المقال
جبال عمور أحجيات وأساطير بقلم: “بطمة أحمد طالب”
العنوان: جبال عمور أحجيات وأساطير
بقلم: بطمة أحمد طالب
لا يَزَالُ الجَبَلُ الأَخضَرُ يُلغِزُ.. عَبَثاً يَدّعِي الزّاعِمُونَ إِحصَاءَ مَكنُونَاتِهِ.. فِي كُلّ رُكنٍ حِكَايَةٌ.. فِي كُلّ قِمّةٍ رِوَايَةٌ.. وعَلَى السّفُوح تَغدُو الأَسَاطِيرُ وتَرُوح.. تَقُومُ الحَضَارَات وتَندَثِرُ الحَضَارَاتُ وتَبقَى آثارُهَا.. آثَارُ الجَبَلِ الأَشَمِّ العَرِيق لَم نُنَقّب عليهَا فِي قرن عريف.. أو فِي قَصرِ تَاويالَة بَل وجَدنَا بَعضَهَا ومَا يُعطِينَا فِكرَةً أَوضَحَ عنهَا.. في مسرح الطبيعة بشتى فصولها.
فَفِي موطِنِ الثلجِ زَهرةٌ تُجاوِرُ الغَمام، أَجمَلُ وأَبهَى مِن تَولِيبِ أَحلام.. وأقوى صُمُود، مِنَ الزَّنبقاتِ السُود، التِي زَيَّنَت كَفَّ درويش محمود.
دَلّنِي إليهَا آخِرُ مَن رَآها، وأعطاني مخطوطةً عتيقةً مغبرَّة، يَستدِلُّ بها الباحثون عن سُبُلِ العُبور فِي جِبال عَمّور.
تَجَهَّزتُ وانتظَرتُ انجِلاءَ لَيلٍ فَالإصباحُ للقائِهَا بأمثَلِ.
تَزَامنَت بدايةُ النهَار مع انقشاع غمامات المطر؛ لقَيتُها تُجَفّفُها خيُوطُ الشمس بعد حمّام من قَطر.
جئتها في ثوب سائحٍ وألبسَتنِي ثوبَ عاشِقٍ استَخَفَّهُ سِحرُ المَكانِ وعِطرُهَا.
في لحظة صفَائها، تَخلّت حَسنَاءُ الجبلِ عن نرجسيّتِها، دَاريتُ أنا ذهولي واعتلائِه على القَسمَات، داريتُ ارتباكَ أنفاسي مُتحجِّجاً بطول المسير وَوُعورَةِ المَسالِك.
لكن سُرعَانَ مَا أَيقظتُ فيها نَرجِسيّتهَا بسؤالٍ بريء، من أنتِ؟
أنا زهرة الڨعدة وهنا موطِنُ السّحرِ، قِبلةُ الثُّوار. عَبَقِي والأريجُ امتِدادٌ لرَائحَةِ البارود. هذا الجمالُ كانت تَسقِيهِ الدِّمَاءُ الزّاكِياتُ الطّاهِرَات. وهذهِ التربةُ الطيّبةُ يخرُجُ نباتُها بإذنِ رَبِّهَا.
هذي الربوع احتضنتِ الثورة حِينَ حاصَرهَا المُستعمرُ وضَيَّقَ عليها الخِناقَ فِي الأوراس.
أنا زهرة الڨعدة نتاج الحُرّيةِ والشاهِدَةُ على أُمّ المعارك “الشوابير” ذات الثالث من أكتوبر/تشرين الأول في سنة 1956، حين أحصى العدو قتلاه عدداً.
وليست معركة “الصمّة” بأقل مِنها مفخرةً وشأناً وشحناً للهمّة.
هذا السكونُ موروث النازلاتِ الماحقات، وتلك الأغصانُ الفارعات، أظلَّت تحتها الثُّوار كما ارتوى من النبعِ العقيد لطفي، والسي عمار.
أنا زهرة الڨعدة تواريتُ وانزويتُ فقد ذهبَ أهلُ الدثورِ بالأجور.
إذ أنصفتهم الجغرافيا قبل التاريخ، فهل يأتي يوم يَرَى فِيهِ الجبَلُ الأشَمُّ الضِياءَ والنُّور؟.
أنا زهرة الڨعدة صنعة الخالق وغراسُ إنسان لم يمض على أسلافه أمد بعيد منذ أولى خطواتهم نحو إعمار الأرض، حين وجد نفسه قبل “بابل” بل قبل الأهرامات، فردا دون مُعين أو سلطان ينفذ به يبلغه تمرير رسالة خالدة، تتذكرها الأمم حين نشأتها واحتمال اتحادها.
فلم يكن له إلا أن يتنفس نسيم جبال عمور، ثم يملأ يمينه فطرة إنسانية خالصة، ينحت بها على صخرة تحفظ العهد تسكن أرضها لا تبرحها تصل ما بين البداية وزمن تقدم بها تواكب تطوراته، يروي عليها تنوع الأحياء في الأرجاء قبل أحرف الهجاء.
حكاية فيلة استبسلت في الدفاع عن صغيرها أمام مفترس عدم الحيلة وقد كان أعز قبيلاً. نشأت الأمم واتحدت ولشعار منظمة اليونسيف هذا النحت اتخذت.
ــــــــــــــــــــــــ
الجبل الأخضر: سلسلة جبال عمور عاصمتها مدينة أفلو، ولاية الأغواط بالجزائر.
قرن عريف: أعلى قمة بجبال عمور تقع على ارتفاع 1721م.
قصر تاويالة: يعود بناؤه مثل باقي قصور جبال عمور إلى قبائل بني راشد البربرية الأصل حيث كانت تاويالة مخبأ لإحدى الكاهنات تدعى كرصيفة حسب الأسطورة المتداولة لدى سكان المنطقة.
موطِنِ الثلجِ: أفلو المعروفة بشتائها المثلج.
الڨعدة: هي جبال تحد أفلو جنوبا كانت حاضنة للثوار إبّان حرب التحرير ضد المستعمر الفرنسي.
الشوابير: معركة الشوابير أو أم المعارك بالغيشة نواحي أفلو في 03 أكتوبر/تشرين الأول 1956.
الصمّة: معركة بجبال عمور.
شعار منظمة اليونيسيف: اتخذت منظمة اليونيسيف (صندوق الأمم المتحدة للطفولة) شعاراً لها في إحدى السنوات أحد الرسومات الصخرية، والمتمثلة في أنثى الفيل تدافع عن صغيرها في وجه حيوان مفترس.