(( سيكولوجيّةُ لُغةِ الخطابِ وصلتها بالمُتَلَقّي)).
بدءًا حينما نتطرّقُ لمناقشةِ هذا الموضوعِ فإنّنا نقفُ على عتبةِ مصطلحاتٍ وجبَ علينا سبرَ أغوارِها حتّى تتضّح أهميّة التّطرّق لها، لتستطيع الإجابةَ عمّا يدورُ في ذهنكَ من أفكارٍ معرفيّةٍ بحسبِ الأيديولوجيا الفكريّة التي تكوّنت لديك أو أسّستَ نفسكَ عليها. فاللّغةُ كوسيلةٌ للتّخاطبِ كما هو معروفٌ هي الوسيط الّذي يلجأ إليه الخطاب للوصولِ إلى السّامع-القارئ/المتلقّي بشكلٍ عامّ، وهذا الوسيط لا بدَّ أن تختلفَ حدوده ومعاييرهُ وأسسهُ وحتّى الهدف منه باختلاف نوعيّة المتلقّي والّذي باعتقادي هو أهمّ موجّهات تلكَ اللّغة، المتلقّي، هو ذاته من يتحكّم بمرسلِ الرّسالةِ / الخطابِ منذ أن يبدأ حرفه الأوّل في خطابه، وعلى هذا فإنَّ أوّل قاعدة إذن هي : مَنْ أُخاطِب؟ تحتَ هذا البند تندرج محاور كثيرة من مثل المحاور النّفسيّة والاجتماعيّة والسّياسية واختلاف الأيديولوجيّات الفكريّة وغيرها .
وتنتقلُ حسب النّظريّات البنائيّة بعد ذلك لتطرق قاعدتكَ الثّانية ألا وهي : لماذا أخاطب؟ أي الهدف أو الرّسالة التي تريدُ أن تؤدّيها وتقدّمها للآخر، حسبَ موقعكَ منه – منبركَ الّذي منحكَ أحقّيّة الحديث بتلك الصّفة، أتقدّمُ جديدًا؟ وهل تستطيعُ أن تلعبَ دورًا مؤثّرًا؟ هل تحاولُ تبسيطَ بعضِ المفاهيم لإيصالها بالشّكل المناسبِ؟ هل محتواكَ يستحقُّ أن يصلَ وماذا سيفعل حينَ وصولهِ.
القاعدة الثّالثة : كيفَ أخاطِب ؟ باختزالٍ شديدٍ أقصد الاستراتيجيّات الّتي تعتمدُ عليها في إيصالِ رسالتكَ إلى المتلقّي وفقًا للعلاقة الّتي تحكمكَ به، قد تختلفُ تلكَ الطّرق، قد يليق بعضها، وقد لا يحقّ لك اعتماد إحداها أو أكثر حسبَ المسافةِ بينكما والموضوع المطروق، من تلكَ الاستراتيجيّات: الاستراتيجيّة التّضامنيّة، والتّوجيهيّة، والتلميحيّة والحجاجيّة، فهل لاحظتَ أنّكَ تميلُ إلى العاطفةِ في خطابكَ أكثر لتؤثّر في المتلقّي ؟ إذن أنت تضامنيّ النّهج، أم أنّكَ تتدرّجُ بالحجةِ والبرهانِ وإثباتِ الحقائق؟ إذن أنت حجّاجيّ الطّريقة كما يظهر. هل تميل إلى التّلميحِ أم تلقي بعض التّوجيهات ؟ لا أريد أن أتوسّع في الطّرقِ والشّرحِ ذلك أنَّ هناكَ دراساتٍ كثيرةً شيّقةً وممتعة قائمة في هذا الباب قد أرشّح لكم مثلاً: استرتيجيّات الخطاب مقاربة لغويّة تداوليّة، لمؤلّفه: عبد الهادي بن ظافر الشّهري، الكتابُ متاحٌ كنسخٍ إلكترونيّة على ما أعتقد .
القاعدةُ الرّابعةُ : متى أخاطب؟ ذلك أنّك يجب أن تمتلكَ فراسةَ تخيّر الوقت المناسب لتقديمِ خطابكَ، حتّى يصلَ في الوقتِ المحدّد ويحقّق الأثرَ المنشود أو المطلوب الّذي قامَ لأجله في الأساس.
القاعدةُ الخامسةُ : وهذه على ما أعتقد القاعدةُ الذّهبيّة بحق: ألّا تطيلَ في مقدّماتكَ وأن تحدّد للمتلقّي ماتريده بكلِ وضوحٍ، وبذكاءٍ تتخيّر أقصر الطّرق لجعل رسالتكَ جذّابة بالنسبة إليه، نحنُ أمّةٌ قائمةٌ على أساس أنّ الكتابَ من عنوانهِ، فإمّا أن تفلحَ في جذبِ المتلقّي بسلاسةٍ ودونَ أن يشعرَ تفاجئهُ أنّك وصلتَ به إلى النّهاية، وإمّا أن يترككَ وقافلتكَ في بدءِ الرّحلةِ ويتّجه لأقربِ مقهى يليق به.
القاعدةُ السّادسةُ : وهي ثاني نصيحة ذهبيّة أقدمها لك بحقّ عزيزي، اجعل خطابكَ تفاعليًّا قائمًا على إثارةِ التّفكيرِ النّقديّ عند المتلقّي، واحذر من النّهايات المغلقةِ الّتي تدفنُ تعبكَ في مقبرةٍ دونَ مشيّعين، كن ذكيًّا واشغلْ المتلقّي حتّى بعدَ أن تتركه فلا يتوقّف بسهولةٍ عن التّفكيرِ في رسالتكَ أو خطابكَ بل يقومُ بإعادةِ توجيهه، تلقّيهِ، نقلهِ، المهمّ أن يبقى نصّكَ حيًّا بعدكَ وبهذا تفهم السّرّ في الخلود الّذي وصلت إليه بعض النّصوص حتّى يومنا هذا.
الآنَ إذن وصلتُ إليكَ وجاءَ دوركَ، اختر ماتشاء وشاركنا مايجود به إبداعكَ حوله من التساؤلاتِ الآتيةِ:
أوّلاً: لو أعدتَ ترتيبَ القواعدِ أعلاه بالطّريقةِ التي تعتقدها أكثر مناسبةً حسبَ أولويّةِ الخطاب فكيف ستقومُ بترتيبها ولماذا؟
ثانيًا: احذف إحدى القواعد الّتي تعتقد أنّها أقلّ أهمّية مع توضيح وجهة نظرك .
ثالثًا : حدّد الجزء الأكثر متعةً في المحاضرةِ مع تعليلِ اختيارك له.
الناقدة والكاتبة: عهود عدنان نايلة
الأردن/سوريا