المقال

صدمة بقلم: محمود أحمد الورداني

للمـُنـــــــــــــــــــــــــــاقشـــــــــــــــــــة و الأهميـــــــــــــــــــــــــــــــة ….

***** صـــــــــــــــــــــــــــدمـــــــــــــــــــــــــة *****

فجأة ، و لأول مرة في حياتي ، لم يعـُد لي رغبة في أن أتكلم أو أتحدث مع أي أحد من المحيطين بي ، سواء كانوا أقرباء أو غـُرباء ، و آثرت الصمت و لزمت السكوت تماماً كالألة البكماء التي أضحت لا صوت لها ولا حِراكاً ، و حين أعود إلى تلك الساعة البعيدة في جـُنح الظلام و أتذكر صدمتي الكـُبرى في أقرب البشر لي ، و معاملتهم القاسية معي و إهانتهـُم لي أمام الجميع ، ولا يـُراعون ألامي و مرضي في تلك اللحظة ، حينها خارت كل قوتي و تهدم أمام مقليتي تمثال حـُبهم في معبد قلبي ، ولا أستطيع فعل أي شئ و أصبت بالعجز و الصدمة معاً منهم و فقدت للتو إحساسي الكبير بهم .

و حين أستلقيت على فراشي و وجدتني أئن و أصرخ بأعلى صوت في حشرجتي كمن هو في مصحة نفسية أو في عيادات الإدمان يـُعالج من أثار المخدرات ، و رأيتني مستمراً في صراخي و نباحي ولا أبالي بأي أحد ممن حولي و الجميع يركضون و بعضهم يهزونني هزاً عنيفاً و يـُقلبونني ذات اليمين و ذات الشمال ، و يـُنادون على إسمي و يحاولون إسعافي بطرقهم التقليدية ، لكن صوتي المرتفع و صراخي قد غطى على ندائهم و كلامهم معي ، و كذلك في تلك الساعة الكئيبة – و لإول مرة أيضاً – يـُتلى القرآن الكريم و الرقيات الشرعية و لكني لا أشعر بهم و كأنني مسني طائف من الشيطان أو مس من الجن ، و أصبح صوتي اللاهث كالزئير الجريح و أستمر صراخي عالياً مدوياً في غرفتي كأنني أصرخ سنوات عـُمري كلها و عذابات حياتي جميعاً في آن واحد ، و أصبحت في تلك اللحظة الرهيبة إنساناً آخر و رجـُلاً جديداً و لم أعـُد هذا الفتى العطوف الذي كانوا عاهدوه من قبل و كان مثالاً للحـُب و المعرفة الإنسانية و الثقافة العربية ، فقد أصابتني – حالة عصبية و هزة نفسية مؤسفة – طوال هذا الليل الأسود ، و أن إخوتي الكبار حولي يـُنادون و يبكون على أخيهم المريض المـُسجي أمامهم و هو فاقد النطق و كان في معزل تام و كأن صوتهم و مناداتهم عليه يأتي من مكان بعيد و هو عنهم في عالم آخر دون عالمهم هذا . و قضيت تلك الليلة السوداء بين صراخي و أوجاعي و دموعي تنسدل على خداي دون توقف ، و كم حاولوا معي و قاموا بأعمال مستميتة كي أستعيد نفسي و لكن صراخي ظل مستمراً كمن يطلب النجدة مما هو فيه ، و ظللت على تلك الحالة بضع ساعات بين الوعي و اللاوعي و بين اليقظة و المنام و أنا لا أدري بأي أحد أبداً منهم .

قد يستغرب البعض ممن سوف يقرأون هذا الكلام و مما حكيت عن تلك الحالة و يزعـُم بأنني أقدم له قصة قصيرة من تأليفي أو أنها مجرد خواطر أو مقالات مما أنشرها هـُنا على صفحتي الشخصية أو المنتديات الأجتماعية الأخرى ، و لكنها – والله أعلم و شاهد على ذلك – بأنها واقعة حقيقية قد حدثت لي بالفعل ، و كانت سبباً في إبتعادي القريب في هذه الفترة الماضية عن الكتابات و القراءات المعروفة عني في هذا العالم الكبير ، و إنني قد تعرضت فعلاً لكل ما حدث و حكيت عنه في هذا المقال
، و كانت صدمتي بالفعل شديدة و مريرة و جعلتني بين عشية و ضحاها كالحي و الميت سواء ، و لعل الدليل القاطع و البرهان الساطع و الذي سوف يجعل الجميع سوف يُصدم بل و يصاب بالذهول عندما يعرف من هو كان وراء تلك الصدمة العصبية و هذه الحالة النفسية التي كنت فيها و الإنفعالات الهيسترية التي عشتها بكل دقيقة فيها ، و هي للأسف الشديد و حـُبي الكبير لها هي أقرب إنسانة لي في هذا الوجود و هي أمي الغالية – شفاها الله و عفاها – نعم هي أمي ، أمي التي قد وضعتني في أحشائها و أرضعتني من ثديهها حليب الصفاء و النقاء مع كل البشر سواء كانوا أحباباً أو أعداء أو أصدقاء ، نعم أمي التي قد ربتني و كبرتني و جعلتني رجـُلاً في محراب هذه الحياة ، نعم هي أمي التي أكن لها الحـُب و الأحترام مجرداً من أي غاية أو أي شئ غير رضاها عني ، نعم هي أمي التي أنجبت لي أشقائي و شقيقاتي الكبار ، نعم هي أمي هي السبب الرئيسي و الفاعل الحقيقي في هذه المأساة التي ذكرتها و القصة التي حكيتها و سبب تلك الصدمة العصبية و الأزمة النفسية التي مرت بي و ذبحت بداخلي كل المشاعر الجميلة و الأحاسيس الرقيقة و جعلتني صريعاً لإحزاني و صراخي في هذه الليلة المشئومة ، ولا داعي لذكر ما فعلته فهي في النهاية أمي و سوف تظل – مهما حدث – أمي إلى أن يشاء رب العالمين .

و الأن و بعد ما عرف الجميع ما حدث لي في تلك الفترة البعيدة و بعد عرض روايتي هذه أمام الملاء لجـُزء من همومي و حياتي الخاصة أمامهم ، أتساءل ماذا يفعل الأنسان مثلي مع من هم و المـُفترض هـُم أقرب الناس لي ، و ماذا أفعل و لمن أبقى بعد كل هذا و إلى متى أظل أنا كبـُندول ساعة الحائط أو تلك الأرجوحة التي يلعب بها الأطفال في منتزهاتهم و حدائقهم ، إنني لا أريد في هذه الحياة شيئاً غير العطف و الحنان و الأحترام و الأهتمام بي ، فلست طفلاً صغيراً في مهد العالم أو عجوزاً كهلاً في دار الأراذل من النساء و الرجال ، و إنني قد حكيت هذا الجزء من حياتي حتى لا يتعرض مثلي في هذا الموقف المؤلم و تلك المشكلة بين الأباء و الأبناء ، و إذا كان الله – سبحانه و تعالى – قد قـُدر لي أن أعيش الأن و أحكي كـُل هذا ، و أعلم بأن هناك الكثير من المشكلات و القضايا الأخرى في مختلف العائلات و الأسر العربية ، فربما يكون ذلك ليكون ناقوساً يدق في أذان الأهل و الأقارب جميعاً حتى لا يؤذوا أبنائهم و بناتهم و أن يفيضوا عليهم بحنانهم و عطفهم المتدفق حتى لا يبكون و يندمون بعد ذلك ، و عندئذ و حين توقع المصيبة و الكارثة بهم فلا يـُجدي البكاء ولا ينفع الندم بعد فوات الأوان حتـــــــــــــــــــــــــى آخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر العـُمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر .

هكــــــــــــــــــــــــــــــــــــذا أنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا و هكــــــــــــــــــــــــــــــــذا علمتنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي الحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاة ….

و إلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى لقــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء قـــــــــــــــــــــــــــريب بــــــــــــــــــــــــــــــــــإذن الله …..

مـــــــــــــــــــــــــــع أخلــــــــــــــــــــص تحيــــــــــــــــــــــــــــاتي للجميــــــــــــــــــــــــع / عــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاشق الكلمــــــــــــــــــــــــــــــــــــات / محمود احمد الورداني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى