل والقلب، والتَّقديم والتَّأخير.. وبكلِّ هذه المذاهب نزل القرآن”.
انتقال مجال الدِّلالة لغير علاقة المشابهة بين المدلولين:
وهو (المجاز المرسل)؛ وقد سمّي هذا المجاز مرسلاً لإطلاقه من قيد المشابهة؛فمن ذلك كلمة (bureau: مكتب) الَّتي سبقت الإشارة إليها وكيف تطوّرت دلالتها لتدلَّ على المصلحة الحكوميَّة، أو المكان الَّذي تدار منه الأعمال،فهنا لا توجد علاقة مشابهة بين المدلولين، ولكن بينهما علاقة من نوع آخر هي العلاقة المكانيَّة فالمكتب أو الطَّاولة يوضع عادة في الأماكن الَّتي تدار منها الأعمال، فالفكرتان مرتبطتان مع بعضهما في ذهن المتكلِّم، أو هما تنتميان إلى مجالٍ عقلي واحد.
ويرى (ج. فندريس) أنَّ انتقال الدِّلالة من مجال إلى مجال آخر يكون عندما يتعادل المعنيان القديم والجديد للكلمة الواحدة، كما يرى أنَّ تعميم المعنى أو تخصيصه إنَّما ينشأ من الانتقال غالبًا، فيقول: “وهناك انتقال عندما يتعادل المعنيان أو إذا كانا لا يختلفان من جهة العموم والخصوص، كما في حالة انتقال الكلمة من المحال إلى الحال أو من السَّبب إلى المسبب، أو من العلامة الدَّالة إلى الشَّيء المدلول عليه إلخ، أو العكس، ولسنا في حاجة إلى القول بأنَّ الاتِّساع والتَّضييق ينشآن من الانتقال في أغلب الأحيان، وأنَّ انتقال المعنى يتضمن طرائق شتَّى يطلق عليها النُّحاة أسماء اصطلاحيَّة: الاستعارة، إطلاق بعض على الكلِّ، أو المجاز المرسل بوجه عامٍّ، أو المجاز المرسل بعلاقة الشَّبه أو غيره عند عدم وجود اسم للشيء المنقول إليه”.
فالفرق بين مظهر الانتقال ومظهري التَّعميم والتَّخصيص هو أنَّ المعنى في هذين المظهرين أوسع أو أضيق من المعنى القديم، أمَّا في مظهر الانتقال فالمعنيان القديم والجديد متساويان، ومعنى هذا أنَّ كلَّ أنواع المجاز الَّتي يتساوى فيها الطَّرفان ( المنقول منه والمنقول له) تندرج ضمن هذا النَّوع المسمَّى بنقل الدِّلالة، أو تغيير مجال الاستعمال، وقد ذهب بعض الباحثين المحدثين إلى أنَّ الفرق بين مظهر الانتقال والمظهرين الآخرين من مظاهر التَّطوّر الدِّلاليِّ يتمثَّل في أنَّ هذين المظهرين يتّمان عادة بصورة غير شعوريَّة،
أمَّا هذا المظهر أي (الانتقال) فإنَّه يتمُّ بصورة قصدية لغرض أدبي غالبًا. والحقيقة أنَّ نقل المعنى كثيرًا ما يتمُّ لغير داعٍ إبداعي أو أدبي كالحاجة مثلاً، فقد ينقل المتكلِّمون اللَّفظ من مجالـه المألوف إلى مجال آخر غير مألوف؛ “حين تعوزهم الحاجة في التَّعبير، وتتزاحم المعاني في أذهانهم أو التَّجارب في حياتهم، ثمَّ لا يسعفهم ما ادخروه من ألفاظ، وما تعلَّموه من كلمات، فهنا قد يلجئون إلى تلك الذَّخيرة اللَّفظيَّة المألوفة، مستعينين بها على التَّعبير عن تجاربهم الجديدة لأدنى ملابسة أو مشابهة أو علاقة بين القديم والجديد”.
ويلحظ علم اللُّغة الحديث أن ظاهرة انتقال الدِّلالة تبرهن على وجود بعض الفصائل المعنويَّة من المفردات الَّتي تختلط فيها بسهولة النَّسب الكامنة بين الأجناس والأنواع، وأنَّ انتقال المعنى يكثر بسبب التَّجاور بين المعاني، ويفسِّر هذه الظاهرة بأنَّ كلَّ كلمة من كلمات الفصيلة المعنويَّة لها مضمون خاصّ وتدلُّ على شيء خاصٍّ” ولكنَّها أمام العقل تشترك جميعًا في انتسابها إلى مجموعة عامَّة، ولمَّا كانت فكرة العموم تطغى على المعاني الخاصَّة، فقد يحدث للعقل أنْ ينتقل من أحد المعاني إلى الآخر، وهذه الظَّاهرة تقع بصورة خاصَّة في أسماء النبات والحيوان وأسماء أجزاء الجسم والأمراض والألوان”.
وقد اهتمَّ اللُّغويون الأوائل كثيرًا بمظهر انتقال الدِّلالة، وأولوه عناية خاصَّة، وأفاضوا في الحديث عنه عند دراستهم للحقيقة والمجاز، وفي ذلك يقول ابن جنِّي (ت: 392ـ): “الحقيقة: ما أقرَّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللُّغة، والمجاز: ما كان بضدِّ ذلك، وإنَّما يقع المجاز، ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة، وهي: الاتِّساع، والتَّوكيد، والتَّشبيه”؛ فالاتِّساع في التَّعبير غاية من غايات النَّقل الدِّلاليِّ.
ملفينا توفيق ابومراد
لبنان
25/6/2023
جزء من المعلومات من غوغل
تابع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى