إشراقات أدبيةالنثر

حفل أم كلثوم بقلم أمينة أحمد حسن

#قصة_قصيرة

#بعنوان_حفل_أم_كلثوم

#بقلمى_أمينة_أحمد_حسن

 

**************

 

*جدو نبيل

*نعم يا صغيرتي

لماذا أسميتنى فريدة؟!*

 

إبتلع الجد ريقه بصعوبة وأمسك جبينه بيده محاولا كبح الزكريات اللتى تحاول إعتصار عقله فى تلك اللحظة ،فلم يكن سؤال الصغيرة سؤالاً عادياً،ولكنه كان أشبه بالقنبلة الموقوتة اللتى فجرت العديد من المشاعر المتضاربة ،كان سؤالاً أشبه بآلة الزمن ،سؤالاً نقله فى غمضة عين إلى ما قبل خمس وعشرون عاماً……!

 

كان عمره ستة عشر عاما حين انتقل مع أسرته للعيش فى بلدة أخرى غير بلدتهم ،ما زال يذكر ذلك اليوم حين ذهب مع أسرته للتعرف على جيرانهم الجدد،يومها رأى فريدة كانت تصغره بخمسة أعوام ،كانت تعزف على البيانو ،كان لحن أغنية (مادام تحب بتنكر ليه) لأم كلثوم ،حينها شعر بشعور غريب ،ربما كان سنه أصغر من أن يعرف ماهذا الشعور ،ولكن كل ما يستطيع قوله هو أنه تعلق بفريدة ،منذ النظرة الأولى .

 

توطدت العلاقات بين الأسرتين ، الآباء يذهبون ويجيئون سويا ، والأمهات يقضون معظم الوقت معا ،يتفننون فى أمور الطبخ ،وكثيرا ما يجتمع الأسرتين لتناول الطعام معا ،أما نبيل وفريدة لا يفترقون أبدا ،يجتمعون دوما حول البيانو ،تعزف فريدة ، ويستمع نبيل، لم يكن شىء أحب إليه فى الحياة من عزف فريدة ،يضحكون ويمرحون طوال الوقت .

 

يجلس الأسرتان يوميا يستمعون لأم كلثوم ،يحتسون الشاى ،فعِشق أم كلثوم كان هو الشيء المشترك بين الأسرتين .

 

كبُر نبيل وكبُرت فريدة ، وكبُر حبهما…….

يفتح نبيل النافذة وهو يستمع إلى أم كلثوم ،كان يعشق المقطع الذى تقول فيه (حبيبى يسعد أوقاته )كان يعيد المقطع أكثر من مرة حتى تسمعه فريدة وتفتح نافذتها .

**************

 

قويت العلاقات بين الأسرتين أكثر وأكثر ، مرت السنوات وقرر والد نبيل العودة لبلدته هو وأسرته ،وقع هذا النبأ على قلب نبيل وقع الصاعقة ،إعترض ولكن بلا جدوى ،فوالده يحتاجه إلى جواره ،أخبر والده بأنه يريد الزواج من فريدة ،رحب الوالد بالفكرة .

 

…..……………………………..

رغم أن والد فريدة يحترم نبيل ويقدره ، إلا أنه رفض أن تسافر إبنته إلى بلد آخر ،فقد كانت حالة والدتها الصحية فى تدنى ، وتحتاجها إلى جوارها ، حاول نبيل الوصول إلى حل وسط ، ولكن بلا جدوى .!

………………………..

 

حان وقت الرحيل وودع الأسرتان بعضهما بأسى وحزن فقد مرت عشرة أعوام على جيرتهم ، لم يفترقون خلالها .

يومها تحدث نبيل وفريدة حديثهم الأخير؛ كان حديثا مغلفا بالدموع ؛

*لقد حاولت أن لا نفترق يا فريدة ،ولكن للقدر رأى آخر ،ولكننى سأذكركِ دوما ،سأذكركِ عندما أسمع صوت البيانو،سأذكركِ عنما أستمع إلى أم كلثوم ،سأذكركِ مع كل طرفة عين يا فريدة.

 

*وأنا سأذكرك يا نبيل مع كل شروق شمس ، سأذكرك حين أفتح نافذتى لأبحث عن وجهك فى النافذة المقابلة،سأذكرك بعدد الأنفاس اللتى تجعلنى أعيش ،سأذكرك بعدد دقات قلبى ،سأذكرك دوما يا نبيل.

 

……………………….

 

مرت السنوات ، وتزوج نبيل بأخرى ،ولكن جرحه مازال ينزف ،ولا يضمده سوى صوت أم كلثوم .

 

……………………………..

 

كم تبدو الحياة أحيانا قاسية ، حين تجبرنا على السير فى طرق لا نختارها!!!

 

…………………………………………

 

جدو *

أفاق الجد على صوت الصغيرة ،واعتدل فى جلسته وهو يتنهد تنهيدة صعبة الوصف ،تنهيدة تحمل كل ما مر بباله نتيجة سؤال الصغيرة ،تنهيدة تحمل مشاعر جميلة ومُرة فى ذات الوقت.!!!!!!!!!

 

*ما بكِ يا صغيرتي ؟

*لِم لا ترد على سؤالى؛ لماذا أسميتنى فريدة؟

*وما مناسبة هذا السؤال الآن؟

*ليس هناك مناسبة ، ولكن أبى وأمي أخبرانى أنك أنت من أسميتنى بهذا الإسم ..

*نعم أنا أسميتكِ به لأن فريدة هو أجمل إسم فى العالم.

*معنى ذلك أننى أجمل فتاة فى العالم؛أليس صحيح ؟

*بلى صحيح يا صغيرتي.

*ولماذا جئنا اليوم إلى هذه البلدة يا جدى ؟

*هذه البلدة أقمت بها عشرة أعوام عندما كنت شاباً..

*ولماذا جئنا إليها اليوم؟

*جئنا لنحضر حفل أم كلثوم.

*هل ستأخذنى معك ؟

*بالطبع يا حُلوتى.

 

………………………………………

تجلس فريدة فى منزلها ،أنيقة كعادتها ، لم يُنقص العمر من جمالها شيئآ،يبدو منزلها كتحفة فنية ،الورود فى كل مكان ، وصوت المذياع يملأ الأركان ،تستمع إلى أم كلثوم (أهرب من قلبى أروح على فين )…..

 

*سارة..

*نعم يا أمى

*هيا بدلى ملابسكِ لتزهبين معى إلى الحفل

*ألهذه الدرجة تحبين أم كلثوم يا امى ،تستمعين إليها صباحا ومساءا ، ومع ذلك تودين الذهاب لحفلها ،ألا تشعرين بالملل!

*كُفى عن الحديث واذهبى لتبديل ملابسكِ حتى لا نتأخر.

*حاضر يا أمى ،بضع دقائق وأكون جاهزة.

 

…………………………

 

بدأ الحفل..

جوا رائعا ، تتراقص القلوب على الأنغام ، وينصت الزمن لصوت أم كلثوم ..

الصفوف ممتلئة ،الآذان منصتة . .

 

وفجأة توقف الزمن…

فقد تلاقت الأعين. .

نظرت فريدة بجانبها ..فإذا بها ترى نبيل ..نعم لم تكن تحلم . فهذا نبيل ..يجلس بجوارها….لقاءا قدريا أسطوريا …يالها من صدفة ..

يذهبان للحفل ..يجلسان على المقاعد المتجاورة…صدفة ربما لا تحدث إلا مرة فى العمر ….صدفة رتبها القدر ..رأفة بقلوبهما المنهكة المتهالكة ..

لمعت العيون …

تلعثمت الألسن عن النطق…

الزمن متوقف ينظر للعيون المتعانقة…!

 

أخيرا نطقت الألسنة:

 

*نبيل!!!!

*فريدة!!!

*كيف حالك؟

*أنا بخير،وأنتِ كيف حالكِ؟

*أصبحت الآن بخير.

*أُقدم لكِ حفيدتى فريدة، إبنة إبنى

*إسمها فريدة!!!!!!!!!

*نعم ،فلم أُرزق بفتاة لأسميها فريدة ،فأسميت حفيدتى.

*وهذه سارة إبنتى..

*ألديكِ أبناء غيرها؟

*نعم ،لدىَّ نبيل ،يعمل محامى..

*نبيل !!!

*نعم .

 

عجبا لك أيها الزمن !!!!

طال عناق الأعين ، والدموع تطل من المحاجر ،ربما دموع الوجع ، ربما دموع الأنين ، وربما دموع الحنين..!!!!!!!!

وظهر صوت أم كلثوم يردد ( وان كنت أقدر أحب تانى هحبك إنت )

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى