المقال

غدر حكمة السنين ومأربها بقلم: الأستاذ الحاج نور الدين بامون

غدر و مكر حكمة السنين ومأربها*-
للسنين حكمة والحكمة كتاب يصعب فتحه ويتعذر على مقتربه مسكه وعلى متصفحه قراءته لعدم وضوح خطه ولا كتابات صفحاته ولا فهم معانيه.
حذاري من حكمة السنين إن أهملتها، فالحكمة أقدار والأقدار مواعيد والموعيد أجندة و الأجندة شذرات و الشذارات قصاصات، والقصاصات بوح القلم و خط الأنامل لما يأمر به صاحب المملكة و أمين سرها.
فكن حذر فطن لا تستهين بها ولا تستصغرها، فهي ليست الكائن الضعيف كما صورها لك خيالك الواسع و فكرك الضيق، وليست بالمضغة السائغة السهلة الإبتلاع، ولا باللقمة الطرية التي تلتهم بسرعة بشراسة ونهم، وليست بالقشطة سريعة الذويان التي تلعق كالزبدة و كالحليب من الثدي للحلق مرور بالشفتين و بسماح و رضا صاحب المقولة والناطق الرسمي باسم الأعضاء بجلالة قدرها و سمعة مكانتها.
فكن حذر متسلح، لا تأمن مكرها إذا غضبت، ولا تأمن غدرها إذا زعلت، ولا تستأمن بطشها إن هي همشت. ولا تأنس لها إن لم تستجيب لها وقت الحاجة، ولا تتق بها أن غدرت بها ولا تصدق وعدها إن خذلتها.
فكن يقظ بحذر، فغدر حكمة أشد غدر عرفته البشرية من خلال السنين الفارطة. وكن على حذر في كل رمشه عين قبل أن تغريك بما لها من زين فتان وقوام رشيق، وكن على ترقب لمكرها من كل الجوانب و لدهائها من كل الجهات وفي غالب الحيان لكل الأوقات.
فهي الذئب المفترس في ثوب خروف حمل وديع وهي الأفعى في شكل باقة ورد ملتفة على الغصن، وهي السم في الدسم اللهم أحفظنا من شرها وأقينا من نفث سمومها ومن لسعتها.
فالحكمة ضالة العبد في زمان ألا ثقة والغادرة به في زمان ألا أمان، والمنتقمة لنفسها ولجنسها في زمن ألا حياء وصاحبة الثأر تنفذه وقت ما يحلوا لها وصاحبة مزاج متقلب لا تستقر على رأي فكل ما تريده وتحبه هي تجسده على أرض الواقع في الصورة التي بنتها ورسمتها في مخيلتها ووضعتها نصب أعينها وقت ما تشاء ومتى تشاء وأينما تشاء.
فكن فطن مفتح الأعين لتلاعبها وزيفها ولاتصدق لمعان حديثها البراق ولا كلامها المعسول ولا أهاتها الكذابة المنبعثة بزفراتها النفاثة وسمومها الفتاكة، فكن على يقظة بكرة وعشية وصبح مساء. فالعمر مرة واحدة لا إثنان والعمر حياة والحياة سنين وللسنين حكمة، ولكن الحكمة متقلبة ووغير مأتمنة ولا ولا ولا ولا ولا ولا ولا.
بقلم الأستاذ الحاج نورالدين احمد بامون — ستراسبورغ فرنسا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى