المقال

صرخة من أعالي جرجرة بقلم: الأديبة : “فتيحة برابح”

في يوم حار من شهر أغسطس و في ليلة غشاها دخان كثيف أيقظت شجرة الزيتون صديقاتها في أعالي جبال جرجرة و هي تصرخ و تردّد يا جبال أوبي يا جبال كبري يا الله ما هذه النيران التي تشتعل بعنفوان متوزعة هنا وهناك ، إنها تنتشر كالبرق ألسنتها تلتهم بشراهة كل أخضر و يابس ! ..يا رب احفظنا يا رب احفظنا ..
امتلك اليأس و الرعب الشديد تلك الأشجار الحبلى بالثمار البديعة فهي تنتظر موسم الخريف بشغف حيث تلتقي بحبيبها الإنسان مداعباً أغصانها العتيقة و أوراقها الفواحة بعطر الجنان ، و يأخذ منها ما لذّ و طاب من خيراتها.. فهل يعقل أن يقتلها حرقا و قد شَدّت عوده بزيتها النوراني و قَوَّتْ جسدَه الغض ، و هل يمكن أن يخونها و يقطع اليد التي مدّته بالأرزاق ؟ ..
ضجّ صراخ أشجار الزيتون و ضجّ معه عويل أشجار الصنوبر و الحلفاء و الفلين و البلوط ، و ضجّت الدنيا بنواح سكان المداشر و المواشي و الطيور و الدواجن و القردة و الذئاب و الثعالب و النسور .. ، فأين المفر أين المفر و النار مزروعة بكل مكان و بكل الاتجاهات و لهيبها يعانق عنان السماء ؟ صرخوا بعنفوان لاعنين الإنسان أيها الإنسان أيها الأناني الوغد كيف سوّلت لك نفسك أن ترتكب هذا الجرم الشنيع و تحرقنا و تقتلنا أليس لك قلب رؤوف رحيما يا من تدعي الإحسان و الإخلاص و الوفاء ؟ أين عقلك النيّر الذي أنعمك الله به ؟ أيّها الخبيث وكلّنا عليك الله فكل أرواحنا في عنقك يوم القيامة …يا الله أين المفر ؟ نطقت شجرة الزعتر بتوتر و صوت مبحوح هذا ليس إنسانا إنه أكثر من وحش مفترس إنّه لم يرحم أخاه الإنسان ، انظروا إنّه يتقدم بكل وحشية و حقد و يضرم النيران فيه بلا شفقة و لا رحمة فمن أي عهد جاء هذا الحقود ؟ و من أي أصل يمتد وجوده هذا اللئيم ؟ إنه ليس جزائريّاً مستحيل أن يكون حفيد الأمير عبد القادر ..كيف يخدع أخاه ؟.. ها هو الشاب المتخلق جمال بن اسماعيل من مدينة مليانة جاء كي يخلصنا من جبروته ضاربا أروع صور التضامن ، ينادي إخوانه بكل ربوع الوطن طالبا العون و المساعدة ، لقد آلمه أنيننا و نداءنا فهبّ إلينا مسرعا مودعا أمه الحنون يا أمي إنه واجبي أن أكون هناك مع إخوتي في محنتهم … لكنهم غدروا به ، ونكّلوا بجثته و حرقوه أمام أعين الناس ، كلهم مجرمون تلذّذوا بمنظره المشوّه و اِلتقطوا صور السالفي بهواتفهم الغبية و جسمه البريء يتفحم من هول النيران ، فأي منظر أبشع من هذا ؟
أيها الإنسان ما أحقرك ! مستحيل أن تكون من طينة الأمير عبد القادر ، لقد ندمنا أننا منحناك الأوكسجين لتعيش في أمان و سلام لكنّك خنتنا و خدعتنا ، أيّها الرخيص تبرأنا منك إننا ندرك أننا ميتون و أرواحنا تحاسب عليها يوم لا ينفع مال و لا بنون ، و تأكد أنّنا تركنا ذرية من بعدنا ستولد من عروقنا الحيّة المؤمنة برسالتنا في الحياة ، عروق ارتوت من دماء عميروش و سي الحواس و بن بو العيد و دماء مليون و نصف مليون شهيد ، أما أنت فضميرك قد مات مع موت إنسانيتك ، و هيهات أن نحبك و نثق بك ، و هيهات أن نعفو عنك و هيهات أن تسامحك هذه الأرض الطاهرة العظيمة .
بقلم الأديبة : فتيحة برابح ( عطر التراب) الجزائر .

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى