إشراقات أدبية

المهاجر بقلم طلعت كنعان

المهاجر
‏‎نقصت الحروف وهاجرت، حاملة معها ذكريات صامتة وحزينة ،قفزت من مطار لمطار ،تبحث عن عش ترى به ألوان السعادة .
‏‎وأي سعادة؟
‏‎المهاجر الشريد لا تعرف له دولة ،ولا رصيفا يضمد عليه جراحه ويجفف دموعه ،سوى صالات الانتظار وسلة المهملات ، وأصوات المارة العائدين إلى ديارهم .
‏‎ لم يبق من النهار سوى بقايانا أو ما تبقى منا ،لا فرق بين الثواني والساعات، فالعمر ماض دون عتاب أو آهات والأغاني تنصلت من الموسيقى، فلم تعد سوى كلمات باهتة لا تعرف معناها .
تماما كأي كتاب لأحمق مجنون كتبه قبل أن يقتله إعصار تفكيره .
‏‎الطفولة لم تعد طفولة، والشباب ولى ،ولعبة العودة لم تعد سوى تاريخ محفور بذاكرة بدأت تفقد حجمها وذاكرتها .
نعم. تاريخ قصير يطل خلف الشبابيك المفتوحة بصالة الذكريات دون أن نراه ،فقد اختفت صفحاته وبقي كلمات معلقة على أحبال مقطعة.
هل نحن الشاهد على بقايانا؟
وهل نحن من أقسم أن لا يعي ما يعنيه مرور الزمن أمام أعيننا , حاملا معه ما تبقى من الحلم، وأشلاء من الأوراق التي كتبناها صغارا، حين كان للأمل حروف دون نقاط.
وحتى علامات الاستفهام لم تكن موجودة بقواميسنا .
كانت الشمس بالنسبة لنا هي الشمس الأبدية ،والقمر هو ابتهاج الروح ودعابة النفس أمام قسوة الحياة.
اليوم لم نعد نتذكر المرة الأولى التي غزانا بها الشيب ، حاملا معه سيف الكبر ليغرسه بأجسادنا.
فلم تعد أحاديث الشباب تأكل معنا، وتشرب الشاي، وتدخن عشرات السجائر.
بل أصبحت الأوجاع والشكاوي هي حديثنا ،ومقطع يوميات تتكرر، وكأنها جاءت لتبقى رفيقة العمر وما تبقى من أيامنا الغابرة.
اليوم أتذكر من رحلوا وأبتسم ،فلم يعد للوجع موقع أتقاسم وإياه المكان والزمان، فقد رحلوا إلى مكان أفضل من الغربة ،التي هي وصمة الصمت والحنين لكل مهاجر.
لا أحد يدري ما تمر به أجسادنا من هوان دون وطن، وطن مسلوب على سيوف الغدر وصفحات التاريخ المزور
لا أدري من هاجر أولا
نحن أم الوطن؟

طلعت كنعان
دفاتر قديمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى