إشراقات متنوعةالمقال
صلاة الخوف بقلم: “نسرين الزيادنه”
صلاة الخوف
الصلاة هي أعظم ركنٍ من أركانِ الإسلام بعدَ الشّهادتين، ولأن الإسلام دين يسرٍ؛ شرع الله تعالى صلاة الخوف لإضفاء جوٍّ من الطمأنينة والسّكينة في نفوس المسلمين في حالات الخطر؛ كوجود الحروب أو المعارك، أو أي حال تكون فيه أنفس المسلمين مذعورة و وجودهم مهدّد، وليلامس المسلمون روح الوحدة التي لا فراق فيها ولا عداء، وتتم هذه الصلاة من خلال تقسيم المصلين المسلمين إلى مجموعتين، حيث تقوم المجموعة الأولى بالوقوف أمام العدو، أمّا المجموعة الثانية فتقوم بتأدية الصلاة، وفور إتمام الصلاة يتم تبديل المجموعات؛ فتكون المجموعة الثانية قائمة أمام العدو، والمجموعة الأولى تؤدّي الصلاة.
حكم صلاة الخوف
صلاة الخوف صلاةٌ مشروعةٌ في حالة الخوف، وهي من الصلوات المسنونة المفروضة على المسلمين إذا خافوا ولم يأمنوا مكر العدوّ، فالأصل في الصلاة المحافظة على أدائها، لذا أباح الله تعالى أداء صلاة الخوف حفاظًا على أداء الصلاة في وقتها، فقد قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}، كما ورد ذكر حكم صلاة الخوف في السنّة النبوية بأنّها من الصلوات المفروضة، فقد جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: “فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ علَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- في الحَضَرِ أَرْبَعًا، وفي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وفي الخَوْفِ رَكْعَةً”.
واتّفقت المذاهب الفقهيّة الأربعة: الحنفية، المالكية، الشافعية، والحنابلة على مشروعية صلاة الخوف إلى آخر الزمان، كما أجمع أكثر أهل العلم على ذلك بالاستناد على أدلّة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
الأدلة
أولًا: من الكِتاب
قال الله تعالى: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء: 102].
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الآية فيها أمر النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بصلاة الخوف، والأصل التأسِّي به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والخطابُ له خطابٌ لأمَّته.
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه, قال: ((شهدتُ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاةَ الخوف, فصَفَفْنا صفَّينِ- والعدوُّ بيننا وبين القِبلة-, فكبَّر رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فكبَّرْنا, ثم ركَع وركَعْنا جميعًا, ثم رفَع رأسه من الرُّكوع ورفَعْنا جميعًا, ثم انحَدَر بالسُّجودِ والصفُّ الذي يليه, وقال الصفُّ المؤخَّر في نحْر العدوِّ, فلمَّا قضى النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السُّجود, وقام الصفُّ الذي يليه; انحَدَر الصفُّ المؤخَّرُ بالسجود, وقاموا, ثم تَقدَّمَ الصفُّ المؤخَّرُ وتأخَّر الصفُّ المقدَّمُ, ثم ركَع وركَعْنا جميعًا, ثم رفع رأسه من الرُّكوع ورفَعْنا جميعًا, ثم انحَدَر بالسُّجود والصفُّ الذي يليه، وكان مؤخَّرًا في الركعة الأُولى, وقال الصفُّ المؤخَّرُ في نحْرِ العدوِّ, فلمَّا قضَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السُّجودَ, وقال الصفُّ الذي يليه; انحدَر الصفُّ المؤخَّرُ بالسجودِ, فسجدوا, ثم سلَّم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وسلَّمْنا جميعًا)).
2- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما, قال: ((صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاةَ الخوف بإحدى الطائفتينِ ركعةً وسجدتين، والأخرى مواجهةُ العدوِّ, ثم انْصَرفوا وقاموا في مقامِ أصحابِهم مُقبِلينَ على العدوِّ, وجاء أولئك, فصلَّى بهم ركعةً, ثم سَلَّم, ثم قضَى هؤلاءِ ركعةً, وهؤلاء ركعةً )).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلى صلاةَ الخوف، والأصل في الشَّرع أن يكونَ عامًّا في الأوقات كلِّها، إلَّا إذا قام دليلُ التخصيص. وبناءً عليه؛ فصلاة الخوف صلاةٌ مشروعةٌ مباحةٌ يمكن أداؤها عند الحاجة لذلك.
متى شُرعت صلاة الخوف
اختلف العلماء في كون صلاة الخوف كانت مشروعة قبل الخندق، وفي أحد الروايات تبيّن أنّ صلاة الخوف شُرعت في غزوة عُسفان، وكانت أوّل صلاة خوف يصلّيها الرسول الكريم بأصحابه، فقد جاء في نصّ الحديث الشّريف عن أبي عيّاش الزرقي -رضي الله عنه-، أنّه قال: “كنَّا مع النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بعُسْفانَ، فصلَّى بنا الظُّهْرَ، وعلى المشرِكينَ يومَئذٍ خالدُ بنُ الوليدِ، فقالوا: لقد أصَبْنا منهم غفلةً، ثم قالوا: إنَّ لهم صلاةً بعد هذه هي أحَبُّ إليهم مِن أموالِهم وأبنائِهم، فنزَلتْ صلاةُ الخوفِ بين الظُّهْرِ والعصرِ، فصلَّى بنا العصرَ، ففرَّقَنا فِرْقتَيْنِ”، وقد ثبت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنّه صلى صلاة الخوف بعد غزوة عُسفان في أكثر من غزوة، كغزوة ذات الرقاع وغزوة نجد وغيرها.
وممّا يؤكّد أنَّ صلاة الخوفِ لم تكن في غزوة الخندق وهي الغزوة التي سبق وقوعها قيام غزوة عُسفان، كما هي في بداية الإسلام؛ قام المسلمون بقتال المشركين لفترةٍ متواصلةٍ من الزمن، ممّا منعهم من أداء صلاة العصر على وقتها، فقضاها رسول الله وصحابته، وقد ورد ذكر هذه الحادثة في حديث عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-، حيث قال: “كُنَّا مع النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَومَ الخَنْدَقِ، فَقَالَ: مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وبُيُوتَهُمْ نَارًا، كما شَغَلُونَا عن صَلَاةِ الوُسْطَى حتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ وهي صَلَاةُ العَصْرِ”، وهذا الحديث يؤكّد أنَّ صلاة الخوف لم تكن مشروعة حتى السَّنة الخامسة بعد الهجرة.
وأجمع حصيلة من العُلماء على أنَّ صلاة الخوف شُرعت لأول مرّة في غزوة “ذات الرقاع”، منهم النووي رحمه الله تعالى حين قال في شرح مسلم: وشرعت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع، وقيل في غزوة بني النضير.
كيفية صلاة الخوف
صلاة الخوف التي وردت في القرآن الكريم هي أنْ يجعل الإمام المصلّين طائفتين؛ طائفة تحرس، وأخرى تُصلّي مع الإمام ركعة واحدة، وعندما يقوم الإمام للركعة الثانية؛ تنوي الطائفة التي تُصلي مفارقة الإمام فيتمّون صلاتهم وينصرفون للحراسة، ثمّ تأتي الطائفة الأخرى فتصلي مع الإمام الركعة الثانية فإذا جلس للتشهّد؛ تقوم هذه الطائفة وتصلي الركعة الثانية، والإمام جالس ينتظرهم حتى يجلسون للتشهّد ويُسلّم بهم، أمّا عند اشتداد الخوف فيُجوز للمصلين الصلاة حتى وهم راكبين أو واقفين ولا يكون استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة أمّا الركوع والسجود فيكون إيماءً.
صفات صلاة الخوف
قال الإمام أحمد: “ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز”، وقال ابن القيم -رحمه الله-: “أُصولُها ست صفات,وأبلغها بعضهم أكثر،وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجهاً فصارت سبعة عشر،لكن يمكن أن تتداخل أفعال النبي-صلى الله عليه وسلم-، وإنما هو من اختلاف الرواة”، قال الحافظ: “وهذا هو المعتمد”.
الصّفة الأولى ما ورد في حديث سهل ابن أبي حثمة الأنصاري -رضي الله عنه-، وقد اختار الإمام أحمد العمل بها؛ لأنَّها أشبه بالصفة المذكورة في القرآن الكريم، وفيها احتياط للصلاة واحتياط للحرب، وفيها نكاية بالعدو، وقد فعل- عليه الصلاة والسلام- هذه الصلاة في غزوة ذات الرقاع، وصفتها كما رواها سهل هي: ” أن طائفة صفت مع النبي -صلّى الله عليه وسلَّم- وطائفة وجاه العدو، فصلّى بالتي معه ركعة، ثمَّ ثبت قائمًا وأتمّوا لأنفسهم، ثمَّ انصرفوا وصفّوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلّى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا وأتمّوا لأنفسهم، ثم سلّم بهم” متفقٌ عليه.
الصّفة الثانية: ما روى جابر -رضي الله عنه-، قال: ((شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف، فصففنا صفين والعدوّ بيننا وبين القبلة، فكبّر رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- كبّرنا،ثم ركع وركعنا جميعًا،, ثمَّ رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثمَّ انحدر بالسجود والصَّف الذي يليه، وقام الصَّف المؤخَّر في نحر العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود،وقام الصَّف الَّذي يليه؛ انحدر الصف المؤخَّر بالسجود، وقاموا، ثم تقدّم الصَّف المؤخر وتأخر الصَّف المقدم، ثمَّ ركع وركعنا جميعًا، ثمَّ رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثمَّ انحدر بالسجود والصَّف الَّذي يليه وكان مؤخرًا في الركعة الأولى، وقام الصَّف المؤخّر في نحر العدو، فلما قضى -صلى الله عليه وسلم- السجود، وقام الصَّف الَّذي يليه؛ انحدر الصَّف المؤخَّر بالسجود، فسجدوا، ثمَّ سلَّمَ. -صلى الله عليه وسلم- وسلّمنا جميعًا)) رواهُ مسلم.
الصّفة الثالثة: ما رواه ابن عمر، قال: ((صلَّى النّبي صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة وسجدتين والأخرى مواجهة العدو، ثمَّ انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك، فصلّى بهم ركعة، ثمَّ سلّم، ثمَّ قضى هؤلاء ركعة، وهؤلاء ركعة)) متفّقٌ عليه.
الصّفة الرابعة: أنْ يصلّي بكل طائفة صلاة، ويسلِّم بها. رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
الصّفة الخامسة: ما رواه جابر؛ قال: ((أقبلنا مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- حتى إذا كنّا بذات الرقاع، قال: فنودي للصلاة؛ فصلّى بطائفة ركعتين، ثمَّ تأخروا، فصلّى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال: فكانت لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أربع وللقوم ركعتان)) متفقٌ عليه.
الصّفة السادسة: أنَّها قامت مع النّبي -صلّى الله عليه وسلَّم- طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدو، وظهورهم إلى القبلة؛ فكبَّر فكبّروا جميعًا الذين معه والذين مقابل العدو، ثمَّ ركع ركعة واحدة ركعت الطائفة التي معه، ثمَّ سجد فسجدت التي تليه، والآخرون قيام مقابل العدو، ثمَّ قام وقامت الطائفة التي معه، فذهبوا إلى العدو وقابلوهم، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو، فركعوا وسجدوا، ورسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قائم كما هو ثمًّ قاموا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة آخرى، فركعوا معه، وسجد وسجدوا معه، ثمَّ أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا، ورسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قاعد ومن معه ثم كان السَّلام، فسلّم وسلّموا جميعًا، فكان لرسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- ركعتان؛ وللقوم لكل طائفة ركعتان. رواه أحمد والنسائي وأبو داود.
إعداد: الكاتبة الأردنية نسرين الزيادنه