زهرة و قطرة ندى. قصة للكاتب وائل السعدني
زهرة و قطرة ندى…
مرت سنوات على هذه القصة…
كانت هناك زهرة جميلة في غابة بعيدة عن أنظار البشر، عن أصابعهم التي تقطف كل شيء في طريقها من مثيلاتها من الزهور لا لشيء إلا لكي ينظروا لها و هي تذبل أمامهم كما تذبل سنوات أعمارهم فهم يرون فيها دورة حياتهم من عنفوان و نشاط إلى ذبول و خفوت.
كانت تلك القطرة الجميلة من الندى تزور هذه الزهرة كثيراً و عند قدوم الفجر يلتقيان فيتحادثان كثيراً حتى يأتي ضوء الشمس فتختفي قطرات الندى، أخذت قطرة الندى تحكي لتلك الزهرة عما خفي لها من أنحاء العالم فتحتار من تلك المخلوقات التي تسمى بشراً، كيف لهم و هم في هذا الكون الرحيب أن تكون نفوسهم حبيسة أحلامهم فلا يحققون أحلامهم و لا تنطلق نفوسهم في أنحاء الأرض.
فأخذت تدعوا الله أن ترى هؤلاء البشر لتنشر لهم البهجة و تثير في نفوسهم الفضول لغد أفصل.
فلم تلبث يد الإنسان أن امتدت لتلك البقعة النائية من أنحاء الأرض فإذا به يقتلع الأشجار و يقتطف الزهور، و ها هي تلكم الزهرة صاحبة القصة تقع بين أنامل شابة صغيرة السن حسنة الوجه ذات روح تواقة للجمال، فأخذت تلك الشابة الجميلة زهرتنا و وضعتها في إناء صغير به بعض الماء و ملعقة من السكر و أخذت تراقبها كل يوم.
لم تعرف تلك الفتاة أن الزهرة تراقبها أيضاً و أنها وجدت فيها ما كانت تتمنى أن تلقاه من صنوف البشر، وجدت فتاة ترقص فرحاً و تبكي ألماً، وجدت فتاة شغوفة بالحياة و لكن عثرات الزمن ترجعها بعد تقدمها خطوة لخطوات سابقة قد خطتها من قبل.
– مالي أراكي حزينة في كثير من الليالي و فرحة في القليل منها؟
قالت الزهرة تلك الكلمات للفتاة فنزلت على الفتاة كصاعقة ضربت الأرض على حين غفلة فإذا بالناس كتماثيل بلا روح من هول الصدمة.
– أتتكلمين كما يتكلم البشر أيتها الزهرة الجميلة؟
– فردت عليها الزهرة أنها تتكلم في عقل الفتاة و تحادث روحها و لذلك فهي تسمعها.
قالت الفتاة للزهرة: أحزن كما يحزن الجميع و أفرح كما يفرحون.
– فقالت زهرتنا للفتاة: و لم الحزن و قد أعطيتم ما لم يعطه أحد من المخلوقات، فأنتم تفكرون و تتحركون و تبنون و تعمرون مع أن منكم من يهدم و يفسد و لكن الكثير منكم لديه نزعات دفينة في قلبه لفعل الخير و يحاول.
فقالت الفتاة: أين هؤلاء الذين يريدون الخير لهذه الأرض؟
فقالت الزهرة: هم في كل مكان و لكن لا يملكون قوة للتحرك للضرب على أيدي المفسدين، هم يتمنون فقط و لا يفعلون لأمانييهم أي شيء لكي يكون واقعاً، الفرح قريب منكم أيها البشر و لكنكم تتكاسلون عن الوصول إليه فيكون الشر أقرب لكم فتقعون. فيه.
قالت الفتاة للزهرة: ماذا تريدين مني أيتها الجميلة ذات الرائحة العطرة؟
فقالت الزهرة: أريد أن أرسل للبشر رسالة من كل زهرات العالم قد اخبرت بها قطرة ندى من قبل فحذرني من عدم اهتمام البشر لرسالتي، فقلت لها سأفعل و أرسل الرسالة حتى لو ذبلت أوراقي جميعاً في سبيل ذلك.
كونوا مثلنا نفرح القلوب و الأرواح بمنظرنا و تمايلنا في البساتين و الحدائق و الغابات، لتجعلوا من العطاء سبيلاً للوصول لغاية الكون و أهدافه، فلن تستطيعوا أن تعيشوا في بيئة الفساد طويلاً فانفضوا عنكم كل هذه الروائح الكريهة و ارجعوا لعطر الزهرات كي تنشروا أعمالكم الصالحة و احلامكم الندية.
سمعت الفتاة تلك الكلمات و تمعنت فيها طويلاً فإذا بها تتحول من فتاة عادية في قرية نائية إلى سفيرة لرسالة الزهرة في آفاق الأرض.
كثير منا نحن البشر لم يهتم بهذه الفتاة و بعضنا أرغمته روحه النقية إلى اتباع الفتاة و رسالة زهرتها، فتحولت الأرض لساحة من فريقين، فريق يريد أن يسير نمط حياتهم كما هي من فساد و فريق يرى أن التحول للخير سبيل جميل للوصول لغاية الحياة و نضارتها.
و إلى الآن تتحادث الزهرة مع قطرة الندى عن رسالتها للفتاة و كيف حولت زهرة بعض البشر إلى زهور مثلها.
وائل السعدني