حِوار مَعَ الشَاعر رُشدي المَاضي حَاوره لـَزْهَرْ دُخـَان
حِوار مَعَ الشَاعر رُشدي المَاضي حَاوره لـَزْهَرْ دُخـَان
رشدي الماضي درب قصيدة لتنظر بعيون زرقاء اليمامة والمعرّي
حاوره لزهر دخان
أستضيف في هذه الحلقة الحوارية الأدبية الثقافية الجديدة سيد من ساسة الشعر في فلسطين، وبطلاً من أدباء الملايين . إسمه
رشدي الماضي . متزوج و له ولدان شادي و ربيع .
المولد بمدينة حيفا، في تشرين الأول من عام 1944. الأصل من قرية أجزم. درس رشدي الإبتدائية في مدرسة الأخوة والثانوية في الكلية الأورثوذكسية العربية . والأكاديمية في جامعة حيفا حيث تخصص في اللغة العربية و آدابها و التاريخ .عمل في سلك التربية و التعليم 36سنة . فكان المعلم والمدير لمدرسة النور الإبتدائية بحيفا لمدة ثلاث سنوات .حازت خلالها المدرسة على جائزة التربية . ثم مدير عام لثانوية المتنبي الشاملة لمدة عشرين سنة– وتقاعد مبكراً لينشأ مؤسسة ” البيت للثقافة ” ليواصل عطائه الثقافي من خلالها .
س1 : بدأت عطائك الأدبي في أوائل الستينات ونشرت قصائدك و مقالاتك في الصحف و المجلات المحلية التي صدرت آنذاك – من فضلك أخبرنا أين كان الموصاد من كل ذلك . كيف نجحت في الخلاص منه آن ذاك واليوم ؟
ج1: أنا وقصيدتي وحدة عضوية متدامجة الأجزاء، عروتنا الوثقى الوعي المغاير بالذّات… وقد درّبْتُها على الاستجابة الرّائية بعيون زرقاء اليمامة، بصرا والمعرّي بصيرة، للحظة التاريخيّة والوجودية التي تمرُّ بها…
ومنذ ولادتها، مُتميّزةً بخصوصيتها ومحتشدةً بماء الشِّعر كان لها أمل وحيد، هو الحريّة، لذلك جعلت من دفقاتها الشِّعريّة والشّعوريّة “نهرا” جارفا وتجربةً متوهّجة، لتُبْقي جريانها انسيابيا سَلِسًا يجتثُّ ويقتلع كلَّ عثرة أو عقبة تعتري طريقه… وكيف أخي لا؟! وخطابها يقول:
يا صاحبي الإنسان، تعال معا نبني لنا عالما أفضل…
س 2:أنت من رواد دار الأديب المصرية للنشر .هل ظهرت في حلقاتها التلفزيونية والإذاعية ؟ وكيف وجدت الخدمات التي تقدمها الدار ؟
ج2: شاعري العالي الغالي لزهر… راق لي سؤالك، وداعب شغاف القلب، فقد أعادني الى زمن ذهبيّ عاشَتْهُ أمّتنا، زمن الرَّشيد والمأمون و”دار الحكمة” التي كانت صرحا ثقافيا نيّرا…
وها هي دار “الأديب” تجدد وتبعث هذا الزمن الوضّاء من جديد… فهي منارة معرفة، اشعاع حضاري وإبداع… يقف على قمّتها الشّاهقة مفكّر مائز سامق وشاعر باسق أخي الدكتور سيّد غيث، الذي نذر نَفْسَهُ أن يكون سادن الكتاب الأمين والوفيّ لِيُبقيَهُ كما وصّانا المتنبي محور التغيير وخير جليس إلى موائدنا الثّقافيّة والإبداعية… لذلك لم يكن غريبا أخي أن تستقطب “الأديب” معه كواكب المبدعات والمبدعين من كافة الأجيال، حيث مَكَّن كلّا منهم أن يأنس له بابا يدخل منه ويرى إبداعه يصدر في حلّة قشيبة على أكمل وجه… وقد جعلني أحظى بهذا الشَّرف، حين زفَّ إليّ بُشرى موافقة الدار على طباعة ديواني: “سيزيف لا ينوء بحجر القصيدة” فاسمح لي أخي أن أبعث لهذا الكبير حقًا، الدكتور سيّد، غصن زيتون من جليلنا حفرت عليه من دواة القلب:
أشهد أنّي أحبّك… لو تعرف كم…
س3: لا أرى أن فلسطين نجحت في تنظيم ثورة مسلحة كبيرة وكافية للقضاء على الإحتلال تضاهي مثلا ثورة أول نوفمبر الجزائرية . ما رأيك في هذا الرأي ؟
ج3: بداية اسمح لي أخي أن أحيّ من خلالك شعب الجزائر الحبيب والبطل… وأقدّم لكلّ أخ وأخت باقة ورد وودّ…
كان وظلّ هاجس قصيدتي البقاء والديمومة، لذلك ارتبطت وترتبط بقضيّة الانسان وتستمد بقاءها من جمال وحركة الحياة بهدف تعميق التعالق الجمعي والفردي بين الانسان والحياة…
تأكّد أخي أنّ قصيدتي مُغمَّسة حتى النخاع بقضيّة شعبي، شعب الجبّارين، أحزانه، معاناته مأساته آماله وتطلعاته و و و… وهي تؤمن أنَّ بقاء الحال من المحال وأنّ الغد البديل والمغاير آت لا محالة، لذلك من المجازيّة التي تسكن ضميرها هي نضالها الوطنيّ… وحين تنادي أخوتها في الانسانيّة: “أنا بنت هذي العواصف” هي تسمو بلغتها بتأثير موقفها الرّائي لتحقيق المستقبل الآخر الأجمل…
س4: صفقة القرن كانت سبب خروج السلطة الفلسطينية من كل إتفاقاتها مع شركائها في السلام . في ماذا تسببت لك تلك الصفقة ؟
ج4: بعيدًا، شاعري، عن الولوج أبواب دهاليز وأقبية التَّفاصيل المعتمة، كي لا أًلْتقي بشيطان رجيم دَنيس، فإذا عدنا إلى التاريخ سيرةً ومسيرةً نرى أنَّهُ طافح “بالصّفقات” فخاخا موقوتة مُلَغَّمة”…
تعال أخي معا نواصل “النَّوم” قريري العين، فقصيدتي عين ساهرة صاحية، تعرف كيف تُفكك شيفرة هذه “الألغام” لأنّها نزوات “كسحابة الصّيف عابرة”… ألم تُعلّمنا التّجارب: أنَّ الحقَّ يعلو ولا يُعْلى عليه…
س5:عندما ترغب في مساعدة شعبك وأرضك ، أيكون الشعر فقط هو كل ما تعالج به مشكلات الشعب والأرض؟؟
س5: قصيدتي، سيدّي، تولد في كلّ صباح مع قضيّة شعبي، نعم!!! تولد في تربتها من جديد… تولد وتنمو أوراقا وارفة وثمارا يافعة (لكن بعيدًا عن سيف الحجّاج)
طبعا، لتواصل من خلال فتوحاتها الإبداعيّة، المتجاوزة، المُبتكرة والمتجددة، شَدَّ أواصر تعالقها، وترابطها، وتلاحمها وتماسكها مع أفراح وأتراح أبناءِ شعبها مُتَبَنّية ثقافة العطاء اللّامحدود والذي “يحتضن” كلَّ مناحي الحياة… فكلّ قضايا شعبي ومعه قضيّة صاحبي الانسان أبنائي وبناتي…
س6: مناضل يواصل النشرالتحرري وله زاوية حديث القلم الأسبوعية في صحيفة الصنارة و الإتحاد – وهو مستشار أدبي في مجلة الشرق …بماذا تنصحه ؟؟
ج6: الكتابة أخي تأكيد للذّات ورغبة في الانتصار على الرّحيل والغياب، وقد أكّدَ وُجْهة النَّظر هذه النّاقد الدكتور جابر عصفور، لأنَّ المبدع في كتاباتِه يستعيد تاريخَهُ الذّاتي…
تعال معا مبدعي، ندعو كلَّ حاملٍ للقلم أن يكتب ويكتب كلماته، لأنَّها إذا كُتبت رسخت وتحوّلت الى لغة وطاقة بنّاءة قادرة على خلق الحياة من الجديد… فكما كانت “عشتار” تعيد مع “تمّوز” كلَّ عام، تعيد لنا الرّبيع، ستظل الكلمة خلقا وابداعًا مُتطلّعا نحو الجمال…
س7: لو طلبت منك مساعدتي في تنقيح الكلمات التالية لتصبح شعراً جميلاً، كيف ستساعدني وهل تعرف لمن هي؟ :
مالحة في فمي كل الكلمات
تهاليل للزمن الآتي
عتبات لعودة زمن الخروج
حديث القلم
مشاغل في طريق الأدب
بصوت مزدوج
ورود من مراكزنا الجماهيرية ” .
ج7: أنا شاعري، قصيدة هي لغة إبداع لا لغة تعبير، وإن سألتني عن السّبب، أطأ “عتباتي” سُبْحةً، وأضيف: أنّي أريدني وصفا يُعيد انتاج الموجود، ينطبق عليه ما قال شاعرنا سابقا: “ما أرانا نقول إلّا مُعَادا”… لذلك أتركني أسَجِّلُ: في ألق البرق فوق البحر والسُّفن… أهَبُ ثُريّاتي للزّمن… حتى إذا ارتوت بالعطر حدائِقُهُ… جاءَت طيور تسعى على فَنَن…
س8: متى ستنتهي الولايات المتحدة كدولة وتصبح دويلات صغيرة منشغلة بدفع فاتورة ظلمها للشعب الفلسطيني والإنسان بصفة عامة . هل ركزت في شعرك على مثل هذا الصباح:
ج8: بداية، استميحكَ عذرا، شاعري، لأُنبهَ بأهميّة وضرورة تجنّب التّعميم، ففي كلّ شعب من شعوب هذا الكون توجد فئات سلبيّة صاحبة قرع الطّبول العالية، ولكن بالمقابل توجد فئات ايجابيّة، ولو أن صوتها يأتي عادة خافتا…
وهذا ما نلمسهُ ونراهُ في المجتمع الأمريكي… ولم يَعُد سِرّا على كلِّ ذي بصر وبصيرة أنّ القوى الامبرياليّة بزعامة الولايات المتحدة، خاصّةً أنظمتها المعادية للشّعوب، ومنها شعبنا العربي الفلسطينيّ، تسعى بكل ما أوتيت من ذكاء ودهاء وأسلحة دمار الى قهر هذه الشّعوب ونهب ثرواتها وهضم حقوقها… كي يعيشوا أيّاما ظامئة، وتراجيديا من الهبوط الدائم الذي يُفْرز الإنكسارات الحضارية والتردّي في كلّ مناحي الحياة…
أمام هذه “اللوحة” القائمة يقف الشّاعر ومعه سلاحُهُ الذي لا يُقْهر، قصيدتُهُ، التي تمكّنتْ بوصلتُها، هُدْهدا، من الوصول الى بئر الحقيقة… وأقصد أخي، الحقيقة التي تحاكي البقاء والحياة لكلّ انسان دون فرق في الجنس واللّون والانتماء وهذا ما تقوم به قصيدتي، فهي صاحبة قيم ثوريّة بنّاءة تسعى الى دمل الجراح ورأب الصّدوع وبناء الواقع الأفضل والأكمل والأرحب الذي يُخصب حياة شعبها وحياة باقي شعوب هذه الأرض الطيّبة…
****
صباح جديد
لم يعد صباحنا مِحطة
ولا جوازًا عابرًا للسفر
زَادَنا الهجرُ عِشقًا اليك
يا بيتنا!!
فصحا وِجَاقٌ
وتتأجج الشوق في كل حجر..
****
الأهداء
الى طفولة الغد الآتي التي سيحتضنها
صباح العدل والرفاه والحريّة
رشدي ورفيقة الدرب وجناحاهما
استهلال
أيها االماضي إلى.. فطومة!
س9: غد أو أمس مالذي تنتظره بالتحديد . وأنت المعلم العملاق والشاعر الصابر في رفوف المكتبة ؟؟
ج9: أنا دائم المضيّ الى مصدر النّار والنّور… أتّجهُ في سيري، مثل الفراشة، الى الوهج… لكي أطلّ وأنا فيهِ أنهض طائر رعد وولادات جديدة…
أُسَجّلُ بهذا، أني أخوض صراعا ملحميّا من أجل الوجود والتحرّر، ولي كشاعر طريقتي لتحقيق ذلك، مع معرفتي أنّني لست البطل الأسطوريّ حتى في مخيالي كإنسان..
فأنا بقصيدتي الرّائية أخوض “معاركي” وأعرف أنّها بمفهومها الإبداعيّ “معارك” رمزيّة… ولكنّها في آن توازي “المعارك العسكريّة” التي يخوضها عادة كلُّ انسان مقهور تحيطهُ جدران بآلاف القضبان…
س10: الجميع في فلسطين يستنشقون الحرية رغم الإحتلال ويعيشون الحياة رغم الموت . من فضلك متى شعرت بمثل هذا الشعور ،هل كان شبابك أدرى أو شيخوختك أعلم ؟؟
ج10: أنا يا شاعري!!! طفل الصَّباح…
أتَشَمَّسُ تحت الظّلال على ضفاف نهر القصيدة…
لكلّ صباح لي حكاية… رغم أنّ الشُّروق واحد…
أنسج مع كلّ إشراق جديد، حتّى من أحلامي المحْبطة، أنسج نهارا عاليا فوق بحر حيفا العاري…
ليرتاح العسل في جِرارهِ… نورسا مُحَلِّقا ينتظرني:
أن أُديرَ المفتاح الذي وَضَعْتُهُ في القفل كي أكتب القصيدة… غدا له في القلب منزلة… أنّي حين لا ألقاهُ ألْقاهُ…
أعلى النموذج