إشراقات أدبيةالمقال

صفات الشخص الناجح بقلم/ربى ريحاني_الأردن

صفات الشخص الناجح
بقلم/ربى ريحاني_الأردن

إذا كنا لا ندرك ما هو النجاح، فكيف يتسنّى لنا أن نحرزه يوماً ما؟ “يقول جون ماكسويل بأن تعريف النجاح يختلف من شخص إلى آخر، ولكن عملية تحقيقه هي ذاتها بالنسبة للجميع. النجاح هو أن تعرف مقصدك في الحياة، وتنمو لبلوغ أقصى إمكانياتك، وتزرع بذوراً تفيد الآخرين. فعندما تنظر إلى النجاح باعتباره رحلة، لن تكون لديك أبداً تلك المشكلة المتمثلة في محاولة الوصول إلى غاية نهائية وهمية.”

ذات يوم كنت في جولة مع فريق الدراجات الهوائية الذي أنتمي إليه في الأردن، وكانت مسيرتنا ذلك اليوم إلى مدينة السلط المعروفة بمرتفعاتها الشاهقة. كان قائد الفريق يسير بمحاذاتي، ورآني أتأوّه من الشدّ العضلي واللهاث فقال لي: عليكِ أن تمارسي بانتظام التمارين ذات المرتفعات العالية، وكلما شعرتِ بأنه لم يعد بوسع قدميك التحمّل، فإن هذا مؤشرٌ بأنك تتقدّمين في صقل مهاراتك.

بدت لي معادلة صعبة للغاية، كيف لي أن أقوم بأقصى أنواع الجهد البدني، وأصل لمرحلة من الشدّ والأنين لكي أرتقي بمستوى أدائي؟ ولكن بالفعل كان هذا صحيحًا، فبعد وقت من التمرين الجادّ أصبحت المرتفعات كما يقولون: “بيس أوف كيك” بالإنجليزي أي سهلة للغاية.

يختلف الأمر في حياتنا اليومية، فالنجاح يأتي مع التجربة والخطأ، ويختلف الأمر في نوع أعمالنا وانشغالنا. لا يوجد وصفة ثابتة للنجاح نقوم بتطبيقها، ثم نصعد أعلى السلم؛ لأن الأمر هنا يعتمد على الشخص ذاته، وكم يبذل من الجهد لتطوير نفسه، وكم يعمل على نقاط قوّته وضعفه ويطوّر شخصيته المدفوعة بالمحفّزات والخبرات والهدف الأساسي الذي يكمن وراء كل ذلك. من المهم أن نعي بأن النجاح هو ليس وضع لائحة من الأهداف نشطبها واحداً بعد الآخر، وهو ليس الوصول إلى غاية ما، بل هو رحلة نسيرها كل يوم، رحلة لا تنتهي إذا تحقّق أمر ما. فعلى سبيل المثال: هل الحصول على شهادة علمية هو قمة النجاح؟ بالطبع لا. وهل تأسيس عمل خاص هو أعلى مستوى من النجاح؟ الإجابة لا كذلك.

قد يبدأ الوصول إلى قمة النجاح بارتكاب الأخطاء والتعلّم منها. فالصواب سيأتي كلما أخطأت وخاصة إذا ما وقف إلى جانبك من يؤمن بك، ويرشدك في كل زلّة وكل إخفاق، على ألا تكرّرها فتصبح عادة لديك. فالتجربة تولّد الخبرة، فلولا التجارب القاسية وأحياناً قسوة بعض الناس في التعامل لما صُقلنا من الداخل وشُحذت مهاراتنا. أحياناً كثيرة يتولد لدى بعض الناس الشعور بالخوف من الفشل مما يجعلهم يهربون من المحاولة، فالتجربة والخطأ هو نجاح بحد ذاته، أم عدم التجربة تجنباً للخطأ فهو الفشل بعينه.

يأتي النجاح مع الإيمان بما نفعل، عندما بدأت عملي في حقل المرأة كان عليّ أن أؤمن بما أفعله، وأؤمن بأهمية التغيير الذي أسعى لإحداثه في حياة كل امرأة أياً كان حالها أو موقعها. كان من المستحيل أن أحقّق أهدافي لو لم أؤمن بها. آمنت بقدرة الحطب على الاشتعال لكي يمنح دفئاً ونوراً لمن يحتاجه. تطلّب هذا الأمر أن أحيط نفسي بمن أثق بهم، وأن أكون أهلاً للثقة لغيري. وهذه قيمة كبيرة جداً، فالثقة يجب أن تخلو من التشكيك ومنح الفرصة كلما حدثت مشكلة ما أو خطأ ما. اليوم نجد أن الناس يبحثون عن شخص أهل للثقة، ويختلط الأمر عليهم بين مَن يدّعون الولاء، ويحاولون خداع الآخرين للوثوق بهم، ومَن يريدون صعود السلّم سريعًا دون انتظار منتقلين من مكان لآخر سعياً وراء المركز.

ثمة اعتقاد خاطئ هو أنَّ النجاح فقط للأشخاص ذوي المراكز العليا، أصحاب النفوذ وأصحاب الأموال الطائلة. هذا المعتقد ربما كان مطبقاً في القرن العشرين، وكان واسع الانتشار في العالم أجمع. لكن يرتبط النجاح الآن بالشخص وليس بالمكان أو المركز. قد يصل فقيرٌ صاحب كاريزما عالية وصحّة نفسية إلى أعلى قمة النجاح قبل رجل تاجر طمّاع ينظر باستعلاء إلى الناس.
النجاح هو من أنت وليس أين أنت، فعندما يكون الشخص المناسب في المكان غير المناسب سيفشل بقوة، ولن يتمكّن من الاستمرار في عمله؛ لأنه ليس حقيقيًّا مع نفسه، وعلى ذلك لن يكون حقيقيًّا مع الآخرين. لن تكون ناجحاً إذا حاولت أن تصير تماماً مثل شخص ما ترغب بتقليده. النجاح هو أن تكون أنت وتنجح في كونك أنتَ.

التواضع وحبّ الناس هما ركنان أساسيان للنجاح. يقول الممثل الشهير دنزل واشنطن في كتابه أفشل بفخر “لا قيمة لأي نجاح أو إنجاز تنجزه دون أن تتحلّى بالأخلاق الرزينة، فإذا ما كان لسانك بذيئاً وتصرّفاتك سيئة، فلن أنظر إليك النظرة التي أنظرها للآخرين المخلصين لأنفسهم، والذين يمثّلون قدوة جيدة لأطفالهم ولبيئتهم.”

لو أردت اليوم أن أتوقف عن عملي وشغفي لتطوير وتنمية المرأة هل هذا يعني أن رحلتي انتهت؟ هل يتوقّف النجاح هنا حيث أريد؟ بالطبع لا. فالرحلة ستستمر، ولكن الطريقة ستتغيّر. ففي كتابه “خريطتك في رحلة النجاح” يركّز ماكسويل على المقصد والنمو والنتائج التي تؤثر بالآخرين وأوجزها هنا بما يلي:

اعرف مقصدك
إذا كنت لا تعرف ما هو مقصدك أو غايتك في الحياة، فلن تعرف الوجهة التي ستقودك قدماك إليها، وحتماً ستقوم بأعمال غير صحيحة. عليك أن تضع هدفاً لكل يوم، وليس مرة في السنة فالمقولة الشهيرة التي مفادها “نحن لا نخطط للفشل، بل نفشل بالتخطيط” لا بد أن نضعها نصب أعيننا؛ لأن العمل الجاد هو ما يقوم به الأشخاص الناجحون وهو الذي يؤتي بنتائج وثمار مفيدة جداً.

يقول العالم النفسي فكتور فرانكل بأن الله خلق كل شخص لغاية معينة. ولكل امرئ دعوته أو رسالته الخاصة في الحياة، وعلى كل إنسان أن ينفذ مهمة محدّدة تتطلب الإتمام. من هنا نعي أنه لا يمكن أن يحل أحد محل الآخر؛ لأن كل شخص فريد وتأتيه فرصة فريدة في الحياة، ولكل منا غاية ومسؤولية خُلقنا من أجلهما.
قد تتساءل كيف يمكن أن أعرف مقصدي؟ حاول أن تحدّد الدافع القلبي لك، ما الذي يحرّك قلبك كلما ذُكر أمامك، هذا ما نطلق عليه اسم الشغف. اسأل نفسك ما هي الموارد والفرص المتاحة لي؟ وهل هناك قصة حصلت معي في الماضي ما زلت متأثراً بها؟ إذا استطعت أن تجيب على هذه الأسئلة، فإنها ستقودك لمعرفة مقصدك.

بلوغ إمكانياتك
عليك أن تثق بإمكاناتك لكي تستطيع أن تبلغ مقصدك، فمن المهم أن يكون لديك الرغبة الشديدة لبلوغها لكي تكون ناجحاً. النجاح يأتي نتيجة ارتقائنا إلى إمكانياتنا القصوى. فالقاعدة الأساسية لبلوغ أقصى إمكانياتك هي أن تعرف أنك تستطيع أن تفعل أي شيء، ولكنك لا تستطيع أن تفعل كل شيء. لذا فعندما تركّز على شيء واحد تتقنه يكون أفضل بكثير من أن تركّز على عشرات الأشياء التي لا تستطيع أن تتقنها جميعها. يتطلّب ذلك أن تركز على هدفك الرئيسي، وعلى تطويرك المستمر لنفسك، كما وعليك أن تنسى الماضي وتركّز على المستقبل.

ازرع بذوراً تفيد الآخرين
الأمر الأخير في رحلتك نحو النجاح هو الثمر الذي يمكن أن تجنيه نتيجة مساعدتك للآخرين. وهل هناك أجمل من أن تساعد الآخرين وتعطي شيئاً لمجتمعك كما أعطتك الحياة! كما أخذت عليك أن تعطي، والعطاء ليس عنوة، بل بالمحبة وفعل الخير والدعم المعنوي قبل أي شيء آخر. فأي بذرة تزرعها ستأتي بثمر، وتذكّر أن البذرة تحتاج إلى أرض خصبة للنمو، وتحتاج وقتاً لتنبت ثم تحتاج للعناية والسقاية والشمس لتصبح ناضجة وتأتي هي الأخرى بثمر. هكذا هي دورة النمو التي تنتج بوجود الرغبة الشديدة في زرع بذرة إنسانية تُحدث فرقاً في بيئتك ومجتمعك.

تشجّع وانطلق بنجاح، وكن أنتَ كما أنتَ، وانظر إلى أعماقك كما يراك الله وليس كما يراك الآخرون. وبينما تسير في هذه الرحلة لا تنس الانضباط والتدريب المستمر والأمانة في كل ما تفكّر وتقوم به. إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ومتى وضعت قدمك على الأرض وقمت بهذه الخطوة فإنك حتمًا ستسير بالاتجاه الصحيح. فهنيئاً لك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى