ثقب أسود بقلم: مصطفى نمر
( ثقب أسود )
اسوأ كوابيس البشر اصبحت واقعا امامهم…
ووجهتها في اتجاه اقرب ثقب اسود علّه يبتلعني ويعود بالزمن مرة اخرى وبدأت رحلة الهيمان في الكون الفسيح.
لا تصدق أي احد يحكى لك عن الموت لاتوجد حكايات او كلمات توصف الحدث الجلل لسبب بسيط انه لايوجد وقت !! ، فالموت ينهى الحكاية ولكى يكون (فى النهاية) يلزمها ان يكون (فى البداية) …
كل شيء على ما يرام كوكب الارض يسبح بهدوئه المعتاد في مداره والشمس تقوم بدورها بمنح الحياة والقمر مختفى في الجانب الاخر من الارض يناجى عشاقه والرحلات الاستكشافية تغزو الفضاء ومسباري فويجر 1 ، 2 يصلون اقصى مدى الى حدود المجرة وتدور والاقمار الصناعية تقوم بمهماتها على مسافاتها القريبة وتنقل وتستقبل ملايين بل مليارات المعلومات التى تكمل شبكة الاتصالات حول الكوكب من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ، لاشئ مختلف كالمعتاد وداخل محطة الفضاء الدولية ينعم رائدوها بساعات استرخاء والتقاط صور للذكرى مع ضحكات ميكروفونية فيما بينهم ، وضحكات الاطفال والحروب والطائرات ولاعبى كرة القدم والقضايا الدولية و.. الخ الصراع على الكوكب كما هو وشعور بالطمأنينة يسود قلوب البشر انهم اصحاب الكون وكل شئ تحت السيطرة..
ومن حيث لا يعلم احد رصد تليسكوب “فاست الصينى” مجموعة من النيازك تندفع فى اتجاه الارض من بعد سحيق من الكون ولم يعر احد الامر اى اهتمام فالخطورة ليست بالشئ ، واستمر النيزك فى الاقتراب تاره يصطدم بكوكب وتاره يجذب كويكبات ولكنه يتضخم حتى تمثل وحشا فضائيا واستمر الرصد من تليسكوبات ودول اخرى وهنا جذب اهتمام وكالات الفضاء الدولية ولم يتوانى المسئولين فى نقل المعلومة الى اقمارهم لرصد الوحش القادم والعمل على تحليل حجمه مواده وسرعتها ووقت الوصول الى الارض..
وسرعان ما انتشرت الصور الملتقطة وخرائط التحليلات وتم تقدير الخطر القادم ولكن مع كل ساعة تمر يتضخم النيزك حتى صنع حوله سحابه غبار كونية هائلة عجزت معها تكنولوجيا الارض عن الرصد والتحليل بدقة عما يتكون خلفها
وتسرب الخبر للاعلام وكمادة خصبه ومثيرة تحول الخبر الى خبرين ثم الى اخبار وانتشرت بكل قوة واستقبلها سكان الارض من كل حدب وصوب بسخرية و صور لهم غرورهم باستحالة موتهم بهذه الطريقة العبيثة الهوليودية (نيزك يصدم الارض وينقرضوا كما الديناصورات من ملايين السنين) وكفكرة الفيلم المهروس الذى قتل افكارا و تصويرا ولكن هذه المرة تحولت الى حقيقة واقعية جسدت اسوأ كوابيس البشرية.
بعدما قضينا مايقارب من عامين او اكثر مابين الانتظار والاندماج فى مناقشات وتكهنات ومجادلات بين العلماء والتهاب اعيننا من مشاهدة الشاشات ومتابعة السوشيال ميديا بحثا عن كلمة طمأنه واحدة او ثغره للخروج من المصير المحتم ولكنها اجابة واحدة ينتهى اليها في كل مرة.
وتعلقت الامال بأقوى اسلحة الارض الصواريخ البالستية التى تحمل رؤوس نووية والقنابل الهيدروجينة او حتى اسلحة حرب الفضاء الليزرية ولكن للاسف كلها ستعمل على تشتيت النيزك فى مساحة اكبر واوسع ويزيد الغبار ليكون اشرس فى الاصطدام والتدمير.
