إشراقات أدبيةالقصة

(انستازيا واوهام الاساطير…) بقلم الكتابة / مروه الصماد

(انستازيا واوهام الاساطير…)
بقلم / مروه الصماد

جلست ( انستازيا) امام المدفأة في ليله من ليالي طوبه القارصه البرودة وهى مطلقة نظراتها إلى جدتها منتظرة بشغف أمتع وأحلى القصص وأروعها على الإطلاق ،سعيدة تارة ومتشوِّقة تارة أخرى. فَاغِرةً فاها أحياناً وأحياناً تغرق في التركيز مع صوت جدتها الخافت الضعيف الذي نسج الزمن خيوطه بقسوه عليها مُربكاً مخارج ألفاظها إرباكاً يجعل ( انستازيا ) تزيد من تركيزها اكثر لتفهم ماتقوله الجده الحبيبه .
ولأن لتلك القصص أصل قديم ، ولأن اصل الحكايه يكمن في رؤيتنا نحن لها ،
ولأن مايروى لنا يجوز أن يكون غير حقيقي فلقد كانت ( انستازيا ) مستعده لسماع القصص فهي تُذكِّر نفسها على الدوام ان الجزء الأكبر من حكايات جدتها الممتعه قد تكون غريبه ، لاسيما ان الجده قد سمعتها بدورها هي الأخرى من ( إدريس ) مُزارع حديقتهم قديماً وزوجته التي لم تكن تَكُف عن رواية ابشع القصص ذات النهايات المُروِّعه المفزعه …
ولأن الصغيره ( انستازيا ) بطبيعتها كانت تُجِل الجَده كل الإجلال وتُوقِرها كل التوقير فكان لزاماً عليها التصديق في كثيرٍ من الأحيان ، ولكن ! لا مانع من إطلاق عبارات الخوف والدهشه الذي يفرضه صِغَر سنها مثل : ( ياجدتي هل هذا حدث فعلاً )؟ ( اصدقيني القول ) .. .
فما يكون من الجده الَّا ان تنهرها مهددة بعدم إكمال القصه .فتصمت (انستازيا ) لتنتظر المزيد…
جدتي..
ياجدتي..
. نعم يا صغيرتي…
من هي ( بابا يوغا ) ؟
فيرتعش صوت الجده خوفاً تحاول اخفاؤه لتقول : انها ساحره شريره تقطن الغابات وتقتل كل من يطلب منها المساعده وتعيش في منزل ضخم بدون أبواب وتستخدم مِكنسه عملاقه في الانتقال والطيران .
تلتفت ( انستازيا ) حولها في خوفٍ لا تريد إظهاره وهي هامسة بصوتٍ تكاد تسمعه الجَده حكى لي ( رودس ) خادمنا ياجدتي بأن هناك دميه تُدعى ( اوكيكو) كانت لدى فتاة وقد تعلقت بها كثيراً وبعد فترة ماتت تلك الفتاة لسبب ما ،فقرر اهلها الإحتفاظ بدميتها على سبيل الذكرى وبمرور الوقت أخذوا يلاحظون ان الدُميه وكانت صاحبة شعر قصير الا انهم لاحظوا نمواً عجيباً اذهلهم حتى صار جدائل وكلما قصوا شعرها عاود النمو ، فاستشاروا أحد الكهنه حول الدميه فأخبرهم ان رُوح ابنتهم قد حلَّت في الدميه فقدموا اهل الفتاه الدميه قربان لأحد المعابد وهي معروضه حتى اليوم هناك.
وهنا صمتت ( انستازيا ) منتظره رد الجده الذي بدا على قسمات وجهها الويل والوعيد لهذا الخادم الذي حكى أكثر الحكايات رعباً للفتاه المسكينه ( انستازيا )..
وقالت : لا ياطفلتي هذه مجرد حكايات قديمه وبالتأكيد هي من نسج خيال البشر .
حسناً ،ماقولك أيضاً ياجدتي في الحصان الطيَّار؟
فقالت الجده : ياجميلتي ، خلق الله مخلوقاته مختلفه بينهم من يزحف ومنهم من يسبح وآخرون يطيرون ولكني لم اسمع قبلاً عن هذا الحصان الطيَّار ..!
وهنا قاطعتها ( انستازيا ) لا ياجدتي علمت من ( رودس ) ايضاً ان الحصان ( بيجاسوس) له أجنحة وهو لطيف ولايؤذي أحداً ويساعد المحتاج ، فقالت الجده: مادام لا يؤذي أحداً اذاً اهلاً به .
ها ياانستازيا ماذا لديك ايضاً؟؟!
فأردفت ( انستازيا ) متحمسة وهي الطفله المليئة بالذكاء والحيوية: ( يوناكون) وهو ثور يمتلك قدرات الخيل ياجدتي ولايؤذي البشر وهو قوي للغاية ويقضي على جميع الحيوانات المفترسة ويضع قانون للغابه لايُحيد عنها أحد ويقضي على الظلم بقتلِه للظالم بضربةٍ قويةٍ على أمِ رأسه فيُرديه صريعا.
بعدها أطلقت ( انستازيا ) صيحة إعجاب قائله واووووووو ما اجمل هذا اليوناكون !
ابتسمت الجده ابتسامه مليئه بالحنو والعطف نحو ( انستازيا ) البريئه وأخذتها بين ذراعيها وقالت لها : اسمعيني جيداً يا صغيرتي لعلّك تفهمين ،، مابين ولادتنا وموتنا تكمن حياه وهبهاالله لنا بعد ما خلق النفس والبسها حُلية الجسد ونفخ فيها النفخه الرحمانية وسخر الكون لنا ومنحنا كل ما فيه طواعيه في حبٍ وسلام..
ولأن الشيطان سيظل العدو الأول لنا فهو يقف مستعداً لأن يدخل قلبك اذا فتحتِ له الباب إختياراً .
وتذكري دوماً ….
ان أخطر ما يهدد حريتنا ليس السجن او القيود بل الخوف والقلق واعلمي كل العلم ان العَالَم لن تقوم له قائمه اذا لم يُعبد الله حق عبادته .
يا ( انستازيا ) ان أسوء شيئ قد نقع فيه صغيرتي هو ان يستحوذ علينا أي شئ ويملكنا ،لاسيما واننا خُلقنا لكي نملك أنفسنا ومشاعرنا .
حبيبتي الغاليه:
اننا لا نحتاج إلى ثور قوى يقضي على الحيوانات المفترسه فهي دورة الحياه الطبيعيه وهي من خلق الله فكلٌ له دور لبقاء الحياه واستمرار دورتها، فقط نحتاج إلى قلب واعي وضمير يقظ ، لمحاولة تحقيق العداله وليس إلى حصان طيَّار ،،،فقط يا ابنتي ضمير !
ياآنستي الصغيره لااحتاج ان اذكرك اننا لسنا في زمن السَّحره كما ان المِكنسه لاتطير بل نستخدمها فقط في إزالة ماعلق بمنزلنا من اتربه ونوافذنا من غبار .
وان الغابه لا توجد بها سوى أشجار سامقة وحيوانات وزواحف وبحيرات صغيره.
وان الدُمى صغيرتي الذكيه لا تتكلم وان الروح بيدِ الله وعندما ترجع الروح إلى بارئها وتصعد لخالقها لاتدخل في دُمى او تُقدَّم قرابين إلى معابد….
كوني يقظه ابنتي فليس كل مايُحكى لنا أو نقرأه هو حقيقه ، علينا أن نسمع ونقرأ بحذر فما أكثر ما يُدَس لنا من سموم يراد بها هلاكنا وذهاب عقولنا..
علينا أن نتعلم ونعقل مانقرأه وإعلمي انه اذا نزل الكافر والمؤمن إلى البحر لا ينجو الا من تعلَّم السباحه .
اذاً علينا أن نكون مستعدين دوماً لخوض معارك كثيره الإعمال فيها للعقل..وهذا مايميزنا عن الحصان والساحره وحتى الثور ( يوناكون).

(انستازيا ) ..أجد سعادتي في التحدث معك حفيدتي ،وعندما تكبرين اوصيك بالتحدث انتِ ايضاً إلى ابنائك وأحفادك ،فما أشد إحتياجنا للحديث لإبطال مفعول سحر هاجم أجسادنا فأمرضها و استوطن عقولنا فأصابها بالصدأ
وأصاب قلوبنا فأغشاها بوشاح أسود اللون، باهت الملامح ، عَفِن الرائحه .
كوني دائماً انستازيا برَّاقه بيضاء، كوني ايقونة التسامح ، ومفردات الجمال ، وآلهة الحب ومعنى السلام .
وأخيراً كوني أنتِ كما انتِ بشخصك وطبعك .
اقتبسي من الشمس ضياءها ومن القمر بهاءه ومن طفولتك البراءة والصفاء . إحتفظي حبيبتي بملامحك ولا تدعي الزمن يُغيّر قسمات وجهك ،
إن أغلق الحظ باب إفتحي له نافذه وإن أغلق نافذه حطمي الجدار وأخرجي..
انتهت الجده من الحديث لتطبع حفيدتها قُبله حانيه على وجنتيها وتغط بعدها في نومٍ عميق تستدعي فيه الجده ( الخادم رودس) لنقل انستازيا إلى غرفتها وهي بالطبع لم تكن لتنسى أن تلومه بل وتعنفه على قصة الدُميه ( اوكيكو ) وبشاعة روايته لها التي لا أخفيكم سراً ان الجده شعرت بالخوف منها ايضاً.

والى اللقاء

المحرر الصحفي: عوض خلف عوض

مراسل صحفي في صحيفة نحو الشروق مدير في شركة سياحية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى