عودة المسحّراتي بقلم: أحمد طالب بطمة
عودة المسحّراتي
بقلم: أحمد طالب بطمة
وهو يمرُّ عبر باب الحارة العتيق ، لم يعترضه بوابها ، ولم يستقبله ساكنوها . . . لربما لم يعد مألوفا لديهم ، لا يعرفون سوى صوته
به كان يهمس في آذانهم .. مع هدأة السحر ، لكنه اختفى لرمضانات عديدة ، ليس يحنُّ له إلا من عاصروه صغارا فقد علق في أذهانهم .
يحنّون له كما يحنّون لأيام الطيّبين ، قبل أن يدركهم زمن النكران . . . هاهم اليوم قد استبدلوه برنين الهاتف .
لكنَّ في عودته غرض ، اشتبهت عليه أزقّة الحارة الضيّقة ، قديمًا كان يجوب أبهيتها وممرّاتها ، مهتديًا بمصباحٍ تقليديٍ
يحمله في يدٍ وفي اليد الأخرى يحمل ما يطرق به آذان النائمين تنبيهًا لهم ببركة السّحور .
أمَّا اليوم فهو يتحسّس جدرانها بيدٍ ويملؤ يُمْنَاهُ بعصًا صارت جزءًا منه يتحسّس بها طريقه بعد أن ضعف بصره .
يرافقه حفيده تحقيقًا لرغبته التي أوقدها الحنين ونسيم الشهر الفضيل .
كيف حالك ؟ سأله حفيده بعد أن لاحظ عنه سرحانه وطول صمته .
فأجاب :
هذي الدكَاكينُ مَرَرْنَا بِهَا …. كُنّا نُلْقِي التحِيَّةَ على أصحابها ونَرَاهُم مُستَبشِرينْ .
يَسْتفتِحُونَ بِبراءَتِنَا وأذْكَارِ الصبَاحْ . يَرُشُّونَ عَلَى العَتَبَاتِ مَاءً وبَسَمَاتْ
هذي الدروب اهتدى بها المشاؤون بالظُلَمْ لمناراةِ الهُدَى والعِلمْ
هذي البيوتات آوتِ الوقارَ وجاورتِ الطمأنينة
هذي الشرفات أطلّتْ على العُرْفِ والمعْروفْ
هذا الفضاء سكونٌ وهديلُ حمامْ وتغاريدُ بلبلٍ رنّامْ
هذا الهواء نسيمٌ وريحانْ وتنفُّسُ صبْحٍ ومخابِزٌ ودخانْ
هذي الدكَاكينُ مَرَرْنَا بِهَا وكُنَّا كُلَّمَا ابتَعدْنَا نَسْتوْحِشُ الطرِيقْ .لأَنّهً …. ليسَ يُشبِه بِدَايَاتِهْ ….. الزَّمَانُ لهُ أثرُهْ ….لا يُتِيحُ لكَ أنْ تنعَمَ بمَا مَضَى إِن عَاوَدَكَ إِليهِ الحَنِينْ .
كان للحارة باب وحارس أمين ، كانت ليالي الساكنين آمنة
لم يكن للشرور سلطان تنفذ به
كان الباب رحمة من ربي
…….. حتى اسطاعوا أن يظهروه ……