المقال

خـــــــــــــــــــــواطـــــــــــــــــــــر فكـــــــــــــــــــــــريـــــــــــــــــــــــــــة 4 بقلم: “محمود احمد الورداني”

للتــــــــأمـُــــل و الأهميـــــــــــة و المـُنــــــــــاقشـــة …
***** خـــــــــــــــــــــواطـــــــــــــــــــــر فكـــــــــــــــــــــــريـــــــــــــــــــــــــــة 4 *****
مُنذ عدة سنوات هُناك سؤالاً ينثال على ذهني و لطالما يطرأ في مخيلتي كثيراً ، و قد رأيتُ في هذه الساعة أن أطرحه أمام الجميع و لنتشارك في الرأي و المشورة معاً فيه .
و السؤال بإختصار شديد و إيجاز واضح هو :
أيهُما أقرب للإنسانية جمعاء .. بأن نكون أُناس بلا عقل أم نكون حيوانات بعقل ؟ ! ..
و قبل أن أجيب أنا أو يُجيب أحد عن هذا التساؤل الإستفزازي الصعب في محتواه الفكري الشخصي أو الساذج على المستوى العام ، أود أن أوضح بعض الأشياء التي جعلتني أتلو هذا السؤال هُنا في هذا المنتدى الكبير ، الذي يضُم أغلب فئات و عناصر و شرائح المجتمع الإنساني من جميع الأقطار العربية و الدولية من مختلف الجنسيات و الأجناس و الأديان و الأعراق و الألوان و الأعمار حتى نستطيع معاً الوصول إلى حل مناسب لهذه الإشكالية الذهنية و هذا الإستفهام الشائك .
أولاً : كما قُلتُ أنفاً في بداية مقالي هذا إنه قد طرأ هذا السؤال في عقلي كثيراً منذ بعض سنوات من دلفي هذا المجتمع الرقمي ، و قد زاد بقوة في هذه الأيام ، و قد جعلني حائراً في هذا العالم الإفتراضي الذي أصبح لا يرى أحد أو يسمع من حوله إلا من خلال تلك التكنولوجيا و التقنية الحديثة و فقدنا فيها روحنا النقية و سُلبت منا معرفتنا الإنسانية الراقية و ضاعت في غياباتها ثقافتنا العربية الحقيقية وسط هذا الزخم من وسائل التواصل الإجتماعي ، و التي تدخلت بقوة و عـُنف في حياتنا اليومية و التي زاد التعامُل معها بشدة في العقدين الماضيين .
ثانياً : إنني أعلم أن بعضاً ممن سيقرأون هذا الموضوع الهام لسوف يتخذوا منه موقف الساخر و المستهزء بهذا الشأن ، و منهم من سيولي ظهره بعيداً و يتجاهله ولا ينظُر إليه بقلبه قبل عينيه و سيهرب من مناقشته الجادة ، و منهم من سيتهمُني بالسذاجة أو الجنون بمجرد بأن يضع مقليتيه على رأس السؤال الموجه في هذا المنشور ولا يُفكر فيه و لو بعض لحظات و يتأمل ما جاء به ، لذلك أرجو من الجميع التروي و التأني قبل أن يُعقب أو يحكُم على قلمي بدون وعي أو إدراك لهذا المقال .
ثالثاً : قد يتساءل النفر القليل من الناس عم من هُم المقصودون بهذا السؤال الغريب الذي طرحته ، هل هُم الأصدقاء الموجودين في قائمة كل منا في صفحاته الشخصية أم هُم الزملاء في العمل و الدراسة أم هُم الأقارب و المعارف و من له بنا صلة الرحم و الجيران و غيرهم من المقربين لنا أم أُناس آخرين بشخصهم أوجه إليهم هذا الكلام بعينه ؟! .
و الحقيقة .. إنني عندما فكرت و طرحت هذا السؤال الغامض كنت أنظر إلى كل البشر من أنحاء العالم سواء العربي أو الدولي و الأحق بأنني كنت أقصد بالفعل حال وطننا العربي خاصة و مجتمعنا الإنساني بصفة عامة ، و كنت أريد – و يعلم الله وحده هذا – بأن أوضح للجميع في كل مكان من هذه الأرض إننا أصبحنا الأن – و بصراحة مطلقة – كالألة الحاسبية أو كهواتفنا المحمولة بكافة أنواعها و أشكالها و التي أضحت تتحكم فينا و بمصيرنا بشكل أسرع مما كنا نتوقعه ، و هكذا حياتُنا ما أنفكت مجرد أصابع بلاستيكية و أعضاء خشبية يعبث بها من هو أقوى منا و أشد هيمنة علينا ، سواء كان هذا الجهاز الإلكتروني الذي نحمله أو أحد مراكز الدولة بحكوماتها و إدارتها أو بعض رؤساء الأعمال التي تتحكم فينا و في معيشتنا و كأننا رجعنا لقرون ماضية من عصور الرق و العُنصرية القديمة و فرض سياسة التميُز و التفرقة بين الناس جميعاً ، و صرنا و ظللنا مع مرور الوقت تحت وطأة الظروف الخاصة و التي جعلت هؤلاء البشر المسيطرون يتلاعبون بنا كقطع الشطرنج على رقعة الحياة ، و أصبحنا على شفا هاوية الإنحلال و الإنحراف الخـُلقي و الإجتماعي و بقيت قلوبنا الطيبة تتأرجح كبندول الساعة بين هؤلاء و هؤلاء خوفاً و فُرقاً من أي خطأ و لو بسيط قد يؤدي معه في أي لحظة إلى لطردنا و ضياع قوتنا و عملنا و نفقد مصدر رزقنا و عيش أولادنا و تشريد أسرانا جميعاً و مع كل ذلك نظل نسوم في كل يوم بل في كل ساعة سوء العذاب و ألوان من الذل و المهانة ، و أضعنا من أطرافنا مع هذه التكنولوجيا و هيمنتها القاتلة كل وسائل السعادة و الحب الصادق و الحرية و الثقة و الإيمان و السلام ، و حتى الثقافة حولتنا من أصحاب الفكر و الأقلام الرائعة و الإبداع الحقيقي إلى أصحاب الأيدي الجيلاتينية و مجرد محرك بحث في أي موقع من المواقع التكنولوجية مثل [ جوجل كروم و الفيس بوك و الأنستجرام و الإيمو و التوكتوك و التويتر و اليوتيوب و غيرها من هذه الأشياء المدمرة ] ، ولاغينا من عقولنا و وعينا متعة القراءة الورقية و لذة الكتابة بمداد حبرنا و أقلامنا الحرة النقية ، و أصبح كل منا عالمه الخاص و المحدود و بقي رقيب على نفسه أحيانا أو يتلصص على غيره ممن معه أو أي كان سواء عضو في مجموعة ما أو عبر صفحات أخرى غيرها بضغطة زر أو لمسة من جهازه المحمول ، و صار مع الوقت في منأى و معزل عن الأخرين ممن معه في المنزل أو العمل أو الدراسة أو في أي مكان آخر . هذا بالنسبة للشق الأول من السؤال و هو هل نحن أُناس بلا عقل ؟! .
و إذا نظرنا و ولينا وجهنا شطر الشق الجزء الثاني من هذا السؤال و هو أن نكون حيوانات بعقل ! . فالواقع إنني أرى – وهذه وجهة نظري الشخصية – بأن الحيوانات و الزواحف و أيضاً الحشرات و غيرها من مخلوقات الله – عز وجل – الأخرى إنها قد تكون أفضل حالاً منا – على الأقل حالياً – ذلك ، لإنها على قدر ما نقول أنها ليس لها عقل – و هو معروف لدينا جميعاً – غير أنها لا تحمل أي مسؤلية قانونية أو جنائية في مجتمعنا الإنساني أو حتى الرقمي هذا الذي نحن فيه ، فهي تتصرف بطبيعتها و كينونتها و فطرتها التي خلقها الله عليها ، و مثالاً على ذلك – للتوضيح فقط – مثل غـُراب قابيل في قصة إبني أدم التي وردت في سورة المائدة و الذي أمره الله بعد قتل قابيل لإخيه هابيل بأن يبحث في الأرض ليُريه كيف يواري سوءة أخيه و لولا ذلك ما كنا عرفنا كيف دفن الموتى و كيف بدأت قصة أول قاتل و أول قتيل في هذا العالم ، يقول الله في كتابه العزيز :
[ و أتلو عليهم نبأ إبني أدم بالحق إذ قربا قـُرباناً فتُقبل من أحدهما و لم يُتقبل من الأخر قال لأقتُلنك قال إنما يتقبل الله من المُتقين ( 27 ) لئن بسطت إلي يدُك لتقتُلني ما أنا بِباسط يدي لأقتُلك إني أخاف الله رب العالمين ( 28 ) إني أُريد أن تبؤا بإثمي و إثمك فتكون من أصحاب النار و ذلك جزاء الظالمين ( 29 ) فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ( 30 ) فبعث الله غُراباً يبحث في الأرض ليُريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغُراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين ( 31 ) ] ، أو كهُدهُد سُليمان الذي جاء إليه بنبأ بلقيس ملكة سبأ و التي كانت تعبُد الشمس من دون الله فأصبح سبباً في دخولها الإسلام كما وردت قصتها في سورة النمل ، و في نفس السورة [ سورة النمل ] كيف كانت نملة صغيرة ضعيفة قد رأت جيش سُليمان قد إقترب منها فنادت على قومها بأن يدخلوا مساكنهم حنة لا يحطمهم سليمان و جنوده و هم لا يشعرون ، و كيف تبسم ضاحكاً من قولها بعد ذلك و شكر الله بأنه علمه لغة الحيوان و الطير ، و هناك الأمثلة كثيرة سواء في القرأن الكريم أو في السيرة النبوية و قصص الأنبياء و المرسلين أو في حياتنا العامة التي نرى فيها حياة بعض الحيوانات و الزواحف سواء بأعيُننا المجردة أو عبر القنوات اليوتوبية أو التليفزيونية مثل قنوات [ ناشيونال جيوغرافيك أو الجزيرة الوثائقية أو برنامج عالم الحيوان ] و غيرها من القنوات العلمية أو الثقافية ، و إن المجال لا يتسع للحديث عن الكثير منها و لكن سوف نفرد لها عدة مقالات أخرى قريباً بإذن الله .
و عود على ذي بدء فإني أعود لبداية حديثي السالف و لسؤالي السابق ( أيهُما أقرب للإنسانية جمعاء .. أن نكون أُناس بلا عقل أم نكون حيوانات بعقل ) و أعتذر لإخواني و أخواتي القـُراء الأفاضل في الإطالة المعتادة هذه ، و نحن الأن في ظل تلك الهيمنة الكُبرى علينا و على عقولنا الناضجة و تلك الثورة الرقمية الحديثة ، و التي أصبحت من أهم قضايا الساعة و التي أضحت تُسيطر على كل عقل في هذا العالم و جعلتنا بالفعل عبيداً لها و أتخذناها كنيسة و معبداً و مسجداً نلوذ به من كل البشر جميعاً حولنا ، و أصبح مجتمعنا الإنساني مجرد أشباح هيكيلية خلف هذه الشاشات اللعينة و أضحنا منفصلين تماماً عن عالمنا الخارجي و عن بعضنا البعض و جعلت إبتساماتنا و أحزاننا و أخبارنا عبرها ولا نعرف ما يدور حولنا في بيتنا و عملنا و حتى ذو القربى و أحبابنا و أصدقائنا الحقيقيون و ذوينا و حتى القاطنين معنا في البيت الواحد لا أحد يعرف عن الأخر شيئاً إلا من خلال تلك التقنية المقززة ، ولا يسلم من عبثها حتى الأطفال الناشئة الذين أهملوا دروسهم و مذاكراتهم و ركضوا خلفها وحتى الكبار إندسوا في حبائلها و تركوا مشاعر الحب الطاهر و الصداقة الوفية و كأنها إمراة لعوبة تُغري من حولها بمفاتنها العفنة و مظهرها البشع و أصبحت كل الأحاسيس الجميلة فينا هباء منثوراً ، و حتى الثقافة الورقية الحقيقية صارت مجرد ملفات و دولايب إلكترونية و علب محفوظة في هاتفنا المحمول ، ولا أحد يعلم أو أنه يجهل بأن كل ذلك لا يفيد أو يجدي معه بأي شئ أو بأي حال من الأحوال ، و صدق الله العظيم حين قال : [ و قدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً ( 23 ) أصحاب الجنة خير مستقراً و أحسن مقيلاً ( 24 ) ] سورة الفرقان .
و بعـــــــــــــــــــــــــــــــد /
و في الختام .. يبقى أن نقول متى سوف نستفيق من هذه الغفوة التي تحيط بنا و السائدة فينا و هل عرفنا بعد من نحن و أيهُما أقرب للإنسانية جمعاء ، هل يكونوا أُناس بعقل أم يكونوا حيوانات بعقل ؟! .
و أخيراً هل سوف نعود إلى رُشدنا أم سنبقى هكذا إلـــــــــــــــــــــــــى أخــــــــــــــــــــــــــر العـُمـــــــــــــــــــــــــــر …
و سوف أتُرك لكُم الإجابة مفتوحة للجميع و إنتظار الردود السليمة من ذو الفكر الناضج و القلب السليم .
هكــــــــــــــــــــــــذا أنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا و هكـــــــــــــــــــــــــــــــذا علمتنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي الحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــاة …
و إلــــــــى لقـــــــــــــــــاء قـــــــــريب بـــــــــإذن الله ….
مع خــــــــــــــــــــــــــالص تحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاتي للجميع / عــــــــــــــــاشق الكلمــــــــــــــــــــــــــــات / محمود احمد الورداني

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى