المدرسة الجزائرية إلى أين ؟بقلم الشاعرة : فتيحة برابح
المدرسة الجزائرية إلى أين ؟
خبر عاجل “تلميذ بمتوسطة عماري السعيد بولاية باتنة يطعن أستاذته ريحانة بن شية بخنجر في الظهر “هكذا تسابقت و تسارعت وسائل الإعلام لنشر خبر الحادث المأساوي دون التحرك لتنوير عامة الناس بأهمية المعلم مربي الأجيال و الدعوة لاحترامه باعتباره صاحب رسالة سامية فهو الذي قال فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم) و في كل أمثاله : ” العلماء ورثة الأنبياء ” .
للأسف الشديد إن التعليم في بلادنا قد ضُرِبت مبادئه عرض الحائط و صدق من قال : ” إذا أردت تحطيم أمة عليك بتهديم التعليم ” .
إن ما يعيشه مجتمعنا من انحلال خلقي انعكس سلبا على المدرسة بدءا من الإبتدائي و المتوسط فالثانوي ثم الجامعي ، و هنا لا بد من أن نتساءل لماذا أصبحت المدرسة وكرا للإرهاب و العنف ؟ و من المسؤول عن ذلك؟ و أين هو دور الأسرة ؟ و أين هو دور المصلحين و رجال الدين ؟ أو ين هو دور الإعلام ؟
إن المدرسة هي الأم الثانية التي يتعلم فيها الطفل القراءة و الكتابة و الأخلاق و المبادئ و العلم و المعارف و فيها يتعرف على معنى الهوية و كيف يحافظ عليها و كيف يكون شخصا سويا نافعا لنفسه و لأسرته و وطنه ، هذه الأهداف يدركها المعلم و يسعى جاهدا لتحقيقها، لكنه يجد صعوبات تعرقل مهمته ، فالأسرة (و هي البيت الأول للطفل) لم تعد قادرة على تقديم الرعاية الكاملة، فهي توفر له المأكل و المشرب و المأوى لكنها عاجزة عن تربيته على المبادئ السامية كالصدق و الاحترام و المحبة و الأخوة و العمل الجماعي و عدم الغش و الحقد … و بكل سهوله تزوده بهاتف ذكي ليقضي جلّ وقته في الألعاب الالكترونية و في الدردشة عبر وسائل التواصل الاجتماعي مما أثر سلبا على حياته و جعله أسير الشاشات ، و ما إن ينتقل للمدرسة يصطدم مع معلم يشرح له معنى الاحترام و التقدير وحب الخير ، و المثابرة و الاجتهاد و يقدم له نصائح عن الأمانة و الصبر و عدم الغش فلا يتقبلها فيثور في وجه معلمه رافعا صوته و ((إن أنكر الأصوات لصوت الحمير))، و يأتي بِوَلِي أمره شاكيا باكيا كي يسانده و يقول لمعلمه لا شأن لك بولدي ، و هكذا يزيد الولد تفرعنا و ينقل العدوى إلى بقية زملائه و يقف المعلم حائرا متسائلا عن قيمته التي ضاعت و عن كيفية معالجة الداء الذي تفشى في المدرسة ، و رغم ذلك يصر على الكفاح لأن رسالته تتطلب ذلك و في غفلة منه يُقذَف بقارورة مادة كمياوية يفقد فيها بصره أو لكمة تسقطه أرضا أو بطعنه خنجر تودي بحياته ، فتتسارع وسائل الإعلام لنشر الخبر متجاهلة البحث عن الأسباب و تقديم الحلول لإصلاح منظومة تربوية أرهقت عقول المتعلمين ببرامج كثيفة و مواد عديدة قُزِمت فيها التربية الإسلامية ، ضف إلى ذلك فقدان المساجد لدورها التربوي الذي دافع عنه الإمام عبد الحميد رائد النهضة الفكرية الرجل المصلح حيث سخر قلمه لمحاربة الجهل و نشر العلم و القضاء على الأمية فأين أئمتنا اليوم و أين دورهم في إصلاح النشء ؟ نحن لا نحتاج إلى خُطب تتحدث عن التعدد الزوجي و المرأة الناشزة و المتنمصة بقدر ما نحتاج إلى دروس تنشر القيم و المبادئ السامية و إصلاح الفساد الذي عشعش في الأسر ، و ما قضية العنف المدرسي إلا واحدة من القضايا المأساوية التي يعاني منها المجتمع …
يجب أن يدرك الجميع أن الإهانة التي يتعرض لها المعلم هي السبب في فساد المجتمع ، لأن المعلم هو من يغرس القيم النبيلة في ذهنية الطفل فكيف يحترم الطفل معلمه و قد شاهد في التلفاز حصة ترفيهية تسخر من المعلم و الأخبار الرئيسة تُشهر بمرتبه و بزيادة شحيحة و حدث و لا حرج عن فيديوهات في وسائل التواصل الاجتماعي تنال من دور المعلم و فيها نكت مضحكة عن حياة باني الحضارات ..
لن تستقيم المدرسة و لن يستقيم المجتمع و لن ترتقي الأمة إلا إذا أعيدت للمعلم مكانته التي يستحقها و يُفرض احترامه فرضا ، فمقياس تقدم الأمم يكون بمقياس تقديرها لمعلميها و ما تسطره من برامج نافعة يحفظ فيها الدين و التاريخ و الموروث الثقافي كغذاء روحي و عقلي لكل أمة قوية لا تهزها عواصف التقليد الأعمى و لا ينال منها جشع الطغاة .
بقلم الشاعرة الأستاذة : فتيحة برابح (عطر التراب ) من الجزائر