النثر

اللّوحة السّابعة بقلم سارة اومايمة.

اللّوحة السّابعة
بقلم سارة اومايمة
ـــــــ

في كل مرّةٍ ترسمني فيها بريشتك من خلال لوحة جديدة، ترسم تفاصيل وجهي الذي اقتحمك؛ رسمٌ متناهي الدقة، لدرجة أجدني فيها منغمسة في تمعّن تفاصيل غريبة لم أنتبه إليها من قبل. لوحةٌ أجد فيها تفاصيلي بكل دقة، وأي دقة هي تلك، ريشة الفنان! ومع كل ذلك فإني لازلت لا أعرف أهي حقا دقة أم ربما هي شيء آخر.
يَغيظني أنّكَ في نهاية رسم ملامحي تلوّن اللّوحة بأكملها باللون الرمادي! اللون الذي أكرهه؛ فتَغرُب كليًّا ملامحي في سريالية الرمادي. أهو ٱستفزاز؟ أم هو عقاب؟ أو لربما هي جسارة فنّان في نزاله ضدّ الألوان؟
الرمادي لون الحياد بامتياز، فعندما تصمت صمت الخائف الوجل فأنت رمادي، وعندما تأخذ “اللاموقف” فأنت رمادي، وعندما تبقى في المنتصف حتى يُحسم الموقف فتأخذ صف الفئة الغالبة فأنت رمادي… أما أنا فبكل براح صاحبة المواقف الواضحة: إما أبيض وإما أسود، فلا أطيق مزيجهما مهما كان برّاقا، بل وإني أعتبره كذلك لون العقاب! وأنا، وعلى الرغم من كلّ أخطائي، لا أستحق كل هذا العقاب، خصوصا بعد تحملي طمس كل هذه اللوحات…
في لعبة الألوان جعلتني رماديًا غامقًا، مع أني أحب اللون الأحمر؛ ذاك الأحمر حمرة الدم القاني الذي يُضخّ ضخّا في الشريان، ليمدّ بالحياة روحَ الإنسان. أما في لعبة الشِّعر، كنت سأقرض الشِّعر فيك هجاءً عند شروق الشمس وعند مغيبها، وأمام نِزال الحروف والألوان هذا، كنت سأعلن الأبيض اليَقَق سجالاً بيننا، تخط أنت فيه بريشتك وأكتب فيه أنا بقلمي، فإما أن أُهزم وتنتصر، أو أَنتصر فتهزم! لكنني حين تمعنت تفاصيل الريشة والحرف، وجدتهما أبناء عمومة، وما كان لأبناء العمومة خوض هذا السجال؛ فما كان إذن لريشة الفنان أن تهزم حرف الشاعر، وما كان لحرف الشاعر أن يطفئ وهج ريشة الفنان.
في النهاية، وأمام هذه اللّوحة السّابعة التي تلونها هي الأخرى باللون الرمادي، فإني أَقبلها ككل مرّة قبول المضطر؛ ولكن هذه المرة لن أعلقها على حائطي، بل سأعلقها على أحد الجدران الخلفية المنسية من الذاكرة، حيث الذكريات المهملة لا تفيق أبدا من سباتها العميق، تماما كما وضعت تلك اللوحة البكماء التي لم تكلمني منذ سنة. على جدار الذاكرة، هذه هي اللوحة الأخيرة بالنسبة لي، لأنني بكل مهابة امرأة لا تعترف بالأرقام فوق السّبعة.

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى