إشراقات أدبيةالقصة

” خزانة عشق : بقلم الكاتبة : هالةالمهدي “

قصة قصيرة
بقلمي هالةالمهدي

خزانة عشق.

_إنتبهي قد تكسرين الطبق في يدك.
هكذا نبهتني إبنتي وهي منزعجة لرؤيتي أغسل تلك الأطباق في حوض المطبخ
_أمي ما بك؟ قد تؤذين نفسك
لم تكمل جملتها حتي وقع الطبق علي ثلاث أطباق أخرى في الحوض فانكسر الجميع محدثا صوتا هائلالم أسمعه من قبل، نظرت للأطباق المحطمة وقد غابت ذاكرتي في غياهب جب بعيد،
يوم تعالت زغاريد أمي بقدوم خاطب قد إتفق معه أبي علي كل شيئ، شاب مكافح دمث الأخلاق ذو مستقبل مهني يمكنه من إعاشتي في نفس مستوى أسرتي، والواقع أني قد رأيته بعيني والدي الإثنين، فتلك هي خصائص زواج الصالونات كما يريدون.
مرت بمخيلتي لحظات إنتقائي لتلك الأطباق والأطقم والملاعق والسكاكين و الكاسات المذهبة، وذلك الصيني ذو الإطار المزخرف بألوان مبهجة، وذلك الدورق الكريستالي الملون، ثم تلك المجات والأواني التي قمت بإختيارها بعناية وحب ربما أكبر من موقف إختيارى لخطيبي نفسه، فلم أدرس أخلاقه وطبعه بعد، فتركت الأمر للعشرة والمودة بعد الزواج كنا نصحتني أمي، أما تلك الرفايع، فقد إهتممت جيدا بدراسة شكلها وزخارفها وألوانها بولع شديد، لم أختر طبقا إلا وقد وقعت في غرامه، ولا شوكة الا وقد غازلتها، ولا كأسا إلا وقد تلاقت نظرتانا بحديث رومانسي يعبر عن عشقي له، نعم إبتعتهم بعد أن وقعت في شباك علاقة مقدسة قد ملأت قلبي وعقلي وسلبت لبي،
قفزت بي مخيلتي ليوم فرش بيت عرسي وكيف أني حرصت بعد مشاجرة، علي الذهاب بنفسي مع أمي ونساء عائلتي لفرش شقة العرس، رغم الأعراف المتداولة في مجتمعي أن العروس تكتفي بتوجيه أمها وأخواتها بتلك التعليمات فقط وعليها أن تهتم بشأنها الخاص كعروس في تجهيز نفسها وشعرها وملابسها ومعنويا لليلة العرس كأميرة متوجة، وافقت أمي تحت ضغط من أبي بعد أن لجات إليه باكية أنني لابد وأن أضع كل تفصيلة في بيتي وبلمساتي أنا، وبعد أن وصلت بيتي المستقبلي في منزل عائلة زوجي علمت بأن أبي الحبيب قد اتخذ إجراءات صارمة فقد أمر خطيبي بأن يرحل عن بيت عائلته هو وشباب عائلتهم فلا يبقي شاب أو رجل واحد في بيت العائلة وحتي أتم المهمه المقدسة في أقل وقت ممكن دون أن يلمحني أحد،
فأخذت أرتب النيش يكل تفاصيل وشغف شديد وكأني أرتبهم داخل شغاف قلبي المتقد بعشقها.
لم أر يوما كجمال ذلك اليوم وانا أقف أمام النيش أحتضنه وقد انطلقت مني دمعتان ربما فرحا به وربما لفراقه بضع أيام حتي تنتهي مراسم العرس،
مرت مراسم عرسي بشكل تقليدي جدا، وعدت لخزانة أدواتي الحبيبة أحتضنها كل صباح أعيد ترتيبه كل بضع أيام بشكل جديد، وأنفض عنها التراب، وألمعهاوأحذر زوجي من الإقتراب منه حتي لا يؤذي مشاعري ومشاعر كنزي الثمين.
مرخمس وعشرون عاما بزواجي لم يعكر صفو هدوئي النفسي سوي تلك المأدبات التي كان يقيمها زوجي بين الحين والأخر في مناسبات كرمضان والأعياد وغيرها من مناسبات العائلة، ولست بخيلة لأرفض ذلك لكنه زوجي الذي كان يطلب مني إخراج أحبائي وعائلتي المقدسة لتلك المناسبات فنتشاجر ثم في الصباح الباكر أخرج لشراء أوان جديدة أقدم فيها الطعام لضيوفنا عوضا، فلا أحتاج لأن أفتح كنزي الثمين لهم،
كنت أرى نظرة زوجي المتحسرة وكأني أستبدله هو بخزانتي، ثم سرعان ما ينسي، فما أشتريه كان قطعا عادية لا فن فيها ككل قطع اليوم بلا ذوق ولا فن.
إتهمت إبنتي الطبيبة بالحمق عندما حاولت أن أشتري لها ذلك الكنز لشوارها فرفضت قائلة
_لا يا أمي قد اتفقت مع خطيبي علي شراء ما يلزمنا لمطبخنا فقط فما لنا طاقة لننفق نقودنا في أشياء نحتفظ بها، وكلما احتجت لشيء قد أشتريه بموديل حديث فلا يسبب لي عبئا لا طاقة لنا به في مقتبل حياتنا.

عبئا؟؟ تلك الفتاة الحمقاء لا تفهم قيمة العشق الذي بين المرأة وكنزها، سوف تندم بالتأكيد بعد زواجها، عندما تنظر لخزانة مقتنياتها فتجدها خاوية.
ثم قفزت بي مخيلتي لهوة سحيقة من ذاكرتي لتقف بي أمام مشهد زوجي وهو جالس في حجرة الطعام يزدرد طعامه الذي اعددته له في أطباق من أجود أنواع الميلامين التي تحايلت لشرائها وحتي لا أضطر لإخراج طبق من أطباق عشقي، ظل يختلس النظرات متنقلا بين طعامه وأنا قبالته في مواجهة خزانتي، تذكرت الآن.. لم أسمح يوما لأحد أفراد أسرتي أن يجلس علي مقعدي علي طاولة الطعام ولا حتي زوجي، لم يكن يفطن أحد لأسبابي لكنني تعمدت ذلك حتي أختلس نظرات عاشقة لمحتوياته من خلف الزجاج واستمتع بها كلما سنحت لي الفرصة لرفع رأسي محدثة أحدهم.
لمحت زوجي ذلك اليوم بشكل عابر وهو يختلس النظرات لي فلم أساله عما يشغله، كعادة زوجي فقد تعودنا منذ زواجنا أن يأت هو ليحدثني فيما أهمه، وكدره، ورغم أن الحديث بيننا كان دائما مشوب بالخلاف فسرعان ما ينتهي بأن ينهي زوجي ذلك الشجار المرتقب بطلب منه أن نتناسي ما بداناه حتي لا يشعر بنا أحد الأبناء.
اليوم طالت فترة الترقب وكل منا قبالة الآخر يأكل في صمت، لم أصمد لتلك اللحظات وتذكرت منذ شهرين أخر شجار لنا وقوله لن أناقشك مرة أخرى، سأعتبر أنك لا وجود لك في حياتي، بعدها بيوم واحد عاد لمصالحتي بخاتم ثمين وكأن شيئا لم يكن، لكنه اليوم قد أثار غموضه شيئ في نفسي، تمالكت نفسي بعد تردد طويل وإستدعيت كل حروف الكلمات حتي أسأله ما بك.. أحك لي
وياله من سؤال اثار دهشته فترك الطعام ليسألني إن كنت مربضة؟ هل يرسل في طلب الطبيب؟
أجبته بهدوء بل رأيتك تقدم وتؤخر الكلمات قبل أن تنطق بها فما بك؟
وإذا به يترك طعامه ويتركني في مواجهة الخزانه وحدي، لحقت به، وأعدته لمقعده وكررت نفس السؤال ليطلق علي حديث كالصاعقة
_خمس وعشرون عاما قضيتها معك لم تسأليني يوما عما بي، خمس وغشرون عاما كان ذلك سؤالي أنا واحتوائي لكل تفاهاتك وأهتماماتك، والتي كانت رغم تفاهتها إهتمامي الأول، خمس وعشرون عاما قضيتها زوج دون زوجة.. اليوم تسألينني ما بي؟ تزوجت!!!!
ظللت أنظر اليه بلا مشاعر، تزوجت؟ لست أدري ما حدث بعد تلك الجملة،
تظنون اني بكيت؟ فقدت الوعي؟ لا… بل نظرت إليه صامته بلا مشاعر، جمدت كما أنا جامدة.. تصلبت نظرتي في عيننيه لأرى فيهما عيني رجل آخر لا أعرفه، وهل كنت أعرفه يوما؟ هل إهتممت بمعرفته؟ لم أحاول يوما أن أسأله ماذا يحب أو يكره، هل كان زوجى حقا؟
طالت فترة الصمت ليقف قائلا
_أعلم انك لن تتأثري بما قلت وبغيابي، ولذلك قررت الرحيل لأعيش مع زوجتي، لسنا صغيرين لأنازعك حقوقك، سأترك لك كل شيئ، وتركني في مواجهة خزانتي أنظر اليها بلا هدف واضح.
_أمي لقد جرحت يدك بتلك الأطباق،دعيني أقطب ذلك الجرح فقد نزفت يدك دماءا غزيرة.
أمسكت بيدي تطهر وتقطب الجرح، وهي تسألني في دهشة
_منذ متي وأنت تخرجين أطباقا من خزانتك الثمينه؟
كيف طاوعك قلبك بعد ذلك العمر؟ أدرك حزنك علي أطباقك، ليتك ما أخرجتها، أمي ما بك؟ أحدثك!!!!
تثاقل لساني الذي شعرت أنه لم يتحرك منذ شهور للحديث ومنذ أن رحل زوجي، لم ينطق لساني ولم أحدث أحدا من يومها،
أعادت إبنتي سؤالها مشفقة علي
لم أجد سوي كلمات مقتضبة
_ليتني أخرجتها ،…. وليته بقي.
#بقلمي
#هالةالمهدي

المحرر الصحفي: عوض خلف عوض

مراسل صحفي في صحيفة نحو الشروق مدير في شركة سياحية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى