المقال

سلسلة أحمد شوقي من إعداد الكاتب كروشي يونس

سلسلة أحمد شوقي من إعداد الكاتب كروشي يونس
الحلقة السادسة
الشخصية الشعرية……؟؟؟
اجتمعت عوامل مختلفة على خلق تلك الشخصية الغريبة ، فانسجمت حينا وتنافرت أحيانا ، فبدت نفسية شوقي من خلالها مظطربة حائرة في أغلب نواحيها ، فلما توحد نزاعاتها وجهة مسيطرة.
ولد شوقي وفيه المؤهلات الشعرية ما كان كفيلا بإيصاله إلى إمارة الشعر غير مدافع ، فقد توفرت له عناصر العبقرية من أصوله الأربعة فكان له ذلك كتكثيف لعناصر الإنسانية في نفسه ، مهره من قوة الإشعاع ما وسع نطاق شعره في مختلف الوجوه ، وكان من المواهب الطبيعية خير حافز على تسنم ذرى الشعر : فهناك ذاكرة فريدة تذخر له الكثير مما يعي ويقرأ ، وهناك نفس طماحة تأبى عليه إلا مجاراة الكبار من الشعراء في مختلف عصورهم وحضاراتهم وأغراضهم الشعرية ، كل هذا إلى إعتداد بالشاعرية ، وضيق مال بشوقي إلى كثير من التزلف والمداورة.
وتأدب شوقي بآداب العرب ، فأخذ من كل شاعر أفضل ما عنده : فراقة ألي نواس مثلا وصف الخمر والغزليات ، وراقة من البحتري صفاء الخيال ودقة الصور وجمال الوقع و الموسيقى ، وأعجبه من أبي تمام والمتنبي إحتفالهما لمعاني الرفيعة والسعي في إصابتها ، ولو بجهد النفس ، وشيوع الحكمة والأمثال في شعرهما، كما أعجبه منها قوة الشخصية التي تتقيد بغل، بل تصب معانيها في قوالب قد لا تتسع لها ، من غير اكتراث لغموض أو اضطراب تعبيري.
واطلع شوقي على الأداب الغربية ولاسيما الفرنسية منها، فأراد التشبيه بلا فونتين في أمثاله، وبموسيه في صراحته المؤلمة ، وبلاموتين في غزله المائع ، وبكورنيه في بعض النواحي في رواياته الثمتيلية ، والأظهر أن أشد الشعراء الغربيين تأثيرا على شعر شوقي إنما هو فكتور هوغو ، سيد الرومانطيقية المطلق ، النافخ فيها من روحه الوثابة ، ولسان الوطنية الناطق ، وصوت فرنسية الصارخ في بوق الحرية ، وقد كان لكل ذلك أثر بعيد في شعر شوقي.
ورأى شوقي في الفرنسية من حرية الدين والفكر ما أوسع صدره لجميع الديانات ، على استمساك شديد بدينه ، ورأى في الحواضر الأوروبية ، ولا سيما في باريس ، من حب الحياة والحرية والعلم ما كان له أقوى أثر في شعره ، فعاد إلى وطنه يريد نشر تلك العقائد بين أبناء أمته.
وعاش شوقي في عصر مليء بالحوادث السياسية الخطيرة ، فكان في شعره صدى عميق لمختلف السياسات التي تتجاذب القطر المصري والأقطار العربية، فهو في البلاد شاعر البلاط وسياسي الأمير ، وهو بين الشعب شاعر الشعب وسياسي القومية المصريه العربية .
فالثقافة الواسعة التي تثقف بها شوقي ، والسياحات الطويلة التي وسعت معارفه الإجتماعية ، و الأحوال السياسية التي تقلب فيها ، ومواهبه الشعرية وطموحه إلى مجاراة كل ما نظمه الشعراء فدماؤهم ومحدثوهم ، ثم ميله إلى الزلفى ، كل ذلك جعل من الرجل شخصية مزدوجة معقدة تتأرجح حائرة في سبيل الأدب وتظرب حائرة في سبيل السياسة.

نقلا عن سلسلة الأدباء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى