في المحطة بقلم: “سهام رمضان محمد حسن”
بقلم/سهام رمضان محمد حسن
مصر/اسوان
قصةقصيرة بعنوان /في المحطة
توقف القطار، فنزلت هاجر لتستنشق الهواء لحين استئناف الرحلة ، وبمجرد ان وطئت قدمها الرصيف ،اذ بسيدة في زاوية الرصيف وبجوارها صغيرتها، تنظر لها بدموع منهمرة ، واليأس قد استوطن روحها ، و الحزن اقام مآتمه علي ملامح وجهها الشاحب ،تأملت هاجر السيدة و صغيرتها ،ما بال هذه السيدة واي وجهة في الحياة اتخذت؟
تقدمت هاجر نحوها ،لتسألها عن سبب حزنها ، وقبل ان تنهي سؤالها ،كانت إجابتها كالصاعقة علي مسمع هاجر ،و اجابتها ببساطة ، وكأنها استساغت طعم العذاب ،طعم الذل و الهوان، بأنها لم تبرح الرصيف منذ اسبوع او اكثر ،ليس لها مأوي و لا عائل ،استرسلت هاجر اسئلتها ،كيف هذا ،اين زوجك ،اين عائلتك ، واين الانسانية؟.
اهدأي يا عزيزتي لست انا بالحالة الأولي ، ولن أكون الأخيرة ،طالما ان افكارنا لم تتغير، وعقائدنا متزعزعة ،لن تكون الأخيرة. لقد تزوجت برجل غير صالح لا يخشي الله ،يعلم جيدا انه سندها وان ليس لها سواه ،مع ذلك تركها وتزوج اخري بحجة انها لم تنجب سوي طفلة واحدة و هو يريد من الأولاد عزوة ،مع أن لم يمر علي زواجهم الكثير و عمر الطفلة عام ونصف ، غير الضرب و السب ،اي زوج هذا ؟!
فكانت كالمستجير من الرمضاء بالنار ؛كانت معاملة اهلها القاسية و حياة الذل التي عاشتها في كنف اسرتها ،دافعا لتقبل بزوج مثله ،فشقيقها الاكبر وزوجته الذين اُنتزعت منهم الرحمة يعاملونها كالأمة ،خاصة بعد وفاة والديها ،اي اخ هذا و اي زوجة تلك ؟!
هذا الاخ الذي لا يعلم انه بعد الأب أب، انه الجناح الذي ترفرف به تلك اليمامة ، هذا الاخ الذي لا يعلم قول الله تعالى “سنُشدّ عضُدّك بأخيك “ ، لا يعلم انه الوطن الذي تسكنه الروح المضطربة ،انه الامان و الظل الذي يُستظل به من حرور الحياة .
صمتت هاجر و سرحت بفكرها بعيدا ،هل دافعها كافي للعبث بحياتها هكذا ،
العائلة ليس اسما ببطاقة تعريف الهوية ، انما العائلة دفء من برد الشتا و ظل من حرارة الصيف ،العائلة ؛ حضن واسع تجتمع به احزاننا وافراحنا ،العائلة وطن تسكن اليه الروح بعد طول السفر. فإن لم نجد هذا الوطن تظل ارواحنا مشردة غريبة بلا مأوي. فباتت روح تلك السيدة مشردة غريبة ،لتسكن وطن غير وطنها وأرض غير أرضها.
استرسلت هاجر حديثها ،لكنك لم تخبريني كيف انتهي بك الحال هنا ؟،اخبرتها بأن مرارة الذل في بيت زوجها لأهون من مرارته في بيت عائلتها. في احدي المشاجرات بينها و زوجها ، طفح الكيل فغادرت البيت قاصدة بيت اخيها ،لكنها لم تجد مكان لها هناك ،استضافها كالغريبة ،غير معاملة زوجته قاسية القلب لها ،ففي احدي الليالي تشاجرت معها ،ليحكم الاخ متجردا من الاخوة ان تغادر البيت في التو و اللحظة غير آبه بمصيرها ،غير آبه برابطة الدم بينهم ،طردها في ظلمات الليل و جوفه، تغوص هي وابنتها في هذه الظلمات تؤنسها دموعها ،لا تعلم اي وجهة تقصد ،غير مدركة لمكان او زمان فقد تجمدّت لديها كل الحواس… ولم تجد سوي بيت فرعون وجهة ،و هل يقبل فرعون بها جارية ؟!
فأرسلت له العديد من المراسيل تتوسل اليه المغفرة علي ذنب لم يرتكب ، راجية منه الرحمة و الغفران ،ارسلت له انها قبلت بأن تكون جارية ،خادمة، وانها لن يكون لها حق في الحياة من اليوم و صاعد، فهي مشردة في غيابه .و بعد العديد من مراسيل التوسل و التذلل قبل بها فرعون كجارية في بيته… و هي تنتظر قدومه لتعود معه الي البيت ،فكم تشتاق للمأوي وكم تشتاق للأمان ؟!
حان موعد مغادرة القطار ،ودعتها هاجر لتستأنف رحلتها ،غير مودعة جم الافكار التي تدور برأسها ،وكم التساؤلات التي تجوب عقلها.
ما أصعب الحياة حين تلقي بنا بين طريقين كلاهما جمر و علينا ان نسير علي احدهما ، فعلينا حينما نحاول الهرب ان نختار الطريق الصحيح ،فما ذنب تلك الطفلة ان يُختار لها أب كهذا ؟ .ففي كثير من الاحيان لا تجني علينا الحياة بل نحن من نجني علي انفسنا ،فمعاملة الاهل القاسية ليس دافع لسوء الاختيار ……..