حبر المواسم بقلم الأديبة جميلة بلطي عطوي
……. حبر المواسم ……..
متلوّن كالحرباء ، يربك دواته الهادئة ، يحيّر انسيابها في ريشته . ريشة مسنونة ، مشحونة تعانق شكل المواضيع ، تجاري انقياد الزّمن للمهاترات . حبر يبقى المتلقّي أمامه مشدوها بين الألوان المتعاقبة والأقنعة المتتابعة يجبّ بعضها البعض والدّواة تشهق ، تزفر ، ترجو رحمة وخلاصا ، تتساءل ماذا يحدث ؟ ما هذه الرّيح التي أشتمّ ولم يركبني الهمّ ؟ ماذا يحدث فيّ ومنّي ؟ ما عهدتُني ألبس هكذا أثوابا وما رأيتُني أبدا أتلطّم بين باب وباب ، منذ متى بتّ في الوقت الواحد بألف لون ولسان ومتى وهل يُعقل أن أتحوّل من معين الصّدق إلى ثرثرة البيان .
الدّواة مثلي تعيش حال دهشة بل ربكة تكاد تسقط ما في الذّهن واليد . تقول الدّواة في قرارة نفسها كما أقول : لعلّني قُذفت خارج المجرّة دون علمي أو أنّني أعيش في زمن من غبار تعبث به الرّيح كما شاءت فيعلق بالمطبّات والألوان رغم أنفه ويبقى محاصرا مكتوم الصّوت لأنّ الوقت فقد أذنيه فما عاد يسمع وسُملت عيناه فما عاد يبصر الطّريق . تقول الدّواة لست المسؤولة عمّا أرى وأسمع وأقول كيف لهذا العقل أن يقبل وكيف لهذا القلب أن يهجع ؟
الدّواة تبرّر ولكنّني أتحيّر ، أنا الهائمة بالصّدق والوضوح ، أهوى الشّمس في مدارها تلوح . أعشق القمر يضيء في الميقات أمّا المواسم ففي عرفي كما العقلاء جميعا تسير منظّمة ، منتظمة ، تدرك معنى الحياة والانضباط.
أمّا الحبر فهو كما تعلّمتُ وعلّمتُ رحيقُ المهج لا يحيد عن الأهداف ، يسبر ، يختبر ، يقارع اللجّة بالحجّة ، يكتب ويوضّح . قد يدعم وإن لزم الأمر يفضح . تلك هي سنّة الحبر والكتابة لا تدركهما الهنات ولا تحاصرهما الرّتابة . شمس لا تغيب ، مواسم وفصول لا تغيّر زخارفها ولا يُهدّدها الأفول ، والدواة الحقّ من تلك الطّينة ، رحمها كريم لا تنبذ الأقلام لكنّها ترضعها ما به تستقيم .
هذا ما همست به في ورقي الدّواة هذا الصّباح ثمّ تنهّدت وقالت : إن كان يؤلمني هذا الزّمان المختلف فأنّ حدسي يهوّن البليّة لأنّ الأجنّة فيّ مازالت نابضة وهي قادرة على من يمتصّون دمي لتعيد اعتباري فألد من جديد كلّ جميل واضح وأعتلي المنابر لأصًلح وأصارح.
تو نس …… 5/ 11 / 2020
بقلمي …. جمبلة بلطي عطوي