امرأةٌ ، بنكهة الماغنوليا “لميــــاء بودوخـــة”
قصتي بعنوان _امرأةٌ ، بنكهة الماغنوليا _
من مجموعتي القصصية القصيرة ، بقايا الظل
اتّسعت حدقتا عينيها ، حين رأت ظلّ طيفه من شرفتها المطلّة على شارع الزقاق قادما كعادته صباح كلّ يوم ، متأبطاً رزمة اوراق وبضعة كتب يبدو عليها ظاهرا عبق عقودٍ من الزمن ..
يقطع شارع الزقاق المكتظ باجسادٍ ينهشها الكدّ والارق ، بخطواته المتثاقلة كأنها تدك اسفين الصمت والغموض ، او لعلها تثاقلت كصدره المغلق على اسراره وخفاياه ..
ما اثار انتباهها واحتلّ حيزا واسعا من تفكيرها ، وزاد من حيرتها وتساؤلاتها ، ذلك الحزن العميق في عينيه ، ووحدته كأنه في عالم لوحده ، يتخطى مسافات وجودٍ لا احد فيه سواه …
اعتادت تناول قهوتها الصباحية وهي تجلس متكورة في كرسيها الارجوحة المقعرة ، كأنها تحشر جسدها الساحر القوام بين ثناياه ..تحاكي ازهارها المتعددة الالوان والاشكال والانواع ، ينبعث منها اريج يعبق المكان بعطوره التي تبعث فيها الشعور بالحياة ..
تظللها اوراق شجرة اللبلاب المتسلقة الزاهية الخضرة ..
زهرة الماغنوليا … الاقرب الى قلبها وروحها ن ترى فيها نفسها .. تتلمس رقة اوراقها الزيتية الصقيلة الناعمة كوجنتيها ، ولين ملمسها .. براءتها .. بهاءها وسحر رونقها ..
كأنها تحاكيها وتبثّها مشاعرها وخفايا صمتها ، ونبضات قلبها ..
صوتٌ موسيقى فيروزية الروح تراود اسماعها من داخل غرفتها الارجوانية الالوان ، تترجم شجنها ورقيق احساسها ..
كلّ ما حولها ، وما تعيشه ، اعتادت ان تختاره بعناية ، بذوق رفيع يشكّل لوحة هادئة الالوان كروحها التوّاقة للسكون ، والسلام ..
كلّ شيء كان جزءاً منها ، والاقرب لشغفها ..
كان لطعم القهوة صباح هذا اليوم مذاقٌ غير ما اعتادته .. نكهة لم تعهدها من قبل ..
للمرة الاولى التقت عينيها بعينيه .. لحظات توقف فيها الزمن .. وتوقفت عن الدوران عقارب الوقت .. الاّ نبضات قلبها التي تسارعت في ايسر صدرها ..
لحظات ليس لها موقع في حسابات الزمن ، غير انها احدثت انقلابا زلزل كيانها ، بصمت ……
لم يقل ، ولم تقل ..
لم ينبسا ببنت شفة ، غير ما تبادلته النظرات الخجلى التي اختزلت لغات الكون ، وكلّ ما تحويه الكتب من كلمات ..
شيء ما .. او شعور ما .. سحرٌ يُحسُّ ولا يقال ..
صخبٌ بدّد صمت الروح بصمتٍ اشدّ صخبا وعمقا وغموضا ..
للمرة الاولى تتعثّر خطاه .. تسّاقط كتبه ،، وتتبعثر اوراقه كأن مسّاً اصابه ..
لملم بارتباكٍ واضحٍ بعض اوراقه وغفل عن بعضها ، وحمل كتبه دون ان يعي قوة الزلزال الذي هزّ عالمه .. زلزال تخطّى كلّ مقاييس الطبيعة ونواميسها …
امتدت خطواته لتكمل مشواره اليومي المعتاد .. تتبعه نظراتها حتى غيّبته عن عينيها المنعطفات ..
لم تلبث حتى هرعت تحثّ خطاها خارج شقتها ، لتلملم ما غفل عن جمعه من بقايا اوراقه التي تناثرت حين قدر ..
ثم عادت لمقعدها بعد ان اعدّت كوبا آخر من القهوة ..
صففت الاوراق بعنايةٍ ودقّة ، وفق تواتر الجمل والتراكيب والكلمات ..
ما لبثت ان تسمّرت في مقعدها ، وتسارع خفق قلبها الذي يكاد ان يفر من صدرها وعلت وجنتيها حمرة زهرة اللوتس الممتزجة بلون نقائها الابيض ..
في اعلى الصفحة الاولى … ( امرأة .. بنكهة الماغنوليا ) …
قصة حب لم تبدأ فصولها بعد …..!!!!!
القاصّـــة
لميــــاء بودوخـــة
شاعرة الهضاب