تتلاشي الْبِنْت فِى الظَّلَام بقلم: الأدبية عبير صفوت
مَسْرَحِيَّة قَصِيرَة
نحن دائما معك
بِقَلَم الأدَبِيَّة عبيرصفوت
الشُّخُوص
عَلَى وَاجَهَه الْمَسْرَح جُثَّة رَجُلٌ مُلْتَفَّة بِالْبَيَاض
شَابٌّ مُتَوَسِّطٌ الْعُمْر
بِنْتُ عَشْرِ سَنَوَاتٍ
أَم تَلَبَّس الْأَبْيَض
يَقِف الِابْن ، يصّدر نَظَرَات الرثاء لِنَفْسِه ، يَنْظُر نَحْو الْجُثَّة الْمُلْقَاة إمَامِه يُحْدِثُهَا بِحُزْن :
أَبِي ، تعاود بِأَقْوَال السُّوء مُنْذ ظَهِيرَة الأمْس وَأَنَا أُخَالِفَك بالمعني وَأَصَرّ بِالوُضوح ، كَم احببتك ؟ !
كَم أَضَفْت انتَ لِحَيَاتِي ؟ !
كَمْ كَانَتْ ؟ ! العوائل تتنكر لشملنا ولحب كُلًّا مِنَّا لِلْآخَرِ ، كَيْف لَك أَنْ تَقُولَ ؟ !
أَنَّنَا غَيْر جديرين بحبك ، أُمِّي تَحَبَّك وَأَخِي رُبَّمَا يتهضدك ، إنَّمَا اعْلَمْ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي مَازَال لَا يُدْرَكُ مَعْنِيٌّ الْأَشْيَاء ، مَازَال يُحِبُّك أَعْلَم أَنَّنَا مَعَك .
يَخْطُو عِدَّة خُطُوَات ، حَتَّى يَكَادَ يَنْظُر بِعُيون أَبِيه قَائِلًا بتحدي وَقُوَّة :
مَهْمَا حَدَث نَحْن ، نَحْن مَعَك .
يَذْهَب عِنْد بُورُه مِنْ النُّورِ تَخُصُّه وَحْدَه فِى جَوّ مُظْلِم ، يَسْرُد بِصَوْت ذَات أَمْواج مَع مُوسِيقَى تأثيرية :
تنازلنا عَنْ الْحُقُوقِ .
انفضت أوقاتنا لِأَجْلِك .
بَاتَت طموحنا بِلاَ جَدْوَى ، أَوْ اسْتِحْقَاقُ .
سَأَلْت دُموعُنا جَنَح سَوَادَ اللّيْلِ تسرد قسوتك ، رَغِم ذَلِك . . . . ) نَحْن مَعَك .
لَكِن أُخْتِي حِينِ نَامَتْ اللَّيَالِي جَائِعَة ، مَاذَا كَانَ بِهَا ؟ !
كَفّ أَخِي عَنْ التَّمَنِّي لِلُّعْبَة ، ونهرتة بِعُنْف .
بَكَيْت عَلِيّ حَالِي عِنْدَنَا تَمَنَّعْت عَنْ الْفَهْمِ بِمَا يَجْرِي بحقول عَالَمِك .
مَاتَتْ أُمِّي بِلَا مَوْتٍ .
تتجلي الْإِضَاءَة
يَقُوم بقفزة حَتَّي يُصَلّ إلَيّ مَرْقَد أَبِيه الْمُمْتَدّ بِه ، يَقْتَرِب مِنْ أُذُنِهِ بهمس قَائِلًا :
اعْلَمْ أَنَّك تَسْمَعُنِي وتراني .
يَقْفِز مَسافات بَعِيدَة ، يُفْرَد زرعاة قائلاً يَجْهَر مَع أَصْوَات صَاخِبَة :
هَلْ أَدْرَكْت الْآن مَعْنِيٌّ الْحُرِّيَّة ، أَقُولُ لَك إنَّنِي مَعَك وَأَنْت الْآن لَسْت مَعِي .
سُكُون
أَنْت هُنَا وَلَسْت هُنَا ، جَسَدِك هُنَا وَأَنْتَ لَسْت هُنَا .
يَصْرُخ فَرِيد :
أَلَمْ تَعْلَمْ يَوْمًا إِنَّك سترحل ؟ !
أَلَمْ تَعْلَمْ إنَّك ستترك كُلُّ ذَلِكَ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ .
ظَلَام
إِضَاءَة ببؤرة وَاحِدَة
فَرِيد يُقَلِّد صَوْت أَبِيه :
لَا تَشْرَبْ كَثِيرًا مِنْ الْمِيَاهِ أَثْنَاءِ اللَّيْلِ .
لَا تَجْلِسُ عَلَيَّ هَذَا الْمَقْعَدَ أَنَّهُ يَخُصُّ أَبَاك .
لَا تَنْظُرْ مِنْ النَّافِذَةِ كَثِيرًا ، الْأَشْبَاح كَثِيرَةٌ
أَغْلَق التَّلْفاز السَّاعَة مُتَأَخِّرَةٌ
لَا تحتضن أُمُّك .
لَا تَأْكُلُ كَثِيرًا .
اِبْتَعَدَ عَنْ الْأَصْدِقَاء
لَا تَفَكَّرَ فِى هَذَا الْأَمْرِ
اِسْتَيْقَظَ مُبَكِّراً .
تَكْفِي هَذِهِ النُّقُودَ فَقَط
لَا غَيْرُ هَذِهِ الْمَلَابِس .
أَنْت فَقِيرٌ واصدقاءك اثرياء
إِظْلام
إِضَاءَة شَامِلَةٌ ، يَخْطُو فَرِيد بِبُطْء ، حَتَّي يَبُوح بِمَرَارَة :
كَان الرَّاحِل يُحِبُّ أَنْ يَتَزَيَّنَ ، مُنْذ كُنْتُ صَغِيرًا وَأَنَا أُرِي أَبِي يُحِبّ الْحَيَاة ، كَأَنْ يَقْبِضَ الْحَيَاة بِكَفَّيْه .
يَنْظُرُ إلَيَّ رَجُلًا غَيْرَ مَعْلُومٍ ظَهَرَ فَجْأَةً وَيُؤَكِّد :
عَلَيْك بِه التَّطَهُّر بِالْمِسْك وَالْعَنْبَر ، فَإِنْ أَبِي يَرَانَا .
يَتَحَرَّك الْجَسَد بِبُطْء .
يَسِير الشَّابّ بِضْع خُطُوَات ، يَخْرُجُ مِنْ سُتْرَتِهِ نُقُودٌ ، حَتَّى يَقُومَ بَعْدَهَا قَائِلًا :
لَا عَلَيْك يَا أُمِّي .
تَخْرُجُ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ امْرَأَة بَاكِيَةٌ تلتفح بِالْبَيَاض ، يُصَوِّب لَهَا الشَّابّ كَلِمَات :
هَذِه نُقُودٌ الخارحة الَّتِي تَخُصّ دُفِن أَبِي .
هَذِه نُقُودٌ لِدِرَاسَة أُخْتِي الصَّغِيرَة
هَذِه نُقُودٌ مِنْ أَجْلِ عَمِل خَيْرَي عَلِيّ رُوحَك ، يَقْبِض الشَّابّ أُمِّهِ مِنْ مَنْكِبَيْهَا قَائِلًا بِحُزَم :
بَل انتِ تستحقين .
صُمْت
يَجْلِس المتوفي فِى مَرْقَدَه ويكابر فِي الْوُقُوفِ ، يَرَاه الِابْن ، تَجْرِي نَحْوَه الْمَرْأَة وَالشَّابّ وَالِابْنَة الصَّغِيرَة .
تَظْهَر بَعْض الشُّخُوص . ، يُسِرُّون خَلْف الْجُثَّة السَّائِرَة نَحْو رَمْزًا لِلْمَقْبَرَة .
تَتْرُكُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ وتتلاشي بِالظّلَام
يَتْرُكَ الرَّجُلُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ ويتلاشي بِالظّلَام
تتلاشي الْبِنْت فِى الظَّلَام .
يتجلي الشَّابّ وَحْدَهُ مِنْ جَدِيدٍ قَائِلًا بِتَأْكِيد :
اعْلَمْ أَنَّك يَا أُبَيّ الْحَاضِر الْغَائِب
يصدح فِى الْبَرَاح صَوْت أَبِيه :
لَا تَأْكُلُ لَا تَشْرَبْ لَا تَلْبَسُ ، لَا تَنْظُرْ مِنْ النَّافِذَةِ ، لَا تَضْحَك مِثْل الفتايات .
يَجْلِس الشَّابّ فَوْق أَرِيكَة أَبِيه قَائِلًا :
كَم أَتَيْت بِي مِنْ الصَّوْلَجَان وَالضَّمَائِر الْمُعَلَّقَةُ عَلَى مِشْجَب الْحَقّ ، وَأَنْت الْآن وَحْدَك ، وَأَنَا لَا رَقِيبٌ عَلِيّ حَيَاتِي فِى لَيْلَةٍ رحيلك ، يَأْتِي الْعَالِم وَالْوُجُود بايادي حانية . .