المقال
سلسلة : ” حديث النفس ” بقلم: “إدريس جوهري”
سلسلة : ” حديث النفس ”
منذ سجنت في غرفة مكتبتي في بيتي لا أستطيع الخروج
بسبب انتشار الطاعون الأسود أنا على هذه الحالة منذ شهور ..
أو سنين ربما لقد فقدت الإحساس بالوقت توقف الزمن الجميل
العادي عن الحركة كأن عقارب الساعة لم تعد تشتغل بطارية
الحياة ماتت كل شيء تغير من حولي .. الشوارع فارغة ساكنة
حزينة الدكاكين و المحلات أفلست المدينة أغلقت أبوابها ..
و نامت إلى أجل غير مسمى تنتظر شروق الشمس من جديد
حتى تجمدت نجوم مجرتي .. لم أعتد على هذا الوضع بتاتا
كيف أعيش في بيتي وحيدا بلى مع عائلتي من زوجة وأولاد
لكن حياة بدون روح ولا معنى .. روتينات متكررة متتالية
متعاقبة تعاقب الليل والنهار عشش الضجر والرتابة المملة
رغم أني قطعت جل الأشواط الأساسية بنجاح و مررت
من جميع المحطات الإجبارية ثم ملأت جل خانات الكلمات
المتقاطعة منذ خرجت من رحم الدنيا و أنا أسعى لتكملتها
دائم الركض معلق في البنادول ما بين قطبين ..!! أولهما ..
معاناة في الحرمان من فقر و وحدة و جهل .. وأما ثانيهما ..!!
فوصولي وحصولي وتملكي وامتلاكي إلى كل ما كان ينقصني ..
لكني تراني وسط صمت مدقع رهيب تعصف رياح الخماسين
بفنائه حيث لم أجد ضالتي التي تروي كل ذي ظمأ في الموعد
المحدد المنتظر المرتقب .. أتراها غابت ..؟؟ أم فاتت وماتت ..؟؟
أو لربما تأخرت عنها فرحلت إلى أجل غير مسمى ..؟؟
أو تراني أخطأت المسار منذ الطفولة المنسية ..؟؟
أو لأسباب تقنية في بوصلتي فبقيت عالقا
محصورا مسجونا كزئبق في مقياس حرارة
ما بين مُنْكَتِمٍ ومُضْطَرِمٍ في طلوع و نزول ..؟؟
غائب مُغَيٌَب عن عالمي الخارجي ذلك الفضاء
الفسيح البعيد الأفق الذي لطالما تمنيت اكتشافه
و العيش فيه مع عائلتي .. لكن القيود الترابية الحديدية
أثقلت كاهلي عن الحركة و البحث عنه .. فصرنا نسمع
عنه فقط من قيل وقال ..!! أو يحكى عنه في الروايات
أو من شهادات نادرة لمن سكنوه و لازلت كذلك على نفس
المنوال حال جميع المواطنين الراقدين السالكين الصاعدين
على سلالم الأماني يستفيقون في كل الأيام على فيروزيات
الصباح أو أكاديمية الأنمي على حسب الأذواق والمزاج اليومي
والقطار يسير يتنقل من محطة لأخرى .. تزحف الحلزونات
في روضة في تعليم في تطبيق “حَرْفِي” .. تَقْتَاتُ من مناهج
أكل عليها الدهر وشرب إلا ما تبقى من فتات نجمعه لكسب
سمعة إجتماعية كي لا نفقد “ماء الوجه” ، أو للانتقال
الجيني عبر الأجيال لتلك العصافير التي نحشو
بطونها بما أوتينا من نيرات منيرات أو قشور
وطقوس وبخور للقلوب المسالمة المستسلمة
التي تحرص على حفظ الأسفار وترتيل ما اشتهت
الأنفس من ما لذ و طاب من مزامير أزهار الراحة
وذكريات صور الحنين .. و تهميش الملحميات التي
ترهقها تزعجها توقظها وتخرجها من الموت السريري
وتطرد الأنداد والأغيار من بيوتها ، أهكذا هي إرادة “الرب” !!؟؟
أم تلك “حَاجَته” للتغريدات في روائح الزندقة الإلحادية
الصبيانية المتطفلة على العطور الأفلاطونية البرستيجية
لا لِحُسْنِ معرفة .. وحَذْو آثار سلاطين الميتافيزيقيا ..
في اكتشاف الذات ومفاتيح السعادة ومعاني الوجود
والنَّاسُوتُ .. لكن ابن التراب يفضل التسلية والتشويش
تضييع الوقت في متعة النكران ، يُضْمِرُ سخطاً من وضع
اجتماعي .. وسلوكاً موالياً لما يشتهيه ال”هُوْ” .. فَيُخْرِجُ
السواد القاتم المظلم داخله ليعلقه على شماعة الظروف
والضحية والدستور وقلة حيلته فيعكسه بالتالي
على “صاحب القصر البديع” .. المنزه المبرئ
من اختيارات كتبتها و نشرتها “مَخَالِبُهُ”
و هُوَ في كامل قواه العقلية بعيداً
عن سيف الجلاد .. ثم أرجع و أقول
ليس لي إلا أن ألتفت و أستمع إلى متطلبات
ساكنة مملكتي و تعيين نائب جديد آخر بدل
السابق لعله يكون خير معين و أكثر ولاء وأمانة
وأحسن استشارة في شؤون إدارة البلاد والسياسة
الداخلية و الإصلاحية وتطوير العلاقات الخارجية ..
و إعادة النظر في بنود “السلطنة العميقة” وصلاحياتها
لرفع المستوى الإنتاجي .. لا أنكر أن هذا الوباء الذي
انتشر في المعمورة جعلني أفكر في المواطن ” أنا “
الآخر أكثر حيث كنت أنانيا جدا في ما مضى دائما
أغيبه وأتركه يصرخ يتوجع يبكي يشكي يتألم يحزن ..
لوحده كاليتيم بلا أبوين مع أننا واحد لا نفترق غير
أن الأفاعي النرجسية كانت أقوى .. جعلت مني دكتاتوراً
مع شعبه أما في وسط هذه الجائحة فنحن مرغمون
أن نتضامن نتآزر نتعاون فيما بيننا للخروج من المحنة ..
هل هذه كذلك أنانية ومصلحجية مني .. ربما …!!؟؟
لكن هي منفعة للجميع وإن اختلفت النوايا لكن أقطع
وعدا أمامي وأمام الجميع إن نحن نجونا منها وخرجنا
من الضائقة سالمين آمنين غانمين لأحسنن التعامل
هذه المرة و لأصلحن ما أفسدت فيما مضى و لعل
بادئ ذي بدء إرجاع المظالم إلى كل من يهمه الأمر
و ها أنذا راجعت جميع حساباتي الشخصية من
خصومات وديون وسباب وتجريح وسرقة حتى
الكذب والنفاق والكراهية والخيانة .. المهم دونتها
على دفتر التغييرات الأولوية التي سأقوم بها مباشرة
عندما يختفي هذا الطاعون الأسود و تعود المياه إلى
مجاريها سأطرق جميع الأبواب وأعتذر بصدق وإخلاص
أصحح وأصلح وأبني ما تهدم وانكسر .. ثم طويت دفتري
حينا من الوقت ..!! حتى وجدت يوما حفيدي يلعب به ..
و يطلب مني صنع طائرة ورقية هناك فقط تذكرت
تلك الحروف التي كتبتها يوما ما وأنا في عنفوان
شبابي .. أدرت وجهي إلى الخلف فإذا بي أشم
رائحة ملك الموت يحوم من حولي والطفل يبكي
بين يدي يريد أن يطير .. ” اَ .. ل .. تٌَ .. سْ .. وِ .. ي .. فْ “
@ بقلمي/ إدريس جوهري . ” روان بفرنسا “
15/11/21 Jouhari-Driss
‘The Fool’ by Paolo Puggioni & “I know
everything but myself”. – Frantz Fanon
“أنا أعرف كل شيء إلا نفسي”. – فرانز فانون