اللغة العربية الجزء العاشر بعد اﻻسلام //للكاتبة ملفينا ابومراد
اللغة العربية :الجزء العاشر
الفصل الثاني بعد الاسلام
…إنَّ أشهر ما حدث من التَّنوعات في الألفاظ العربيَّة في العصر الإسلامي المصطلحاتُ الدِّينيَّة والشَّرعيَّة والفقهيَّة واللُّغويَّة، كانت موجودة قبل الإسلام ولكنَّها كانت تدلُّ على معانٍ أخرى، فتحوَّلت ل ما يقاربها من المعاني الجديدة، فلفظ “المؤمن” مثلًا كان معروفًا في الجاهليَّة ولكنَّه كان يدلُّ عندهم على الأمان أو الإيمان وهو التَّصديق، فأصبح بعد الإسلام يدلُّ على المؤمن وهو غير الكافر، وله في الشَّريعة شروط معينة لم تكن من قبل، وممَّا حدث من المصطلحات الشَّرعيَّة الصَّلاة وأصلها في العربيَّة الدُّعاء، وكذلك الرُّكوع والسُّجود والحجّ والزَّكاة والنِّكاح فقد كان لهذه الألفاظ وأشباهها معانٍ تبدَّلت بالإسلام وتنوَّعت. من الاصطلاحات الفقهيَّة، كالإيلاء والظِّهار والعدّة والحضانة والنَّفقة والإعتاق والاستيلاء والتَّعزير واللَّقيط والآبق والوديعة والعارِيَّة والشّفعة والمناسخة والفرائض والقسامة وغيرها.
إنَّ أسباب تغيّر المعنى كثيرة ومتنوعة، قد تستعصي على الحصر، وقد ذكر بعض علماء الدِّلالة المعاصرين أكثر من واحد وثلاثين سببًا لتغيّر المعنى؛ حيث إنَّ عملية تغيّر المعنى مسألة صعبة ومعقَّدة، وبعضها فريد في نوعه، وعلى الرَّغم من ذلك يمكن استنباط عدَّة أسباب مهمَّة لتغيّر المعاني، وهذه الأسباب لغويَّة وتاريخيَّة ونفسيَّة، ومنها التَّأثير الأجنبي والحاجة إلى تعابير جديدة و اسماء جديدة . وثمَّة أسباب وعوامل أخرى أحصاها المحدثون تؤدِّي إلى التَّغيّر اللُّغويّ؛ ومن أهمِّ تلك الأسباب والعوامل: توظيف بعض الكلمات في معان معينة، وإبهام معنى الكلمة، والتَّغيّر الصَّوتيُّ، والعبارة الموجزة، والاستعمال المتداول، وانحدار معنى الكلمة.
رأى بعض الباحثين المعاصرين أنَّ الكثير من حالات التَّغيّر والتَّحوّل الدِّلاليِّ إنَّما هي نتيجة لسبل عديدة لا يسهل حصرها لتشعبها ولغرابتها كذلك؛ ولذا فمن الصَّعب أنْ نتحدَّث عن القوانين الدِّلاليَّة بالدقَّة العلميَّة لكلمة “قانون.
من خلال استقراء التَّغيّرات الَّتي تطرأ على معاني الكلمات في اللُّغات المختلفة، استطاع علماء اللُّغة المعاصرون أنْ يحصروا تغيّر المعنى في مظاهر رئيسة تصدق على اللُّغات جميعًا، وبحسب تقسيم منطقي اتَّبعوه وجدوا أنَّ المعنى القديم للكلمة: إمَّا أنْ يكون أوسع من المعنى الجديد، أو أضيق منه، أو مساويًا له؛ وبذلك نجد أنَّ أهمَّ مظاهر التَّطوّر الدِّلاليِّ الَّتي تصيب الألفاظ ثلاثة، هي: تخصيص دلالة الكلمة، أو تعميم دلالتها، أو تغيير مجال استعمالها.
الإسلام والتّغيَّر اللُّغويّ
إنَّ العلاقة بين الإسلام والتّغيَّر اللُّغويّ علاقة وثيقة ومهمَّة؛ وهذا له انعكاسات مهمَّة في الدِّلالة (المعنى) ممَّا جعل العلماء- قديمًا وحديثًا- يهتمون بهذه المباحث؛ يقول الدُّكتور/ محمود فهمي حجازي: “لقد كان الاهتمام بالقضايا الدِّلاليَّة فى إطار الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة كبيرًا، شغلت به عدَّة بيئات لأسباب متنوعة؛ فاللُّغويّون من أصحاب المعاجم اهتموا بالدِّلالة فى إطار تحديدهم لدلالة الألفاظ، والبلاغيون شغلوا بقضية الحقيقة والمجاز، والأصوليون شغلوا بقضية الدلالة فى مقدِّمات كتب على أصول الفقه فى إطار تعرّفهم على الدلالة في اللغة وسيلةً لفهم واستخراج الأحكام”.
ومن أهمِّ العوامل الَّتي تؤدِّي إلى تطوّر اللُّغة الحاجة إلى كلمة جديدة تعبّر عن معنى جديد لم يكن معروفًا من قبل. قال العسكري (ت: 395): “وقد حدثت في الإسلام معان وسمِّيت بأسماء كانت في الجاهليَّة لمعان أخر؛ فأول ذلك القرآن والسورة والآية والَّتيمم”.
وسُمِّيت هذه الأسماء الَّتي استحدثها القرآن: اسما إسلاميا، قال السُّيوطي (ت: 911): “إنَّ لفظ (الجاهلية) اسم حدث في الإسلام للزمن الَّذي كان قبل البعثة. والمنافق اسم إسلامي لم يعرف في الجاهليَّة“. وقد قرَّر ابن فارس (329– 941/ 395ـ- 1004) أن ألفاظا نقلت من مواضع إلى أخرى، وبدأ يمثِّل لهذه الألفاظ، فقال: “فكان مما جاء في الإسلام ذكر المؤمن والمسلم والكافر والمنافق وغيرها من الكلمات”.
من هنا ندرك أنَّ الإسلام أثَّر في اللُّغة تأثيرًا كبيرًا كان تابعًا لتأثيره في العادات والآداب والاعتقادات. ويدخل في ذلك ما طرأ على اللُّغة من الاصطلاحات الدِّينيَّة والفقهيَّة واللُّغويَّة والأدبيَّة، وما دخلها من الألفاظ؛ فتأثير العلوم الإسلاميَّة على اللُّغة يكاد يكون محصورًا في تنويع الألفاظ العربيَّة وتغيير معانيها للتعبير عمَّا أحدثه الإسلام من المعاني الجديدة، بلا إدخال ألفاظ أعجميَّة إلا نادرًا.
لتّغيرات اللُّغويَّة مسجَّلة في مصدري التَّشريع الإسلامي؛ وهما القرآن الكريم، وكذلك الأحاديث النَّبويَّة الَّتي تعجُّ بكثير من التَّراكيب المستجدَّة الخاصَّة بالإسلام، مثل: أهل الذّمَّة، يوم القيامة، أطولهنَّ يدًا، وغيرها من التَّراكيب البديعة.
(علاقة الألفاظ الإسلاميَّة بالتَّغيّر الدِّلاليّ)
حدَّد الرَّازي أقسام الرَّصيد اللُّغويّ للعربيَّة، فحصره إلى ألفاظ:
1) إمَّا قديمة موروثة بألفاظها ودلالاتها، وهذا يقابل ما يسمِّيه المحدثون بـ(الشِّطر المستمر من الدِّلالات).
2) وإمَّا ألفاظ قديمة منحت دلالات جديدة بعد مجيء الإسلام؛ أي أنَّها أصابها التَّطوّر الدِّلاليُّ فَعُمِّم معناها أو خُصِّص أو نُقِل إلى معنى آخر، وكانت من قبل مستعملة في دلالات أخرى.
3) وإمَّا ألفاظ جديدة في صيغها ودلالاتها، وهي من البنية الصَّرفيَّة العربيَّة نزل بها القرآن أو دلَّ عليها الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ولم تكن تعرفها العرب قبل ذلك.
4) وإمَّا ألفاظ أعجميَّة اقترضتها العرب من لغات الأمم الأخرى وعربتها؛ أي أنَّها صاغتها على أبنيتها وأنشأتها على أوزانها فأصبحت من نسيج العربيَّة ولم تعد تمتُّ إلى أصولها القديمة بسبب.
5) ينجم عن استعمال اللُّغة وتداولها، أنْ تضاف دلالات جديدة إلى ألفاظ قديمة نتيجة سوء الفهم مثلاً، أو أنْ تبلى ألفاظ أخرى فيصيبها بعض التَّغيّر في الصُّورة يجعلها تشابه ألفاظًا أخرى فتدخل معها في دلالتها، فتختلط الدِّلالتان (الاشتراك اللَّفظي).
ويعرض الرَّازي بعض الكلمات العربيَّة المتطوّرة دلاليًّا في حركة متَّصلة، ويمثّل لها بما يرتبط بالاشتقاق، سواء منه القريب أو ما يأتي بأساليب أخرى، تغني فيها اللَّفظة بالمشابهة وبطريقة استعمالها، فربَّما دعي الشَّيء باسم لا يُعْرَفُ اشتقاقه من أي اسم هو، وربَّما دُعِيَ باسم “اشتقّ من معنى تقدّمه، قد فسَّر العلماء اشتقاقه والمراد فيه، كقولك: (آدم)، قالوا: سمّي بذلك، لأنَّه أخذ من أديم الأرض، و(الإنس)، قالوا: سمّي بذلك لظهورهم، ويقال: آنست الشَّيء. إذا أبصرته، و (الجنّ)، قالوا: سُمَّي بذلك لاستخفائهم، يقال: “اجتنَّ إذا استخفى”.
من الدلالات اقتراض بعض الكلمات الَّتي لا توجد في لغتهم من لغات أخرى واستعمالها، فاللُّغات يستعير بعضها من بعض، وهذا قانون عام في جميع اللُّغات، وهو أيضًا سبب من أسباب تغيّر المعنى.
ملفينا توفيق ابومراد
لبنان
2023/6/20
تابع
جزء من المعلومات من غوغل