المقال

جولة لم تتم بقلم الكاتبة مروه الصماد

جولة لم تتم
كتابة /مروه الصماد

لسبب ما اضطررت للسفر الى القاهره الكبرى والتي امضيت فيها طفولتي وصبايا وشبابي…ولكن شاءت الظروف الانتقال إلى مدينة أخرى للعيش هناك…..ولا أخفيكم سراً أني مازلت أشتاق وتشتاق جوارحي دائما لقاهرة المعز وأجد الراحة التامه وأنا أسير بين ثنايا شوارعها وحواريها ومدقّاتها .،
وأتوه واعلم أني أسير في شارع خطأ لا يوصلني إلى ما اريد لأتوقف وأسأل أحد الماره عن مكاني ووجهتي لأفتح معه موضوعاً لا علاقة له بإتجاه سيري سوى أني أحببت إبتسامته رغم بؤسه ، وتفاؤله رغم إحباطه ، وإستعداده بكل شهامه لإيصالي الى مكان ما اريد ان اذهب رغم انشغاله….
وكأني اعالجه علاجاً نفسياً بالفضفضه للحظات يصف لي فيها ضيق ذات اليد وزيادة الأسعار وغلاء الخضار وإشتياقه الواضح للحمه ، كل ذلك في إطار من السخريه ومشوب بالحمد والشكر على الصحه وفي نهايتها ابتسامه أسعدتني وبدا لي انها اسعدته ..
لم يوقظني من احاسيس السعاده المتبادلة تلك سوى رائحه شديدة العمق تغلغلت أنفي وحركت حواسي وغيرت ملامح وجهي في لحظه…….!!
كانت قمامة شديدة القذاره ، بملمس به طراوه ، لأشياء مجهوله، لم تظهر لي …تجعل من حذائي غير صالح للمشي غصت فيه بكامل قوتي لأكمل سيري سريعاً بما يشبهه الهروله التي تسبق الركض..
وعلامات الإشمئزاز تعتري وجهي ،،!
إستعدت توازني لأخرج إلى شارع رئيسي بسيط يفترش فيه الارض بائع سميط وجبنه وبيض وخليط من الملح والكمون في قرطاس لطيف ،،،.وكان عليا نسيان ما حدث لي ومافعلت بي الرائحه السابقه لتحل محلها رائحة أخرى تُنسنيها!!!!
لطالما كنت أرى مشهد بائع السميط
هذا ولكن لم اذقه فقررت أن أوان
التذوق قد حان، ودغدغت رائحته مشاعري ….وتوجهت فوراً وانا مسلوب الإرادة لأخرج المال الزهيد من جيبي وأشتري بعضا منها ،، وكان مملحاً، مقرمشاً، ظريفاً ، ذو شخصيه مميزه ، راقت لي…
وبدأت مع بائع السميط بداية عهد جديد ووعد اني كلما رأيته إشتريت وأكلت……….!

٢ جنيه ٢جنيه ٢ جنيه ٢ جنيه
هذا ماتكرر لأسمعه بوضوح وليخترق أذني بوقاحه شديده وإصرار مذموم على الشراء..
طاوله ليست بالكبيره ولا هي بالصغيره مزدحمة بالتفاصيل الغريبه الصغيره ، شديدة الأهمية من وجهة نظره…
من ( خيوط ، وإبر ،ومصافي ، ومشاط، وميداليات، وأقلام ….)
وخلافه زهيدة الثمن….من احتياجات البيت وكل هذه الأشياء غير قابله سوى لإستخدام المره الواحده بالطبع..لتنتهي صلاحيتها وقدرتها على العطاء فهي وارد الصين بالتأكيد …المسيطر الوحيد على استيرادنا الكريم ..!

ماذا…ماذا…
ما هذا…..ماذا هناك..؟!
فلتبدعي ياقاهرة المعز وهاتِ ماعندك من مفاجئات ومتناقضات
تبهريني وتقلقيني ولا مانع من القليل من المهاترات اتعجب لها قليلا….. !!
وسط هذا وذاك أرى إعلانات من شركات عقارية وشقق وفيلات و
كومباوندات شريره تلعب بأحلام الماره في حزنٍ تارة وفي يأس وجزع تارةٍ أخرى….
وانا اسعى لتكذيب ما أرى بعيني ولماذا في هذا الشارع البسيط تلك الإعلانات فلتراعوا مشاعر بسطائنا ايها الأغنياء المستثمرون.. .
كادت هذه الإعلانات أن تودي بحياتي على يد شخص يجري ببراعة بواسطة عربه من عجلتان اماميتان على طرفها مقبض يسمونها هناك ( أذى )…تحمل من يعجز عن حمل أشياؤه الكثيره بمقابل مادي يتم الاتفاق عليه حسب المسافه …، ويتولى قيادتها فتى لا يتجاوز العشرون ربيعا.ً…،
( مع الاعتذار لتعبير عشرون ربيعاً)…
لأني أجزم من هيئته انه لم يرى الربيع قط.
يجري في رعونه وكأنه يقول من يدركني يأخذ مافي العربه !

لا أكاد استيقظ من محاولة قتلي الّا بمحاولة أخرى بواسطة رالي من السيارات السوزوكي النصف نقل تحمل على متنها أجهزة وأشياء أخرى في شارع لم يرى التنظيم ولا المرور من فتره ليست بالوجيزه…

ايقنت بعدها ان انتهاء رحلتي قد أوشكت وأصبح الحفاظ على حياتي هدف سامي ونبيل ،،واللا ركلني من خلفي مايجيد الركل
في سرعه وهدوء..
عادي جدا….

ولكن…لم احقق بعد ماجئت من اجله ..
وجلست عل مقهى إعتقدت أنه هو فقط من أحب المصريين….!
لما يقدمه من مزاج قهوه وشاي و ( فول وطعميه وبتنجان) كما يرغبون وكما رأيت من نظرات المخمخه على وجوههم والرضا التام…وانا احاول ترتيب أوراقي والتقط أنفاسي من محاولات إغتيال وقتل غير عمد بالتأكيد لن يتسنى لي اكمال رحلتي اللاّ بسياره مخصوصه بمواصفات خاصه وكان عليّ البحث عن تلك المعجزة ،
ذلك البساط السحري الذي سوف يحملني ويواجهه انفجار السيارات المجنونه…
وقد.كان..
وصلت باب النصر وجهتي المنتظر..وجدت نفسي امام باب عظيم يملئ السماء بشموخ ملحوظ ..، شيّده القائد الفاطمي جوهر الصقلي…..عظيم كعظمة المصريين رغم المحن…
باب مليء بالزخارف على الجناحين ، تلك الزخارف التي تحولت إلى صدأ حزين…
تلك كانت الواجهه….اما وراء عظمة ذلك الباب يكمن الخطر فهو يوجد خلفه كم من القاذورات والكراسي المكسّره والكراتين معدومة الفائده …اقسم اني بكيت حين رؤيته على هذا النحو….وأرى أيضا أمامه ( مطعم مشهور لا داعي لذكر اسمه) يقدم افخم انواع الكبده والسجق والدجاج مجهول المصدر …..
أتسائل ..!!
كأنه هدف منشود وانت ممتليء البطن ان تقف أمام باب النصر العظيم الذي كان يستقبل الجيوش عند عودتهم من النصر المحقق على أعدائهم…
لقد فعلتها اخيرا ودخلت…!
لأرى كل شئ اللا الحضاره وانا أراها تكاد تحتضر في ايامها الاخيره …وكأن الإهتمام بكل شئ سوى بأساس هذا المكان .
من بائعي غزل البنات إلى المقاهي ذات المظهريه الشديده والاسعار السياحيه إلى بائعي النحاس الرخيص والخواتم… وبعض المحلات الفقيرة التي تبيع أشياء من وجهة نظري رائعه من زمن الفن الجميل والتي لم يلتفت لها أحد لروعتها لميل الذوق العام الآن إلى الأردء…. فهي على شكل أكوام مهمله تقبع عند صاحبها المسكين….

هنا وعند هذه النقطه قررت أن انهي رحلتي دون الذهاب إلى مسجد القاضي يحي…، وزاوية بن برقوق….، والتكيه السليمانيه…،
والمتحف الإسلامي…
لأني ادركت اننا كلنا مخطئون..وان الخطأ يكمن فينا.
وان بلدنا كانت مطمع لنا جميعا دون استثناء….

كانت مساجدنا مدارس، ومدارسنا جامعات، والآن..
أَصْبَحْت…….
وأصْبَحْنا…..
ولن نُصْبِح…….

ودمتم.
إلى اللقاء….

مروه الصماد.
( جوله لم تتم)

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى