بدون اسم.. للكاتب مصطفى نمر
بدون أســم
– الهدوء يغلف المكان ، المياه الساكنة تتحرك كل حين وحين اشعر أحيانا بإضطراب وأحيانا سكون كامل لا اذكر بالضبط متى وعيت وبدأت اشعر بالحركة الغذاء يأتي بدون مجهود ، والتسريبات تذهب من غير عناء والجو لطيف ، أحيانا اعمد لعمل بعض الاكروبات قتلا للملل الموجود وعمل بعض الفقاعات الهادئه فى الماء ، او سماع بعض الاصوات خلف الجدران المحيطة بى ،بصوره عامه الجو مريح.
-بدأ المكان يضيق ويتقزم او الطبيعة التي اخلفت الوعد وبدأت فى انضاج جسدى الصغير بدأت أرى يدي وقدمي وأجزاء أخرى من جسدي الجو أصبح خانقا ومتعب والحركة أصبحت بصعوبة وبالاصطدام بالجدران المرنه التى تحوط المكان ولكنها سرعان ما ترتد مره أخرى لتضيق مره أخرى.
-لاحل سوى الخروج كل أجزاء جسدي تطالب بالخروج …. وبدون اراده منى رأيتنى انقلب رأس على عقب وبدأ الماء فى الانحسار ورأسى دخل فى انبوب ضيق ويزداد ضيقا .. اشعر بأصوات أكثر وضوحا عما كانت ولكن الأهم انفاسى أصبحت ضيقه ولا استطيع التنفس … متى ينتهي هذا العذاب ؟؟
– الانبوب الضيق بدأ يدفعني للخارج وايادى تشبه يدى ولكنها اكبر حجما عملاقة تسحبنى للخارج وتسحب .. هناك ماء داخل صدري يمنع الهواء عنى …. اغلقت عيناى بقوة ما هذا الضوء الذى سطع لا استطيع الابصار اريد هواء اشعر بالاختناق … متى تنتهى هذه الرحلة… اليد العملاقه سحبتنى بكل قوتها على وضعي رأسا على عقب وبدأت اشعر بالهواء يحيط جسدى انه مغاير لحركه الماء استطيع تحريك يدي بسهوله وبسرعة و…
-بدأت اشعر بلسعات على ظهرى انه ليس ظهري أنها منطقه نصفى من الخلف خرج الماء من صدري ولكن اللسع مستمر … بدأت عينى فى افراز سائل مائى وبدأت اصرخ واصرخ حتى توقف اللسع على منتصفى … اننى ابكي الآن من الذى اخرجنى لهذا الاستقبال المؤلم أين الهدوء والراحة؟؟؟
-أريد الراحة من عناء الرحلة … من هؤلاء العملاقة انها ليست اليد فقط اياد تحملنى واياد تضعنى الحركات أصبحت اكثر عنفا وفجائية وهاهى يد اخرى استقر عليها تدخلني في المياه مره أخرى وتدثرنى بماده بيضاء انها خشنه تجرح جسدى … الاستقرار اخيرا …. ماهذا انى ممد على شئ صلب ها .. ماذا تفعل اليد … تسحب القماشة البيضاء المتصلة ببعضها وتأتى بأشياء صغيره احسها ممتلئة تتضعها على منتصفى من الأمام والخلف… وأصوات شد وجذب… ماهذا الذي أرى اشياء عملاقة تقترب ويأتى هواء من ناحيتها انها تقترب وتلمس وجهى بصوت تسء تسء تسء اننى ابكى وهم يضحكون ماهذا ….؟
الأصوات أوضح ألان … أصوات ناعمة ؟؟
– والنبى ياختى حته من ابوه؟
– ليه هو ابوه قمر كده دا طالع لأمه..
احاول التكلم وافهمهم انى لا اعرفهم وانى اتيت بالخطأ عند الاب والام … من هؤلاء؟؟؟ ولكن صوتى ليس مثلهم انه بكاء .
– شوفي كده أديله الدندوه الواد جعان.
– تضعني اليد وتضمني حتى تكاد انفاسى تختنق … وتخرج شيئا كبيرا يغطى وجهي وتضع شيئا مدبب فى فمى وتضغط .. ويخرج سائل لزج ولكنه لذيذ استطعمه وتظل تضغط ويأتى السائل أكثر الى فمي والى داخلي.. اه بدأت اشعر بالهدوء الان … تغمض عيناى لأعود لهدوء ما قبل الرحلة و……خخخخ.
– صاح بأعلى صوته “الهدوم المكوية فين ياهانم عايز الحق الشغل هتأخر”
– ردت عليه زوجته ذات الأربعون ربيعا ” حالا هجيبهالك من الدولاب”
– صاح مره ثانيه حتى كادت حنجرته تنخلع من مكانها ” هو انتى لسه مجبتيهاش”
– أجابت ” جايه خلاص ، امال لو مكانش عيد ميلادك النهارده كنت هتعمل ايه فينا”
– اجابها بصوت اهدئ ” انتى عارفه انا محبش اليوم ده بحس ان عمرى بيجرى على الفاضى وانا معملتش حاجه”
– احتوته فى حضنها وقالت ” متقولش كده انت احسن من غيرك عندك بيت واولاد وحسك فى الدنيا”
-غمغم قائلا ” اللى باقى مش كتير نصف العمر عدى من فترة ”
– ارتدى ملابسه على عجل حتى يوفر الوقت ويتمشى الى العمل بدلا من ركوب المواصلات..
حياها وقبلها على وجنتيها وقال ” صحى الاولاد عشان يشوفوا مصالحهم اللى على الشغل واللى على الجامعة”.
– نزل من منزله فى ذلك الشارع الهادئ من شوارع التحرير ذاهبا الى الميدان ومن ثم التمشية على الكورنيش حتى العمل.
– انسابت الافكار داخل عقله بلا ترتيب فها هو يتذكر والدايه وايامه الاولى ودراسته والجيران وصحبه الاهل والاصحاب ، وحبيبته التى تربى معها وتزوجها وميلاد الاولاد امام ناظريه وتربيتهم وكم قاسى فى ذلك وانغمس فى حياته حتى نسى نفسه وطموحاته .
– هو الان فى عنفوان الشباب والصحة والقوه على الرغم من بلوغه الخامسه واربعون فى صحة يحسده عليها اصدقائه ولكنها ليست له بل تبذل من اجل الاخرين .
– لم يحصل على الوظيفه التى تمناها ولم يسكن المكان الذى تمناه بل الاصح لم يعش الحياة وانهارت احلامه التى كان يرسمها فى ايام طفولته و الجامعة ايضا ، عاش كالاخرين فى قطار الحياة المنطلق والذي لا يتوقف لحظة ليسمح له بالتقاط أنفاسه ، السعي الدائم والحركة الدءوب وإلا ستسقط من حسابات الحياة فها هو من مكان لأخر ومن عمل لأخر ومن مشكلة لأخرى وفى كل واحدة يسقط جزء منه داخلها ويتلاشى تدريجيا دوامات لاحصر لها.
– اليوم عيد ميلاده فقط هو اليوم الذى يشعر فيه بكل المشاعر السلبيه فقد سقطت سنه من سنين عمره المكرره ، لاجديد. فقط الحمد لله على الصحه والعمل ثم دوامه ثم دوامات .
– الهدوء يغلف المكان هذا الصباح منهك القوى كالعادة ، حاول تذكر اى شئ لم ينجح فقط ابتسم ، لم يزره احد من فتره لايعرف بالضبط كم مر عليه من وقت ، انتشله دخول الممرضة أطمئنت على الاجهزه المرتبطة بجسده وبلهجتها الاليه ألقت الكلام المعتاد وخرجت.
– مر يومه المكرر دون حدوث شئ يذكر فقط الملل يزداد الحركة أصبحت اكثر صعوبة وكذلك دخول وخروج أنفاسه ، لايتذكر متى دخل المستشفي فجأة سقط فى الشارع مغشيا عليه واستيقظ هنا …اخبروه هم بذلك اما هو فلا يعلم متى استعاد وعيه تماما.
-شعور بالوحدة والانهاك سيطر عليه أجهزة جسده قلما تستجيب اليه ، تخرج خارج سيطرته تدريجيا.
الغذاء يأتي من أنبوب موصل لحلقه من جهاز معد لذلك ، والحفاضات معده لاستقبال التسريبات لاحل سوى الخروج ،روحه ونفسه تشتاق لذلك وتطلب ذلك ،الدنيا على اتساعها ضاقت عليه بل هى تلفظه لفظا.
-ها قد مر العمر المكرر سريعا ويستعد الان الى الرحيل دون ان يترك اثر يذكر ، صور مشوشه تمر اما عينه فالاولاد كل فى حياته والزوجه لاتقدر على المجئ فهى طريحه الفراش والعمل انتهى والامال انتهت ولم يبقى له شئ فى الدنيا الا ذلك النفس الداخل والخارج من صدره ليدل فقط انه على قيد الحياه لاشئ فى الدنيا متمسك به ولاهو متمسك بأى شئ ، لحظه وداع ايضا يودع بها نفسه كما هو حاله عندما ودع الراحلون جميعا.
عندما حانت ساعته شعر بذلك ، لم يقاوم بل ابتسم ، شعور بالراحة بدأ ينتشر بروحه ، وخدر بدأ يسرى فى انحاء جسده ، اغمض عينيه واستسلم لخروج الروح منه.
– حملته الايادى ودثرته بالقماش الابيض مره أخرى ومدد على الأرض الصلبة وذهب إلى ماقبل رحلة المجئ وحيدا.
تمت
#مصطفى_نمر