بلا قلب بقلم الشاعر عادل خروف
بلا قلب
على عتبة بابك وقفت انتظر، ارتقب طلتك وابتسامتك الجميلة وبريق عينيك لما ترينني وانت تجتازين عتبة الباب.
تلك الابتسامة التي احب ان ابدأ بها صباحي، هي قهوتي،سيجارتي، لولاها ما طلعت الشمس ولما كان الصباح.
حفظت تفاصيل باب بيتكم، زخارفه، الوانه وحتى صريره لما يفتح، اجل ذلك الصوت هو قصيدة شعرية، هو سنفونية، كيف لا وهو يبشر بقدوم اعز الناس.
وجدتني لم آلف الا الباب بل الاشجار،الجدران، الجيران وكل المارين من هناك؛ فتلك العجوز الساكنة بجانبكم، تخرج كل صباح حاملة قفتها، مطأطأة الرأس لا تنظر يمينا ولا شمالا، اضنها رغم تقدمها في السن لا زالت تعمل لإطعام أبنائها الذين تركتهم خلفها نائمين، ليت انحناءة ظهرها شفعت لها عندهم وجعلت قلبهم تحن وتلين ليقولوا لها: يكفي اماه، ارتاحي ودعينا نحمل عنك هذا العبء الثقيل لعلنا نرد لك الجميل.
الفت مشهد الزوجين اللذان يتشاجران ودوما على عجل، يحملان رضيعهما الذي اصبح الان طفلا يحمل حقيبة الظهر ويجري معهما.
الفت ذلك الشاب الوسيم والذي يخرج دوما للركض في نفس التوقيت، كنت اغار منه فهو صاحب جسم رشيق وانا مكور كالبالون.
كما الفت عمال النظافة وحيويتهم، يحملون القمامة، ينظفون المكان بسرعة البرق وباحترافية ثم يختفون.
كنت هناك اراقب الناس يعبرون ولا احد يلتفت الي وكانني غير موجود ام تراني قطعة ديكور تزين الشارع؟
الا هذا اليوم ، بدا لي كل شيء مختلف، فالشمس أبت ان تطلع والعتمة خيمت على كل شيء فاختفت الالوان وبات كل شيء اسود، تلك العجوز رفعت راسها وسلمت ودعت لي، الزوجين مع ابنهما لم يتشاجرا وبدو هادئين وابتسموا لي، الشاب الرياضي توقف عن الركض وحياني، عمال النظافة عبروا الشارع بصمت ونظراتهم لم تفارقني، كل هذا وباب حبيببتي لم يفتح ولم اسمع موسيقته المعتادة، انتابني حزن عميق، ارتميت على الارض وبكيت بحرقة على باب لم يفتح ولن يفتح، فالان فقط تذكرت آخر مرة فتح الباب على مصرعيه وشممت رائحة الكافور بدل عطر الياسمين الذي تتعطر به حبيبتي، وخرجت هي وجسدها عار وبارد كالثلج محمولة على الاكتاف، فصحت فيهم: الى اين؟ توقفو، توقفو، اين تذهبون بقلبي؟بالله عليكم ردو لي قلبي.
لكن دون جدوى، لم يلتفتو لي واكملوا المسير ودسوا قلبي تحت التراب، من يومها اجد نفسي كل صباح على عتبة بابها حيث تركت قلبي آخر مرة.
عادل خروف.