بروتريه عن الشاعرة “عبلة لفتاحة” بقلم: “بولمدايس عبد المالك”
بروتريه عن الشاعرة الجزائرية عبلة لفتاحة ملكة الإحساس و سفيرة الإعلام
الكاتب بولمدايس عبد المالك
1. في خضم المعركة و من عين العاصفة و على تراتيل أحمال ثقال تنوء بحملها الجبال تطلق ملكة الإحساس عبلة لفتاحة نذرها الجازم القاطع الذي لا تراجع فيه و لا إخلاف جاعلة من روحها سراجَ ضوء يسير على هدي أنواره السّائرون والمدلجون و الحالمون و القانطون .. كم هي موجعة وخرزات الآلام الحادة ..كم هي قاسية و شديدة أمواج الدموع العاتية و هي تؤزّ جدر الدفاعات الأولى لكتيبة العنفوان المقاتلة الثابتة .. تحدّ في أعلى درجات الخطر.. صراع في أوجّ عطاءاته.. عذابات تمثّلت في أرواح آهات متقرّحة الجروح .. زفرات مخنوقة حبائل أصواتها تئن بحشرجات مكبوتة ..جسد مهزوز من شدة عواصف الريح الغاضبة .. تحرّقات صبر بين مطرقة انتظار يائس و سندان انتحارشاخص .. ذلك مشهد عابر في سلسلة كفاح بطولي مستمّر … تطلق صرختها و تعلن للوجود بصيغة الـ نحن كدليل على حضور الأنا و كبريائه و نرجسيته ..
” نتحدى غصات الوجع
نصارع عنفوان الدّمع
ويحَ قلبي،،
خُنقتْ تلابيبه
فأصبح الجسد هشًا واهنًا
بين عذاب الآهات
حرقة الصبر
و الانتظار أو الانتحار”
2. ياسمينة الإحساس جعلت من الإنسان محور صراعها الأبدي و أعدّت لذلك من العدّة و العتاد ما يعينها على خوض معامع طاحنة ضروس ، حامية الوطيس في ظل عالم أناني مصلحيّ لسان حاله جعجعة مطحنة و لا دقيق ..جعلت من المحبّة الإنسانية شغفها الثائر ..تنظر يعيني زرقاء اليمامة و تحلّق بأجنحة حمائم السلام البيضاء .. حنان دفّاق كشلاّل حالم يحيي وصال ذلك الليلي الملاح ..أشرعتها ابتسامات عابرة لقارات النفوس الخجلة تربت بأيادي العناق على شفاه متشققة من آثار الصرخات و الآهات .. بين أصابعها تداعب قيثارة تصدر ألحان سيمفونية السلام لتراقص وجد الإنسانية البائس المؤرق ..
” ما بيننا شغفٌ ثائرْ
نظرةٌ تعانق الروح
لمسة حنانٍ تحييِ الوصال
ابتسامةُ خجلٍ تعانق الشفاه
و لحنًا يراقصُ الوجدَ طربًا”
أشياء لا تعدّ و لا تحصى تربطها بأخيها الإنسان أوّلها حبّ له مفتوحة أشرعته و آخرها موت فيه و فناء ..
“ما بيننا أشياءٌ كثيرة
أولها أحبك
وآخرها لا حياة لي من دونك”
3. و تتعالى الآهات بين مدّ و جزر لتبلغ مستويات متقدّة من خوفها الشّديد و قلقها المحتدم حين تلتفت إلى أشباح الحنين المنهكة القوى ، الشاحبة اللون ، المغمورة العينين ..عندما تنظر بعين المحبة و السلام إلى مشية الاشتياق المتعثرة العرجاء و قد راعها وعكاته الشديدة المقعدة و هو يتسكّع بين أزقة الليل الحالكة السواد ، المعتمة القسمات و العفراء الملامح..
” آآه،، كم أرتجف خوفًا
من أشباح الحنين المنهكة
و ترعبني وعكاتُ الإشتياق
وتفاصيل اللّيل الحالكة الهالكة ”
و تحت وطأة الفاجعة تتذكّر حال المرأة “حواء” و غربتها و شدّة معاناتها و قد عاث شتاء أهوج قاس بعواصفه المتلاحقة بين جنبات روحها الحالمة العاشقة ..تتذكّر أنوثتها و قد عربد فيها العابثون فسادا و خرابا ؛ فانزوت وحيدة على لحن بارد جليدي تراقص أنفاس أرق أبى إلاّ أن ينام تلك الليلة بجانبها مداعبا أوتار حنين لفحته سياط جليد غاضب و صقيع بارد …و هي هي .. السيّدة الرزان و ملكة الإحساس .
وأنا سيدة،،
تعربدَ الشِّتاء في داخلي
مثيرًا عاصفة الشوق
أنثى ،،
على وترِ الجليد
أراقص أنفاس الأرق
أداعب صقيع الحنين الأحمق
و لا تستفيق إلاّ على ضوضاء صخب الألم الرابض ليستحيل الصباح إلى ألم لا رحمة فيه ، خانقا حلمها الوليد ، ليضيق بها المدى الرحب فتضيق آمالها و تنحصر أكثر و تنزوي في نقطة ضيّقة منه .
وعلى ضوضاء الأنين
إستفاق ألمي
فضاق المدى وخنق حلمي
4. “عبلة ” الإحساس تؤثر الانسحاب البطيء ..تلك السيدة.. الحالمة ..الإنسانة .. تعلن صرختها الموءودة البئيسة لتشهر سيفها المتعب على دقات طبول وجع أحمق كاسد قطّع أوصال أطرافها و أفرغها من شحنات إنسانيتها و ما تبقى من أنفاس أحلامها ليغدو كلّ عضو منها يتمزّق على مرآى من الإنسانية في مشهد تراجيدي كئيب ..حين يستسلم البطل لقدره المر الحزين تدخل الإنسانية في فوضى خلاّقة تجعل منها مأدبة للوحوش الجائعة و الطيور الكاسرة ..
” متعبةٌ أنا بالقدرِ الكافي
والوجعُ الأحمقُ
يبتزُّ أطرافي
لا يمكنني أن أحتوي شيئًا
وكل مافيَّا
يتمزق شيئًا فشيئًا ”
5. حتّى الكلمات و الحروف طفقت تهرب من أبجدية لغتها التعبيرية ..فلا لبوح طاوعها و ألقى حباله و قال هيت لك ..و لا التّعبير حنّ و رقّ لحالها فآنس وحشتها و خفّف من آلامها .. و ها هي “عبلة ” الإحساس ..الإنسانة ترزح تحت أثقال قلبها المرزوء الموتور و أقدام وجع هدّ جسدها المتعب الواهن مبتزّا آخر ما تبقى في كنانته من محبّة واشتياق و أمل ..
” عاجزة عن التعبير
عن البَوح
بِـ ثُقل يحتل قلبي
و وجع يبتز جسدي”
6. بحرقة شديدة و لوعة متقرّحة تطلق آهاتها لترتّل آخر أمانيها و تحت مسوح الآهات المسترسلة تحفر رغبتها الملحّة .. أمنيتها الوحيدة أن تهدأ براكين آهات الحزن المرتسمة على صفحات شفاهها الذابلة .. أن تسكن و لو لحين أنّات تناهيد حسرة مثقلة أرخت سدولها الليلية و أردفت أعجاز همومها و ناءت بكلاكل أحزانها لتعيد ملحمة امرئ القيس و لكن ببطلة جديدة واعدة و ديكور عصري حديث ..
” آآه،،،
كم أشتهي
أن تهدأ آه.._الحزن ،،
على شفاهي
أن تستكين ،،
تناهيد الحسرة
في صدري ”
7. قوّة المرأة و ضعفها في عاطفتها فالتناقض خصيصة من أوكد خصائصها ؛فقد يظنّ قليل الخبرة بأنّ المرأة ستستسلم بسهولة و تنهار بسرعة إذا ما حوصرت و لفت رقبتها حبال الهزائم و الخسارة ..
تلك حيلة مؤقتة عابرة ؛ فسرعان ما تنتفض و تنتصر لهزائمها لتحلّق بعيدا بهمّة عالية و نفس متجددة كنسر كاسرعصيّ لا يرتضي بغير القمم وطنا له و مرتعا .. فبخطى الواثق و على درب البطولة تعلن للوجود سرّ عودتها و مفتاح ثباتها و حدّة عزمها و إصرارها الحديديّ الناري وها هي تتلو تراتيلها من على منبر الإنسانية في مشهد مشهود :
” لولا هدوئي لن يكون للإحساس معنى ..
ولولا حناني لن يكون للمشاعر دفء يستثنى..
ولولا إحساسي لن يكون للقلب نبضا يتغنى ..
ولولا إيماني ما استمرت الحياة ”
رباعية كاسحة لا قبل للجبال الراسيات من صدّ جيوشها الزاحفة و ثني سيرها الحثيث ..هدوء تدثّر بشالات الإحساس الجياش المرهف .. وحنان دفاق كشلالات هادرة تمدّ النفوس بالدفء ..إحساس ممتدّ حبله روح أنثى يداعب نبض قلب حيّ يتغنّى بالفضيلة و الإنسانية .. و أخيرا إيمان راسخ ثابت لا يتبدّل ..يسير مع الحياة سيرا مضطردا لا نكوص فيه و لا تردّد.. مبادئ إنسانية خالدة تجمع و لا تفرّق ..تبني و لا تهدّم ..تبشّر و لا تنفر ..تحبّ و لا تكره ..تعطي و لا تأخذ ..في ظل سلام إنساني أبدي .
الجزائر في 27.01.2021
بولمدايس عبد المالك ..