صندوق الرسائل بقلم: “مصطفى محمد علاء بركات”
قصة قصيرة بعنوان
( صندوق الرسائل )
ما لبث أن ضغط أصبعه على حرف ( الميم ) ، فى خانة البحث على شاشة الحاسب المحمول حتى قفز النص تلقائيا ” مسابقات أدبية ” تربع جالسا كالصنم ، انتزع الكشكول القديم الذى قارب على الإنتهاء و أمسك بقلمه الأسود ينقش شروط و محددات كل مسابقة ، و بعد فترة بدأ فى الكتابة ببطء و هدوء يكتب ثم يقف ينظر لشروط الصفحة و تنبيهات القائمين عليها ثم يمتعض قليلا و يتحسس ظهره متألما ثم يعود ليعدل بعض ما سبق له كتابته ثم قام بإرسال كتاباته الجامدة إلى أعضاء لجنة المحكمين أو للجنة المسيطرة على المسابقة ، اعتاد فعل هذا فى نفس الوقت من اليوم من عدة أسابيع يبحث كثيرا و يثبت الشروط و يقيد المكتوب و يرسل هنا و هناك ، و فى الصباح الباكر يفتح عينيه و تمتد أصابعه لصندوق الرسائل بتردد ينظر بعين مكسورة لصندوق الرسائل الواردة فى حساباته الخاصة بالتواصل الإجتماعى و يكرر هذا الطقس تقريبا مع كل صلاة مكتوبة ، و على مدى شهرين ظل يذهب و يدور و يعود لصندوق الرسائل فلا يجد شيئاً …
أشرقت بعض نتائج المسابقات التى ألقى فيها كتاباته ، هرول سريعاً ، قفز لأسماء الفائزين ، قرأها إسما إسما أصابه الوجوم ، أعاد قائمة الفائزين حرفا حرفا و أغلق شاشة الحاسب تنهد بقوة و أغمض عينيه طويلاً ، تكرر المشهد مرات و مرات ، يكتب و يرسل و يترقب يفحص صندوق الرسائل ليلا نهار و يتكرر المشهد
أختلس النظر مرة أخرى لأسماء الفائزين قام بطباعة شهادات تقديرهم ، تواصل معهم ، أرسل للجنة التحكيم ، علق على المسئولين عن تلك المسابقات ، معظمهم لم يرد وصلته ثلاثة رسائل على صندوق البريد : كلمات رقيقة ، ردود صادمة ، دعوات بالتوفيق ، اشتد غضبه كلما نظر لشهادات التقدير و الكؤوس الذهبية على شاشات التواصل الإجتماعية ، نظر لها بغيظ مكتوم
أمسك بشهادتهم المطبوعة ضغط عليها بيده بقوة فانكمشت بين أصابعه محدثة صوتا من فرقعة مفاصلها ، نظر للشاشة مرة أخرى
بتمعن ، زحف بأصابعه على الشهادات المطبوعة تمايلت نظراته و بدأ فى الحذف و التعديل و دمج الصور و النسخ و قام بإعادة الطباعة ، أصبح لديه على الحاسب عدة شهادات تقدير بإسمه و كؤوس و نسخ منها مطبوعة جامدة عليها إسمه هو ، قام لتكبيرها
و تصغيرها و تعديل حجمها و أرسل بعضاً منها لهاتفه المحمول
نظر لجانبه الأيمن كانت كتاباته ملقاة و مبعثرة ، نظر لها ، أمسكها ، حملها و رقد على السرير و أعاد قرائتها حتى غرق فى النعاس ، استيقظ من نومه العميق ، لم يضع هاتفه فى الشاحن ، نظر لجانب صغير فى غرفته انعكست عليه أشعة شمس الصباح ذهب إليه كان به بعض الكتب ألتقط أحد المراجع الأدبية فتحه ، ظل يقرأ فيه و يقرأ ، مرت ساعتين ، نسى أنه لم يتناول الإفطار قام من سريره الصغير إلى الصالة المتسعة و فتح النوافذ الصباحية ، غرز قلمه بقوة فى كشكول الشرط أحدث فيه شق واسع و مزقه نصفين ، فتح حاسبه المحمول و ظل يكتب و يكتب كانت أصابعه تتحرك برشاقة و خفة كعازف بيانو كلاسيكى ، و ما أن أنهى ما كتب اعتدل من رقدته على الكنبة و خرجت أنفاسه هادئة عميقة ، نظر لما كتب و قام بنشره على صفحته الرئيسية ثم كتب فى مربع البحث : كيف تتعلم الكتابة ، و أضطر لتغيير حسابه الإليكتروني فقد أعاد ضبط المصنع للهاتف لإمتلاء مساحة تخزين البريد الإلكتروني الخاص به و عدم قيامه كمستخدم بالتعامل عليه لفترة طويلة .
( تمت )
مصطفى محمد علاء بركات
جمهورية مصر العربية