سلسلة أحمد شوقي من إعداد الكاتب كروشي يونس
سلسلة أحمد شوقي من إعداد الكاتب كروشي يونس
الحلقة الرابعة
العودة إلى الوطن
عاد شوقي إلى الوطن سنة 1920م، وإستقبله الشعب إستقبالا رائعا وإحتشد الألاف لتحيته ، وكان على رأس مستقبله الشاعر الكبير “حافظ إبراهيم” وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م ، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء ، فمال شوقي إلى جانب الشعب ، وتغنى في شعره بعواطف قومه وعبر عن آمالهم في التحرر والإستقلال والنظام النيابي والتعليم ، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجل فيها مشاعر الوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال ، لقد إنقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائر المغرد حريته ، وخرج من القفص الذهبي ، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين، فحين يرى زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم ، و المحتل الإنجليزي لا يزال جاثم على صدر الوطن ، يصيح فيهم قائلا:
إلام الخلف بينكم إلا ما ؟
وهذه الصجة الكبرى علاما؟
وفيم يكيد بعضكم لبعض
وتبدون العداوة والخصام؟
وأين الفوز ؟ لا مصر إستقرت
على حال ولا السودان داما.
ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر ، فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول . ولما إكتشفت مقبرة توت عنخ أمون وقف العالم مندهشا أمام آثارها المبهرة ، ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر ، حين يحرك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقي والطموح ، فنظم قصيدة رائعة مطلعها:
قفي يا أخت يوشع خبرينا
أحاديث القرون الغابرين
وقصي من مصارعهم علينا
ومن دولاتهم ما تعلمينا.
وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر ، فنظم في “نكبة دمشق” وفي “نكبة بيروت” وفي ذكرى إستقلال سوريا وذكرى شهدائها ، ومن أبدع شعره قصيدته في “نكبة دمشق” التي سجل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الإحتلال الفرنسي ومنها:
بني سورية إطرحوا الأماني
وألقوا عنكم الأحلام ألقوا
وقفتم بين موت أو حياة
فإن رمتم نعيم الدهر فأشقوا
وللأوطان في دم كل حر يد
سلفت ودين مستحق
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة تدق
ولم تشغله قضايا وطنية عن متابعة أخبار دولة الخلافة العثمانية، فقد كان لها محبا عن شعور صادق وإيمان جازم بأهميتها في حفظ رابطة العالم الإسلامي ، وتقوية الأواصر بين شعوبه ، حتى إذا أعلن “مصطفى كمال أتاتورك” إلغاء الخلافة سنة 1924 وقع الخير عليه كالصاعقة ورثاها رثاء صادقا في قصيدة مبكية مطلعها:
عادت أغاني العرس رجع نواح
ونعيت بين معالم الأفراح
كفنت في ليلة الزفاف بثوبه
ودفنت عند تبلج الإصباح
ضجت عليك مآذن ومنابر
وبكت عليك ممالك ونواح
الهند والهة ومصر حزينة
تبكي عليك بمدمع سحاح.