بحث عن علاقة قبيلة بني مروان مع العثمانيين (مقتطفات من تاريخ تهامة باليمن ) إعداد : محمود محمد غالب – اليمن
بحث من سلسلة أبحاث عن أحداث تاريخية في المخلاف السليماني
بعنوان : بحث عن علاقة قبيلة بني مروان مع العثمانيين (مقتطفات من تاريخ تهامة باليمن )
إعداد :
محمود محمد غالب – اليمن
غالبا ما تكون العديد من الاحداث التاريخية يدور حولها الجدل والاختلاف من مؤرخ الى آخر ، لذلك نجد العديد من الاختلافات حول العديد من الاحداث التاريخية ، ولكن نحن ومن خلال هذا المقال وبعد مشقة في البحث وعناء التنقل من مكان الى آخر في بلاد بني مروان استطعنا ان نجمع المعلومات من ابناء المنطقة الذين عاصر اجدادهم هذه الاحداث وكانوا خير شاهد على ذلك . وسنتناول خلال هذا المقال جانب مهم في المخلاف السليماني وهو علاقة قبيلة بني مروان بالعثمانيين ، التي لم تنل حقها في كتب ومراجع التاريخ .
فمنذ دخول العثمانيين الى اليمن وتهامة عام ١٨٧١م كان لقبيلة بني مروان موقفا من هذا التمدد العثماني في تهامة ، فقد جابهت قبيلة بني مروان التمدد العثماني رغم محاولة العثمانيين بسط نفوذهم على المناطق التهامية وبالتحديد المخلاف السليماني حتى خروجهم من اليمن عام ١٩١١م .
فبعد ان دخلت معظم القبائل في تهامة مع الدولة العثمانية وبايعت الخليفة العثماني لما كان يظهر في مشروع دولته القائم على الشريعة الاسلامية وهو ما يحلم بها الكثير من المسلمين ، وقد تأثر ابناء تهامة بهذا المشروع كغيرهم من العرب والمسلمين الا ان استبداد العثمانيين وظلمهم وكذلك تركيعهم للقبائل بقوة السلاح ، الامر الذي جعل هذه القبائل تثور في وجه الدولة العثمانية بعد ان طفح الكيل بهم ، وبذلك اعلنت العديد من القبائل مجابهة العثمانيين ، ومن هذه القبائل قبيلة بني مروان ، وقد اصطدمت بني مروان في عدة حروب مع الدولة العثمانية في بلاد بني مروان وذلك نظرا للممارسات التي يرتكبها الجيش العثماني في المنطقة من فرض اتاوات ومضاعفتها على القبائل واستعبادهم وسلب ممتلكاتهم بحجة دعم السلطان والدولة العلية ، فقامت المقاومة المروانية بالعديد من التقطعات والغزوات للجيش العثماني بداية بعهد الشيخ حسن بن محمد بن بكري المرواني ، ثم من خلفه في قيادة بني مروان الشيخ عبدالله بن حسين بن بكري المرواني الملقب (بالحاج) ومنذ تسلمه قيادة بني مروان أعلن مقاومة العثمانيين والتمرد عليهم فقامت العديد من الغزوات والتقطعات للأتراك في عهده وهو ما جعل بني مروان خطر عليهم , وذلك عند مرور اي قافلة للدولة العثمانية فأنهم يتقطعون لها وينهبونها كاملة ويقتلون افراد الجيش العثماني في القافلة ، واعتمدت بني مروان على الكمائن والاغارات المباغتة على حاميات العثمانيين في ميدي وحرض ، فأقلقت بني مروان سكينة العثمانيين في عدد من المواقع التي يتمركزون فيها وفي خطوط سيرهم ، وذلك لأن أصحاب الارض هم ادرى بشعابها وطرقها فكان بني مروان الساحل من آل عتين وعاتي يعملون الكمائن في ميدي وما حولها او ما يسمى بالخبت او الخبوت وصولا الى حيران ، واهل الفج من آل بكري وأبوعبدل والدواكلة وغيرهم من بني مروان كانوا يعملون الكمائن لهم في الفج والمير وما حولها ، وبني المعوز والعديد من بني مروان في جهة حيران هم كذلك قد باغتو العثمانيين في عدة مواقع ونكلوا بهم وسلبوهم.
وجميع هذه الاحداث تعد إعلان صريح وتحدي من بني مروان بالثورة على العثمانيين ، ونتيجة لذلك فقد اضمر العثمانيين الشر لبني مروان وحاولوا تركيعهم إلا أن بني مروان قبيلة محاربة ولم ترضخ لتسلط الاتراك . وفي ظل هذه الاحداث أعلنت العديد من القبائل في تهامة التمرد على العثمانيين ، عندها عزمت العثمانيين على اخماد تمرد القبائل التهامية ، وكانت قبيلة بني مروان من أولى تلك القبائل التي ينوي الاتراك تركيعها وشن الحرب عليها ، فجهز العثمانيين جيشا كبيرا من تهامة ، وسار بإتجاه بني مروان من جهة حيران ، وهناك حدثت المعركة الشهيرة المسماة “حرب العوجاء” او كما يسميها بني مروان ” دخلة العوجاء” واطلق عليها بعض المؤرخين “حرب الشعاب” نسبة للشعاب و التي يذكر المؤرخون انه راح ضحيتها 400 جندي تركي (1) (2) ، وقد دارت احداث الحرب فيها وذلك في عام 1298هجرية الموافق 1881م والبعض يقول 1303 هجرية الموافق 1886م ، حيث قام (محمد بك) احد قادة الاتراك في تهامة بتسيير جيش كبير لغزو بني مروان ، لغرض اخضاعها للحكم العثماني ، فتقدم الاتراك باتجاه حيران وبالتحديد قرية “العوجا” واشتبكت قبائل بني مروان في حيران بقيادة الشيخ أحمد بن علي المعوز المرواني (الملقب بالهجام ) مع الجيش العثماني وقاتل أهل حيران بكل شجاعة واستبسال ، ولم يستسلم الشيخ المعوز المرواني ، رغم ضعف ما يملكون من عتاد ، فتقدمت قبائل بني مروان لمواجهة العثمانيين بعد ان أعلن شيخ شمل بني مروان عبدالله بن حسين بن بكري المرواني (الملقب بالحاج) النكف القبلي ، وقد لبت بني مروان داعي النكف للحرب ، فتقدم اهل الفج وعلى راسهم الشيخ بن بكري ، واهل الشعاب وعلى رأسهم الشيخ أحمد علي عجار المرواني ، واهل حرض على رأس الشيخ المحجب ، وبني الحداد الموصوفون بالشجاعة والشدة في الحرب على راس مشائخهم ، واهل الخبت على رأس العتيني والعاتي ، واتجه الجيش المرواني صوب حيران وحول العوجاء حمي الوطيس وصار القتل والضرب من كل جانب ، وقد فر الجيش العثماني متحصنا بالشعاب وبالأشجار الكثيفة القريبة من تلك المنطقة ولكن بني مروان اطبقت عليهم الحصار من جميع النواحي وقتلت الكثير من الجيش العثماني إلا من هرب منهم ، ويقال ان القائد العثماني ( محمد بك) فر هاربا ونجى من القتل مع عد د بسيط من جنوده ، وبذلك انتصرت بني مروان انتصارا ساحقا على العثمانيين وغنمت عتادهم ، وقد قتل العديد من بني مروان في هذه الحرب و أشهرهم العكش حنتر ، والشيخ أحمد علي عجار المرواني وكذلك أحد أولاد الشيخ بن بكري ويسمى حسن ، ويقال أنهم قتلوا عندما اقتحموا خيمة قائد الجيش التركي في عملية أشبه بالفدائية رحمهم الله .
وبعد هذه الهزيمة التي مني بها الجيش العثماني في بلاد بني مروان اضطر العثمانيين للصلح والتهدئة مع بني مروان ليتم الاتفاق في عام 1888م بإنشاء متصرفية للزكاة خاصة ببني مروان ونقلها من أبو عريش الى حرض .
ويقول العمودي في [ تاريخ اللامع ] :”وفي هذا الزمن تسبب التجهيز من الدولة لأحمد باشا هو ما أحدثه بنو مروان من التعدي على اليمن ” …. إلى أن قال : ” وبقي الحال بحاله إلى سنة خمس من القرن الرابع عشر في إقامة أحمد توفيق وانتقل بالهيئة من أبي عريش إلى جازان لتعصب القبائل وحولوا القضاء به ، وبذلك انقطعت ولاية الدولة الأتراك من أبي عريش ونواحيه “(3) ، وفعلاً كانت تلك هي السنة التي تملكت فيها بنو مروان قضاء أبي عريش وهي ما يوافق سنة 1888م، وكان مركز تلك المتصرفية المروانية هو حرض ، وكان ذلك لضمان الأمن والسلامة من التعديات المروانية(4 ) . والتي لم تدم طويلا في حرض حيث نقلت المتصرفية في عهد شيخ شمل بني مروان عبدالله بن يحيى بن بكري المرواني من مدينة حرض الى منطقة فج حرض بعد ان بنى العثمانيين حصن للشيخ بن بكري والذي لايزال الى يومنا هذا في قرية الخفر من منطقة فج حرض .
وبعد اعلان الدولة الادريسية عام 1908م ( 5) في المخلاف السليماني دخلت بني مروان فصلا آخر من فصول العلاقات مع العثمانيين ولكن هذه المرة تحت لواء السيد الادريسي الذي خاض العديد من النزاعات مع العثمانيين واهمها “الحفائر” التي اشتهرت بها الدولة الادريسية مع العثمانيين ، وكذلك هجوم اللحية او ما يسمى حرب وادي مور التي حدثت عام 1911م ، حيث شاركت بني مروان في حرب الادريسي على العثمانيين في اللحية ووادي مور في عهد شيخ شمل بني مروان محمد بن حسن بن بكري المرواني الذي جهز جيش بقيادة ابن عمه الشيخ احمد بن عبدالله بن بكري المرواني بعد ان طلب منه السيد الادريسي امداده بالمقاتلين ، وايضا ذكر انه كان من ضمن قادة الجيش المرواني الشيخ محمد المعوز المرواني المشهور بشجاعته وجسارته في مواجهة الأتراك .
ولهذه الحرب جهز السيد الادريسي جيش قوامه اربعة الآلاف جندي ، على رأسه الشريف منصور بن حمود ، والشيخ احمد بن عبدالله بن بكري ، وكانت وجهتهم الى العطن (محل ماء أهل اللحية ) لغرض محاصرة الأتراك فيها ، وتم لهم ذلك ولكن الاتراك استطاعوا ان يأتون بالماء من خارج المنطقة بتكاليف باهظة وقاوموا الحصار ، فقامت الحرب بين الطرفين ، ويقال قتل من الطرفين 15 رجلا ( 5) . وقد قتل في هذه الحرب الشيخ احمد بن عبدالله بن بكري المرواني رحمه الله ، الذي وصف بشجاعته ، ومما ذكر عنه انه اثناء اشتداد الحرب ربط قدميه حتى لا يتزحزح شبرا عن مكانه في خضم المعركة حتى قتل . وفي هذه الحرب في بادئ الامر كانت الغلبة للجيش الادريسي ولكن نتيجة لتفوق الاتراك بما يملكونه من سلاح وعتاد أدى ذلك الى هزيمة الجيش الادريسي
الهامش:
قبيلة بني مروان : هي مجموعة قبائل تمتد مساكنها حاليا من منطقة جيزان بالمملكة العربية السعودية إلى منطقة حيران بالجمهورية اليمنية .
المخلاف السليماني :تشير هذه التسمية قديما الى المنطقة الممتدة من الحديدة باليمن وحتى الليث في السعودية شمالا وهو عبارة عن أحد المخاليف القديمة في فترة حكم الحكامية للمنطقة من ( 350هـ) إلى ( 943هـ)
المصادر :
(1) نجدة فتحي ، الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية ، ص133.
(2) حمد بن يحيى زبارة ،أئمة اليمن بالقرن الرابع عشر الهجري ،ص39.
(3) عبدالله بن علي العمودي، تاريخ اللامع بتحقيق عبدالله أبو داهش، ج2 ،ص 306.
(4) عبدالودود مقشر، حركات المقاومة في تهامة ص56.
(5) محمد احمد عكام الهادي ، الصراع الادريسي العثماني قبل الحرب العالمية الاولى (1914- 1918) ، مجلة جامعة الحضارة ، العدد 1 ،ص80-82