وتباعا فى الايام المنقضية والعداد يؤشر باقتراب النهاية وصلت مقدمات النيزك من الحجارة الصغيرة مندفعة و مصطدمة بأجسام الاقمار الصناعية و محطة الفضاء الدولية وسقطت كل الاقمار صرعى كبخاخ ذباب تم رشة حولهم فانقطعت الاتصالات والكهرباء ، وتحول الامر الغير معقول الى معقول عندما بدأت السحابة تقترب من الارض وتدخل المجال الجوى الذى فشل فى مهمته الازليه فى حماية الكوكب و لم يفلح الغلاف فى التخلص من الغبار الذى كسى الطبقات العليا من الارض وتحولت الرؤية الى ضباب يهبط وزحف الظلام رويدا رويدا ليبتلع الضوء والرؤية ومع اختراق الزخات الحجرية بكثافة واضوائها المحترقة ككتل نار تسقط من السماء وفى الايام التالية هربت النيازك المتوسطة مدمرة مايقابلها من طرق او كبارى او اى شئ يقابلها ولم يكن كل هذا الا بداية النهاية عندما اصطدم نيزك بالقمر (قمرنا الذى يناجى عشاقه كما ذكرنا انفا) وتسبب فى اختلال محوره وتغير مكانه وانقطعت قضمة منه كالشطيرة مصاحبة النيازك فى مهمتها ، واختل الجذر والمد لتتحول البحار والمحيطات الى توسنامى يغرق كل ما امامه فغرقت قارة استراليا واجزاء شاسعة من العالم القديم ولم نعلم ماذا حدث للامريكتين فلم يعد يهم ما يحدث خارج حدود ذاتك..
ولن اطيل عليكم الشرح حيث انعزل كل بشرى فى مكانة وتحول كوكب الارض الى كوكب صامت كما حوله فى الفضاء .
وعلى الارض هنا فيكفى مخزوننا من افلام السينما الامريكية وقراءاتنا فى قصص الخيال العلمى ومشاهد السرقات والنهب والصراخ والعويل وقنابل ومقاومة ولصوص واغتصاب وقتل وتصادم سيارات واختفاء القانون وتحول البشر الى وحوش داخل غابة وسقطت الحكومات وانحلت اجهزة الشرطة ونزلت الجيوش ليحفظوا الامن ولكن اى امن يحفظ ولمن ؟؟ وانهارت اسواق البورصات العالمية وتحولت العملات الى اوراق ملونة ، حدث كل هذا واكثر ،كل المحاولات باءت عقيمة وعجزت عقول العلماء على ايجاد حل وتبخرت امال سفينة اخر الارض وبذور العالم المحفوظة،ولم يكتفى النيزك بقتلنا ولكنه جردنا من كل اسلحتنا التكنولوجية
ولكن اضاءة امل للجنس البشرى للاستمرار بهروب رؤساء الدول العظمى والاثرياء الذين كانوا ملئ السمع والابصار استقلوا مراكب فضائية وذهبوا بعيدا عن الارض ولكن الى اين ؟؟ وحتى متى ؟؟ولو معهم مؤونة مائة سنة فالي اين سيعودون بعد الكارثة؟؟ اما انا فلم املك الا خيالي اسافر به معهم …السجن داخل الكون
والان المتبقى اربعة وعشرون ساعة وعلى غير المتوقع نتوق للنهاية لينتهى عذاب الانتظار الطويل والليل الاطول حتى رفاهية لحظة الموت الغير معلومة الذى تشبثنا بالحياة اختفت فأن تعرف ميعاد موتك ووقته بالتحديد تفقدك اى رغبة للحياة فكل شئ زائل وقبض الريح واصبحت فكرة الانتحار فكرة مستساغة ويومية وكان على ان اتحضر للموت دون محاولة التكهن بالطريقة أهل هى بالدهس ام من اشتعال الحرائق ام بالاختناق بعد تدمير الغلاف الجوى ام بالغرق.
بعض الغرور اصاب الجنس البشرى في المقاومة بدافع غريزي للتشبث بالحياة والهروب ، انهار كل شئ ولم تنتهى غطرسة البشر فالبعض اتجه الى الانفاق والحفر والبعض الاخر اختبئ فى محطات الطاقة النووية لتحصينها الشديد والاخرون هربوا الى الجبال ولكنى كنت على يقين بالنهاية فطفح الكيل بالكوكب المسكين الذى دمره البشر وقضوا على سكانه من الحيوانات والطيور انه انتقام الطبيعة الام لترد الصاع صاعين وتنهى حياة الكائن الفاسد الذى دمر وحرق وقتل والان يبحث عن النجاة فى جثة القتيل !!
شبعت الارض من رائحة الدم بعدما تحولت الى غابة الكل انتقم والكل فعل مايحلو له والجميع تحول الى قاتل او مقتول لم يعد يهم..
هدأ كل شئ فمن ذاق الدم سيفقد حياته ايضا – كما اخذت ستعطى- ، شعور البشر بالسجن والحبس والضعف ،شغف الحياة الذى فقد بانكسار معادلة الحياة والموت لا ارى اى مظاهر للغل او الكره او الشعور بالاستعلاء العيون منكسره والكل صغر امام الموت اعتى المجرمين تحولوا الى اطفال صغار الكل على حافة الانهيار واستعداد للقتل ولان الكل اصبح خطرا على الكل فهدأ الجميع ولم يحاول اى احد ان يتسيد او يسطوا او يقتل شبح الموت جثم فوق الصدور وامام العيون وحدها الحيوانات او ماتبقى منها شعرت بالسعادة حيث كف البشر عن ايذائها.
قمت وارتديت ملابسى وتهيأت للخروج من البيت الذى عشت فيه لمدة سنة اقتات على علب الطعام التى اشتريتها او حصلت عليها وقت الفوضى الكبرى وكان من حسن التقدير ان لم ابحث عن اشياء مادية فقد ادركت انها ستفقد قيمتها امام الجوع وسد الظمأ ولكن ان يعم السلام الكوكب هذا ما لم اتوقعه وكأنها يوتوبيا الظلام نعيش فيها ولأكون واقعى فكوكب الارض يعنى لى ما تستطيع ان تطأه قدمى من السير حول منزلى بمنطقتى او منطقتين على الاكثر
ولكن لا مانع انه يوميا يتناهى الى مسامعى صرخات ، طلقات تنهى حياة شخص ما انتحر وهو الغالب والاكثر ولا يمر اسبوع او شهر الا وسمعنا اصطدام بالارض او شاهدناها مرأى العيون فلا نعلم هل نفرح ام نحزن ام نتأكد اننا نعيش من موت الى موت .
ودعنى اصف لك مشهد النهاية كرات النار التى تأتى من السماء (لمن يريد ان يرى) والتفت كل عائلة في احتضان اخير مع دوى الانفجارات حتى صمت الاذان داخل البيوت ومسكوا ايدى بعضهم البعض وبصدورهم العارية يواجهون وابل الحجارة الاتية وفى ثوان معدودة تحول الكوكب الى كتلة نار مشتعلة مع موجات هائلة من مياه البحر والمحيطات.
اين انا ؟ اكيد سألتم انفسكم كيف يحكى كل هذا وهو حى بعد؟
انا فى كبسولة فضائية وذلك لمن شاهد فيلم (Gravity) اسبح فى الفضاء كنت اخر الرواد الذين على متن محطة الفضاء الدولية وعندما تدمرت هربت فى اخر كبسولة موجودة …
اصبح كوكب الارض انسان محكوم عليه بالموت رجما لما اقترفه من ذنوب ومن مكانى ارى جسد الكوكب ينفصل عنه ويتقطع كشظايا ويخيل الى انى اسمع صراخ البشر من الارض الى هنا
مامعى يكفينى لفترة من الزمن وتعمل فلاتر الكبسولة على اعادة انتاج الاكسجين والطعام موجود وماتبقى من كوكب الارض معى تقريبا لم يبقى احد سواى انا والكبسولة ولذا اغلقت مفاتيح التشغيل وتركت الحركة للكبسولة معتمده على جاذبية الكواكب والمدارات ووجهتها فى اتجاه اقرب ثقب اسود علله يبتلعنى ويعود بالزمن مرة اخرى وبدأت رحلة الهيمان في الكون الفسيح بعد تناول كمية من الحبوب المنومة كانت في دولاب امي التي فقدتها في موجة الزخات الاولى.
تمت
#مصطفى_نمر