إشراقات أدبيةالقصائد

* في رِثاء أم كلثوم) – بقلم الشاعر (محمد رشاد محمود

  • (في رِثاء أم كلثوم) – (محمد رشاد محمود)
    في الثالث من فبرايرعام 1975على شاطئ النيل وعلى عتبة فيلا وردية في الزمالك تكتنفها من أقطارها السكينة ، سرعان ما جرت عليها يد الهــدم ، لتستبدل بها فندقًا فارهًا باسم صاحبتها ، وكنت حينهــا طالبًا للفنون ، يروقني أن أســتروح ، فأجنح رائحًا غاديًا مراوحًا بين النظرإليهــا وتأمُّل صفحة النيـل ، وقفت أهــدر بأبياتي الأولى في رثاء فقيدة الغناء التي أثرت الوجدان العربي وشدت بأعذب قصائد العربية أم كلثوم ، وكانت العاطفة متأججة ؛ لقرب العهد بفقدانها وتمَثُّلها شاخصَةً في الذهن والقلب ، بحيثُ يعسُـرُ تصَوُّرأن تعبـرإلى الضفة الأخرى حيث لا تعود نبأةٌ مِمَّن يروح ، فكانت هذه الأبيات :
    `ذَروهُ يَبُــثِّ القَبــــرَ كَـــــربًا فــواصَبرا
    فُؤادًا شَـــجاهُ الدَّهـــرَ أن تُودَعَ القَبــرا
    أحـــنُّ إلـى مـثـوًى يـضمُّ رَفـاتَهَـــــــــا
    وتَشـــرَحُ ذِكــــراهـــا الفـؤادََ إذا يَفـرَى
    ولـي في حشــايَ مِن هَــواهــــا تنائِـفٌ
    سَلَفنَ ريَاضَ النَّفــسِ هامَت بها سكرَى
    نضَرنَ فَلَـــمَّا اســـتَروَحتهــــا ضـراوَةٌ
    قَضَت فَغُرابُ البَينَِ أضحَــى بِهـــا نَبْرا
    عِيَاذًا تُرَى يَســـخو الــزَّمانُ بِمِثلِهــــــا
    رَوَاحًــا ويَـرتَدُّ الـزَّمـانُ بِـهِ دَهـــــرا ؟
    إذا مَــــا تَلَــــت أُنشُــــودَةً عَبــقَريَّــةً
    سَـقَتهَـــا نِيَاطَ الـقلـبِ والأنمُلَ العَشـرا
    كــــأنَّ دُفــوقًا فِي الشَّـــرَايِينِ رُقرِقَـتْ
    شِــعابُ قلوبِ المُنصِتِينَ لَهَـــــا مَجرَى
    إذا سَــمِعَتهَــا الـنَّفسُ طاشَتْ هُمومُهـا
    أفاعيَ سَكــرَى تُخلِفُ الخفضَ واليُسرا
    تُحيلُ لَهــــيبَ الرُّوحِ رَوْحًا بِظِلِّهَــــــا
    وتَقـصِدُ إِمَّــا مــاتَ أن تُنبِــتَ القَفـــرا
    فكـــيفَ يَزيمُ الـبَينُ إرخاء شَــدوِهَـــا
    وتَجسُـــرُ ذِي اللَأواءُ أن تَغمُرَ الـعُمرا؟
    عَزيزٌعلـى الـنَّفـــسِ المُؤَرَّقِ جَفنُهــــــا
    شََديدٌ عَظيمُ الخَطبِ أَن تَفقِدَ الـجَدرا
    فيــا مُنيَــةُ قَــد صِرتِ طـوعَ مَـنِيَّــةٍ
    تُكَــــتِّمُ نَجواهـــــا وتُلزِمُهــــا الصَّخرا
    فـراقِـكِ جــلَّابُ الــدَّيَـاجِـيـرِ طاعِــنٌ
    هَـــرَقتُ لَه الكــأبـاءَ والـدَّمعَ والشِّـعرا
    فيا طُولَ ما أشـقَى ويـا كُـثرَ ما جَنَى
    ويا رَوعَ ما أضْرََى ويا هَـــولَ مـا فَرََّى
    مَشِــيتُ عَلَـى تُربٍ بِدارِكِ كَــــم سَــمـا
    بِدَركِـــكِ فــاقتاتَ الفُــوادُ بِــــهِ حَـــرَّا
    خُلِـقتِ لَهَــــأةَ الرُّوحِ تُحيي لَهَــا الـمُنَى
    وتُردي شَكَـــــاةً في جَوانِبِهــــا حَـرَّى
    ســـلامٌ علـــى قَبــرٍ طـواكِ ومَــا طَوَى
    عن الخَلقِ إلَّا الخفضَ والمَجـدَ والفَخرا
    (محمد رشاد محمود)
    ………………………………………………
    فَرِيَ (كرضِيَ) يفرَى : تحَيَّرَ ودُهِشَ .
    النَّبر : صياح الفزَع . يَزيمُ : يُسكِتُ .

المحرر الصحفي: عوض خلف عوض

مراسل صحفي في صحيفة نحو الشروق مدير في شركة سياحية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى