سلسلة حوارات: حوار خاص مع الكاتبةالأردنية بيسان الشملتي
عندما يولد الأبداع من رحم المعاناة، عندما تزهر الأرض بعد شتاء باردٍ لا روح فيه ولا حياة، عندما تستطيع التحليق عالياً فسقف طموحاتك تخطى السماء؛ فهنا سيكون لنا حديثاً آخر عن المجد والعُلا والتميز والإبداع مع كاتبة أبهرت القُراء في روايتها (لعلّ) ولعلها تأخذنا معها لنغوص في أعماق كينونتها أكثر.
_هلّا عرفتِ قُراء مجلتنا من تكونين؟.
سأسردُ عليكم بعضًا منّي، بعضًا من بيسان الصامدة الشامخةَ في وجهِ كلِّ من يريد قتلها، وقتل حلمها، ها أنآ الآن أصبحتُ جزءً من عالم لطالما تمنيتُ الخوضَ فيه، أصبحتُ امرأةً لا تنجبُ سوى الحروف، أُمًّا عشرينية لأربعةٍ وعشرين حرفًا أشكلها كما أريد وأتلاعبُ بها بما يُناسب شغفي وحلُمي، أبلغُ من العُمر ستة وعشرون عاماً ، أخوضُ سنواتي بقلبٍ قوي بعد وقتٍ طويلٍ من الخذلان، بدأتُ ولم أكتفي بما وصلتُ إليه، وللحُلمُ بقية؛ فأمّي تنتظرُ بزوغَ حُلمي، في سنواتي القادمة، و سأصلُ لكل ما أحلمُ بهِ بدعائها لي، وأنا الآن أكيدةٌ من أنني سأكونَ ذات يومٍ كاتبة عظيمة يحمل اسمها خمسةَ حروفٍ تروي قصتها ..
الباء بندقية لا تطلقُ سوى رصاصًا يحملُ بداخلهِ بذورًا تزهرُ في كلِّ مكانٍ تَمُرُّه، والياء يمامةٌ تهاجر من مكانٍ لآخر باحثة عن الشغف لتبني لها بيتًا لا يحتوي سوى الحروف،والسيّن سرورٌ بعد عمرٍ من الألم، والألف أنا بيسانُ القويةُ الصامدةُ الشامخةُ صنيعةُ أمّي، والنون نور سيُشرق بعد ليالٍ احتلها الظلام …
_ كيف بدأت نشأتك في طريق الأدب؟
بدأت عام 2011، بنصوصٍ خجولة لا يقرأها أحد، ليأذن الله لي في عام 2019 أن أكون صاحبة أول نصٍ نثري نُشر لي في مجلة دُنيا الوطن، لأكمل ما بدأت به، فقد كنتُ من المشاركين في كتاب ” فوبيا ” أول كتاب ورقي يحمل بين طياتهِ حروفي، وكنتُ من المشاركين أيضاً العديد من الكتب الالكترونية والورقية، وصاحبة نص ” لا أُملك بالضغط” في جريدة الدستور الأردنية، وصاحبة قصة ” خثرة في قلبِ بيسان ” في كتاب يتكلم عن القضية الفلسطينية، والعديد من النصوص والقصص القصيرة ..
_برأيك هل المثقف العربي عنصر فعال في تغيير المجتمع عن طريق كتاباته والقضايا التي يناقشها بها؟
طبعاً، المثقف العربي أهم عنصر من عناصر تغيير المجتمع، فهو الذي يُثير الجَدَل حول قضايا مجتمعية يجب الانتباه لها، وهو الذي يرزع الثقافة أينما حل..
بشرط أن يكون إنساناً مؤدباً بكل ما يطرحه من قضايا وكتابات، فلا ألتفتُ للمثقف الذي يطرح قضايا معينة وهو يفتقر للأدب في الحوار والنقاش وطريقة طرح هذه القضايا ..
_ما الذي يحث قلمك للبوح؟
وبرأيك هل الكتابة بوح عن الواقع، أم هروب للخيال، أم انها شيء آخر نتمناه؟
أنا أكتب حينَ أشعر أنني أُريدُ الكتابة، فلا شيء يحث قلمي على الكتابة سوى إرادتي، فمن الممكن أن أكون في قمة سعادتي أو قمة حُزني ولا شيءَ يَحُثني على الكتابة.
أنا أكتب حينَ أعي أنني الآن مثلاً أريدُ الكتابة أو أنني معبئةً بالكلمات ويجب أن أقوم بتفريغها …
الكتابة بالنسبة لي هي بوح عن الواقع، وتجسيده، فيمكن أن نجسد واقعنا بطريقة أجمل نوعاً ما مما نعيش، أو بطريقة مؤلمة أكثر …
_من هي اليد التي سندت بيسان، وجعلتها هنا؟
نفسي ثم نفسي ثم نفسي، ثم أُمي هي القارئة التي شعرت أنني أكتبُ عنها أيضاً فكانت تقرأ كل ما أكتبهُ بشغف لا حدود له ..
وهنا أيضاً أريد أن أتكلم عن ” الشخص الذي يحتضن كلماتي بكل ما أوتيَ من قوةٍ وحُب، ويفتخرُ بكل إنجازٍ هو لي ويجعله أجمل بمدحهِ، وشعورهِ بأنني أجملُ أنثى تنجبُ الحروف، وتأسرهُ بكل ما تكتب ” …
_الحروب ما تلبث أن تحول جنات الأرض لدمار؛ ما الأثر الذي تركته بكِ الحرب التي جرت؛ وما الذي يبث بك القوة من جديد لتكملي؟
أنا على يقين بأنني إنسانة جبارة، تحملت الكثير وواجهت الكثير، وبعد كل خيبة أمل تُزهرُ بداخلي الأحلام لأبدأ من جديد …
الأثر الذي تركتهُ في داخلي الحروب ..
ندوباً لا شفاءَ منها مهما حييت، بقدرِ قسوتها، وبقدرِ ما جعلت مني في بعضِ الأحيان امرأةً هشّة ..
وقوتي الوحيدة هي الله وقُربي منه..
_باكورة اعمالك رواية ( لعلَّ)؛ هلّا حدثتنا عنها؟
” لعلَّ “، مولودتي الأولى، وفَرحتي بعد سنتين من الجُهد، تحدثتُ فيها عن كل ما أتمنى وجوده في الحبِّ من تفاصيل..
شام ووطن، شخصيتانِ جسدتا الحُب كما أُحب أنا، وكما يجب أن يكون الحُب .
فلا الظروف تعتبرُ حُجةً مقنعة للتخلي عمن نُحب، ولا الأشخاص …
قصة حُب جَرَت أحداثها في سوريا، أثناء الحرب السورية، بين ممرضة وصحفي، كل منهما يعيشُ ظروفاً مختلفةً عن الآخر، في ظلِّ أنني كنتُ أروي قصتهما لـ ” عروة ” أو محمود نصر بطل مسلسل الندم، لطالما كانَ شخصيةً تلفتُ انتباهي لذا قررتُ أن يكون هو مُلهمي في أحداثِ روايتي، فاعترفتُ له بكل ما يخصني، وحدثتهُ عن قصتي..
مع وجود شبه في التفاصيل والصفات بيني وبين هناء حبيبة عروة ، وشام حبيبة وطن ..
إلى أن وصلتُ لنهايةٍ سعيدة وهي الزواج بين شام ووطن، بعد مرورهما بالكثير من العقبات والظروف الصعبة، وأزمة الأُخوة بين وطن وأخيه، وكيف يمكننا تجاوزِ كل ما يمكن حدوثه من مواقف سيئة للحفاظ على من نحب …
لعلَّ، هي ذاتها الكلمة التي نبدأ بها حديثنا حينَ نتحدثُ عن أحلامنا وأمنياتنا أو أشخاصنا المفضلين ..
ثمَّ إنّي كتبتُ في نهايةِ روايتي:
” فكم أتمنى أن أجربَ شعور أنني اخترتُ بطريقةٍ صحيحة، ولو لمرةٍ واحدةٍ في العمر، فلعلَّها تحدثُ يا عروة، لعلَّها تحدثُ لأبدأ من جديدٍ بعدَ مروري في طريقٍ مليءٍ بالخيبات، بعدَ موتِ زهورِ مدينتي، وجفافِ حدائقُ الكلامِ في صدري، ومرورُ فتراتٍ لا أعلمُ للآن كيف مرَّت..
كلُّ ما أخبرتكَ بهِ يا عروة سيبقى مكتوبًا هُنا ولن أبوحَ بهِ لشخصٍ آخر، وستبقى هذهِ الأوراقُ ناقصةً الجزءَ الآخر، وهو لمسُ الشخص المقصود لها، لا أعلمُ المصير الذي ستؤولُ إليهِ هذهِ الأوراق، ومن سيقرأها، لكن إنْ مرَّت الايام ووصلت للشخصِ الذي سيرى نفسهُ بينَ سطورها، أتمنى أن يراني كما أنا، ليس كما يفترضُ في نفسه، وأن يتركَ ظنونهُ جانبًا، ويأخذَ حروفي على محملِ الجد، والأهم من هذا كلَّه أن يحاول أن يشعرَ بي، ولو كانت حروفي هذه لا تعنيه، أو كانَ مجردًا من الشعور…”
” انتهت …”
” 266 ” | ص |
ووضعتُ أقلامي ..
وطويتُ آخر صفحةٍ مما كتبت ..
ووضعتُ ما كتبت بين أيدي الناس …
وبدأتُ رحلة كتابتي لأضعَ مولودي الثاني .. بإذنهِ تعالى ..
_ حدثينا عن نشاطاتك في مجال الأدب؟ والى ماذا تميل بيسان في كتابتها؟
نشاطاتي لا حَصرَ لها، فكل فترةٍ تمر تحملُ بين ثناياها إنجازاتٍ جديدة تُعبرُ عن بيسان..
لديَّ الكثير من النشاطات، فقد نُشر لي نصوص نثرية في مجلات الكترونية، واشتركت بالعديد من الكتب الورقية والالكترونية، ونُشر لي نص في جريدة الدستور الأردنية..
وحظيتُ بالمشاركة بقصص قصيرة في كتب ومواقع ..
وكنت من ضمن فريق تدقيق﮼ لتدقيق كتاب مشترك لأُدباء سوريين، وكتب أخرى ..
ومن ثمَّ أشرفتُ على كتاب لكاتبة فلسطينية وقمت بتدقيقهِ أيضاً، والآن أنا في رحلة تدقيق وإشراف جديدة لكتاب جديد لكاتب فلسطيني ..
أميلُ في كتاباتي إلى كل ما يعبر عني، وكل ما يجعل القارئ يظنُ أن الكلمات التي بينَ يديه تُحاكي قلبه، أو كُتِبَت لأجله، فيرى نفسهُ بين السطور لدرجةِ أن يقومَ بإعادةِ القراءة أكثر من مرة …
_ما الذي ينتظره المجتمع من بيسان؛ وما الذي تنتظره بيسان من نفسها؟
لا أستطيعُ قول ماذا يريد المجتمع مني لأنه هذا السؤال من الأفضل أن يكونَ موجهاً لمن قرأ لي ..
لكنني أستطيع أن أقول ما الذي تنتظرهُ بيسان من نفسها ..
أنتظرُ أن أكون بيسان التي أتمناها دوماً، قويةً شامخة، صامدةً مواجهة..
بيسان المنطلقة، المسؤولة، اللينة، الحالمة، الذكية، المحنّكة، العفوية، المفكِرة، الاستثنائية، الرقيقة ، الوقورة، المستقلة، العنيدة، الداعمة لكل أحد، القارئة في أي مجال…
_ ما الصعوبات التي تواجه كل كاتب في بداية طريقه، وكيف يستطيع تخطيها من خلال تجربتك؟
الصعوبات الطبيعية التي يواجهها أي كاتب في بداية طريقه، هي الُمحبطين، من يبدعونَ بالتقليل مما يكتب …
كيف يستطيع أن يتخطى؟
بالتجاهل ثم التجاهل ثم التجاهل والتركيز على الهدف …
_ كلمة أخيرة منكِ لقراء المجلة؟
سأُعيد تكرار ذات الجملة التي أنهيتُ بها روايتي :
أتمنى من كُل من يقرأ لي:
لا أعلمُ المصير الذي ستؤولُ إليهِ هذهِ الأوراق، ومن سيقرأها، لكن إنْ مرَّت الايام ووصلت للشخصِ الذي سيرى نفسهُ بينَ سطورها، أتمنى أن يراني كما أنا، ليس كما يفترضُ في نفسه، وأن يتركَ ظنونهُ جانبًا، ويأخذَ حروفي على محملِ الجد، والأهم من هذا كلَّه أن يحاول أن يشعرَ بي، ولو كانت حروفي هذه لا تعنيه، أو كانَ مجردًا من الشعور …
إعداد: قمر الخطيب
مني أناقمر ومن فريق صحيفة نحو الشروق كل التوفيق والنجاح